كانت الإنسانية قبل مولد الرسول الكريم في ظلام شديد, وجهل كبير, تتخبط في دياجير الفوضي والانحلال, وتتعثر في مهاوي الباطل والضلال, وظل الناس في شقاء وعناء, يلتمسون الدواء والشفاء, ويرجون بصيصا من النور والضياء. حتي أشرق علي الكون سيد المرسلين, فكان مولده أكبر حادث في تاريخ الزمان, وأكبر تحول في حياة الإنسان, فلم ير الناس إلا أمينا حكيما نبيلا في كل مواقفه, وشريفا صادقا رشيدا في شتي تصرفاته, يصل الرحم, ويحمل الكل, ويكسب المعدوم, ويعين علي نوائب الحق, كما ذكرت خديجة رضي الله عنها. وحين أراد الله للناس الهدي ودين الحق, والخلاص من حياة الشرك والظلم والفساد, وقسوة الفسق والفجور والطغيان, أرسله سبحانه هاديا ومبشرا ونذيرا, وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا, حيث يقول عز وجل: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا, لقد كان نعمة ورحمة وبشري ونورا, فاهتدي الناس بالنور الذي أنزل معه, وسعدوا بسراجه المنير, وصراطه المستقيم, و بالهدي ودين الحق أخرج قومه من الظلمات إلي النور, وأصبحت سيرته العطرة ذات أثر كبير في حياة المسلمين, وقام نوره المبين بالتصدي لكل الأرجاس والأدناس, ومحاربة المظالم والآثام, مبينا ما فيها من رذائل وقبائح ومفاسد وجرائم, وحريصا علي نقل الناس من الضلالة إلي الهدي, ومن الغي إلي الرشد, ومن الجهل إلي العلم, ومن فضل الله علي نوره المبين أن أول ما نزل من آيات القرآن قول الله لنبيه: اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم, وذلك دليل علي أن رسالته الطاهرة تعول علي العلم وضيائه الثاقب, ولا يستغني عنه في جهادها الكبير, وتحقيق ما ينفع الناس, وعندما انطلق سيد المرسلين يدعو إلي الله, آثر نوره المبين أن يعتصم بالحكمة, والموعظة الحسنة, والجدال بالتي هي أحسن, مستجيبا لأمر ربه, يقول تعالي: ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن, ولم يتخل عن الرحمة واللين والرفق, لأنه كان يعرف أن أمته كانت تحتاج إلي ظلالها الوارفة, ونفحاتها الشافية, ومنهجه النبوي يشيع نورها, ويوضح أن من لا يرحم الناس لا يرحمه الله, وأنه لا إيمان دون رحمة, وأنه لابد أن تكون شاملة ممتدة, يقول ربه الرحمن الرحيم: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, ويستطيع بالرحمة أن يجمع المؤمنين, ويهزم العنف والقسوة, يقول سبحانه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك, إن سراجه المنير يعتمد علي كتاب الله في رسم طريق الصلاح, ودفع المؤمنين إلي آياته, ليجدوا فيها الأسوة والهداية والزاد والنور والسكينة والمدد, وسيد المرسلين يتلو عليهم الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة, ولكي يفتح أمامهم طريق السعادة, ويحقق لهم سبل النجاة, يقوم نوره المبين بإرشادهم إلي أسس الإسلام, وحقيقة الإيمان, ليعلموا أن الإسلام بني علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والحج, وصوم رمضان. أما الإيمان فهو أن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, ويؤمنوا بالقدر خيره وشره, والحق أن رسول الله كان يريد بما صنعه العناية بترسيخ العقيدة الصحيحة, وقد منحه المنهج القرآني الخير الكثير في التربية والتعليم, وبث مكارم الأخلاق, والحث علي التمسك بالقيم الرفيعة, والانتفاع بالآداب التي تفيض بأسمي التوجيهات في باب الفضائل, وضبط السلوك وحسن الخلق. إن نوره المبين لم يغفل عن تبيين ما يكفي تزكية الأرواح, وتنوير العقول, وتوضيح ما يحمي المسلم من الخسران, وهو الإيمان والعمل الصالح, والتواصل بالحق, والتواصي بالصبر, إن التمسك بالقرآن وتوجيهاته دستور أعلي للدعوة والحياة والدولة والحضارة, وما أعظم هذا النور! لقد قدم للناس سيرة المصطفي تزدان بالمحامد والمحاسن, وأزكي التعاليم, وقصد أن تكون منهجا أعلي للحياة الإنسانية, وهو المنهج الذي نطالب المسلمين بالاحتفال به في ذكري مولده, والاقتداء بنوره المبين, وصراطه المستقيم. الأستاذ بجامعة الفيوم