العباءة أو النقاب رداء إعتادت بعض النساء علي إرتدائه منذ حقب طويلة, فالهدف منه هو تغطية البدن كله من أعلي الرأس إلي أخمص القدمين تجنبا للفتنة, غير أنه في الشيشان للعباءة إستخدامات أخري, فقد تحولت إلي درع تختبئ خلفه انتحارية تسعي لتحقيق اكبر خسائر بشرية ممكنة في الأرواح. سلسلة التفجيرات التي هزت روسيا في الأيام الأخيرة والتي أثارت مخاوف مبررة تتعلق بالسلامة والأمن قبيل الألعاب الأوليمبية التي ستنظم في مدينة سوتشي الروسية, طرحت مسألة تثير انتباه المراقبين في الخارج والمتمثلة في إقدام النساء بالتحديد علي تنفيذ أحد أسوأ الأعمال الإرهابية في الفترة الأخيرة, ومع أن مشاركة النساء في التفجيرات الانتحارية ليس جديدا في الصراعات وبؤر التوتر العالمية بدءا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس انتهاء بالحرب في سيريلانكا, إلا أنه مع ذلك يبقي دور الأرامل السوداء كما إعتادت وسائل الإعلام علي تسميتهن, لافتا في التمرد الطويل والممتد بشمال القوقاز. مشاهد الجهاديات الشيشانيات تبادر إلي الأذهان مجددا بعد أن أعلنت السلطات الروسية إقدام امرأة انتحارية تدعي أوكسانا أسلانوفا, وهي أرملة لمقاتل داغستاني, علي تفجير نفسها داخل محطة فولجوجراد الروسية القريبة من منطقة القوقاز المضطربة, مخلفة مقتل16 شخصا علي الأقل وجرح حوالي40 آخرين; وهو الحادث الذي يأتي بعد شهرين من هجوم انتحاري آخر نفذته امرأة معروفة بلقب أمة الرحمن, والتي فجرت نفسها داخل حافلة ركاب في فولجوجراد بأكتوبر الماضي فقتلت نفسها و5 آخرين. أوكسانا هي من النوع المحاط منذ زمن بأمجاد انتحارية بامتياز, فمع أن عمرها26 سنة إلا أن الجهادية التي اعتنقت الإسلام تزوجت علي مراحل من رجلين مسلمين, وكل منهما قضي قتيلا في اشتباكات مع القوات الروسية, وحسب المحققين فإن التفجير الذي قامت به هو الاعنف من نوعه في روسيا منذ أكثر من عامين, فقد فجرت أوكسانا نفسها أمام جهاز للكشف عن المعادن عند مدخل ردهة المحطة التي كانت ذلك اليوم أكثر ازدحاما من المعتاد بسبب السفر لقضاء عطلة نهاية العام. ويأتي تفجيرا فولجوجراد المتعاقبين بعد دعوة زعيم تنظيم إمارة القوقاز في الشيشان, دوكو عماروف, أتباعه من المقاتلين الإسلاميين للوقوف بالقوة من أجل منع إقامة دورة الألعاب الشتوية المزمع تنظيمها فبراير القادم بمدينة سوتشي الروسية علي البحر الأسود, وذلك عبر شريط مصور بثه مطلع يوليو الماضي قال فيه إن روسيا تخطط لإقامة الألعاب علي عظام أجدادنا وعظام العديد من المسلمين الذين دفنوا علي أرضنا في البحر الأسود, ونحن كمجاهدين علينا أن نمنع ذلك باستخدام كل الطرق التي أحلها الله لنا. كل هذه العمليات الإنتحارية دعت البعض إلي التساؤل, من هن هؤلاء الأرامل السوداء؟ ومن يقف ورائهن؟ وما السبب الذي يدفع أي إمرأة إلي الإقدام علي قتل نفسها وقتل الأبرياء؟ وللإجابة علي هذا السؤال لابد أن نلقي نظرة بسيطة علي تاريخ الحرب بين روسيا والشيشان والتي كانت السبب الرئيسي في ظهور هذه الخلية, ففي عام1991 وبمجرد أن أعلن جوهر دوداييف رئيس جمهورية الشيشان الأول استقلال الشيشان عن روسيا وقاد المقاومة, رفضت روسيا استقلال الجمهورية وقادت حربا ضارية ضد الشيشان سميت بحرب الشيشان الأولي, واستمرت تلك الحرب الضارية بين روسيا والشيشان ثلاث سنوات بقياده القائد العسكري شامل باساييف الذي قام بعدة عمليات من أجل الاستقلال وفرض شروطه في محادثات السلام مع الحكومة الروسية. وبعد تولي أصلان مسخادوف رئاسة الجمهورية تم توقيع اتفاقية لوقف الحرب وخروج الروس من الشيشان وإجراء لا يختلف اثنان علي أن منظمة رياض الصالحين التي أسسها في نهاية تسعينيات القرن الماضي زعيم الحرب الشيشاني شامل باساييف كانت المحرك الأساسي ومولد العمل الانتحاري في منطقة القوقاز وهي كانت وراء ظهور وانتشار ظاهرة الأرامل السوداء, ومنذ تأسيسها وحتي مقتل باساييف حملت كل الهجمات الانتحارية توقيع المنظمة واعترف باساييف بمسئوليته عن إعداد وتدريب الانتحاريات وإرسالهن الي المدن الروسية, وفي هذا الموضوع يرجح بعض الخبراء إن من أهم الأسباب التي تشجع علي ضم النساء إلي النشاط الإرهابي هو أنهن لا يثرن الشبهات حين يتجولن ميدانيا ولا يخضعن للمراقبة كالرجال, إضافة إلي أن ملابس المرأة في بعض البلدان تكون الأنسب لإخفاء عبوة وحزام ناسف. واستمرارا لفكرة الجهاد من أجل الاستقلال ظهرت جماعه الأرامل السوداء وهم مجموعة من المقاتلات الانتحاريات قدمن من شمال القوقاز, تلقين تدريبا عسكريا علي أعلي مستوي لينتقمن لأفراد عائلاتهن الذين قتلوا علي أيدي القوات الروسية, فهن بدون عمل ولا مال ولا أزواج ولم يعد يلوح بأذهانهن إلا سبب واحد يدعوهن للحياة ألا وهوالانتقام!