يثير دهشتي وامتعاضي إصرار أبواق جماعة الإخوان الضالين علي اتهام أولي الأمر في مصر بعد الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية في يونيو/ يوليو2013 بالعمالة للولايات المتحدة. فالجماعة الضالة نشأت في كنف الاستعمار البريطاني وقت احتلاله مصر وظلت علي علاقة وثيقة بأجهزته الاستخباراتية المناوئة للسلطة الوطنية في مصر إلي أن أسلمت قيادها وتبعيتها للدولة التي ورثت دور بريطانيا الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية, أي الولاياتالمتحدة. والواقع أن بعض فصائل اليمين المتأسلم الأخري حذت حذو جماعة الإخوان الضالين في استجلاب رضا الإدارة الأمريكية عندما لاحت لها الفرصة للعب دور مؤثر في حكم مصر, خصوصا بعد أن تأكد عزم الجماعة الضالة علي الاستئثار بالسلطة وإقصاء الجميع حتي حلفائها من التيار نفسه. وليس من غرابة فجميع فصائل اليمين المتأسلم نشأت كالنبت الزاحف السام من داخل الجماعة الضالة, وللنبت أن يتمثل طبع الأصل. أما عن النشأة, فتحدثنا كتب التاريخ عن أن بريطانيا العظمي, أثناء احتلالها مصر, وفي تعاونها مع القصر الملكي حينئذ, أعيتها الحيل في مكافحة الحركة الوطنية التي استعرت بعد ثورة1919 مطالبة بجلاء المحتل والاستقلال الوطني التام لمصر. وكان أن تفتق ذهن ضابط مخابرات بريطاني داهية عن أن السبيل الوحيد لضرب العاطفة الوطنية في مصر هو مقارعتها بعاطفة أخري يميل لها المصريون بشدة, ووجد ضالته في قوة التدين الفطري للمصريين. ما يعد تطبيقا خبيثا لسياسة فرق تسد الاستعمارية. وتمثلت خطته الشريرة في استدعاء المقدس الإلهي لينافس العاطفة الوطنية في عقول وأفئدة المصريين. وفي1928 تسلم حسن البنا مؤسس الجماعة أول معونة مالية من المخابرات البريطانية بصك مصرفي من شركة قناة السويس, واجهة الاستعمار في مصر حينذاك, استعمله لإقامة مقار لجماعة الإخوان في عموم البلاد. واستمرت علاقة تآمر الجماعة الضالة ضد الحركة الوطنية في مصر كما يوثق لنا الكتاب المهم الذي أصدره المركز القومي للترجمة العام الماضي بعنوان التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين للكاتب البريطاني مارك كورتيس والذي يقوم محتواه علي الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية مؤخرا, وخاصة وثائق الخارجية والاستخبارات. ويبين الكتاب كيف أن الحكومات البريطانية المتعاقبة, من حزبي المحافظين والعمال علي حد سواء, وتحت ستار ما سمته المصلحة الوطنية, تواطأت لعقود طويلة مع القوي الإسلامية المتطرفة. في الشرق الأوسط ومصر تحديدا, بلغ الاعتماد علي القوي الإسلامية ذروته إبان الحرب العالمية الثانية وما بعدها. وبلغ التآمر الخياني أقصاه في العمل علي إسقاط سلطة عبد الناصر, وهل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة؟ فقد كشف العديد من الوثائق السرية للاستخبارات البريطانية عن تلقي الجماعة أموالا من الاستخبارات البريطانية سرا منذ.1942 وفي أوائل عام1953, اجتمع مسئولون بريطانيون مباشرة مع مرشد الإخوان الهضيبي, في الظاهر لمعرفة موقف الإخوان من المفاوضات الوشيكة حول جلاء بريطانيا عن مصر. ويذكر الكتاب أن دخول الجماعة في هذه المفاوضات جري بطلب من البريطانيين وأثار صعوبات لمفاوضي الحكومة المصرية متيحا للجانب البريطاني أداة للتأثير من أجل إضعاف موقف مصر في مفاوضات الجلاء. وفي يناير1954 تصادم أنصار الحكومة والجماعة في جامعة القاهرة وأحرقت سيارة جيب للجيش, ما دفع عبد الناصر إلي حل التنظيم, وكان بين قائمة الاتهامات الموجهة لهم في مرسوم الحل, الاجتماعات التي عقدوها مع البريطانيين التي ترقي إلي مستوي المعاهدة السرية. وهل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة, مرة أخري؟ وعندما انتقل لواء الاستعمار في المنطقة العربية إلي الولاياتالمتحدة, تحولت قبلة الجماعة الضالة إلي واشنطن عاصمة الاستعمار الجديدة. وفي السنوات الأخيرة تتضمن علاقة الجماعة بالإدارة الأمريكية عقد مفاوضات مع مسئولين امريكيين بمقر النادي السويسري بإمبابة2004 بوساطة أمريكي من أصل مصري. وفي الفترة الانتقالية الأولي حج الإخوان لواشنطن لتلقي البركة لحكم مصر بتقديم التعهدات بالحفاظ علي المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة العربية وعلي رأسها أمن إسرائيل إن وصلوا للحكم, بالاستفادة من تغلغل التنظيم الدولي للإخوان في البلدان العربية, خاصة في قطاع غزة, صداع إسرائيل المزمن, والذي يحكمه فرع من هذا التنظيم الدولي. وشملت التعهدات الوعد باحترام اتفاقية كامب ديفيد ومنع اي استفتاء شعبي علي مجرد تعديلها, علي الرغم من عدم احترام إسرائيل تعهداتها وفق الاتفاقية. وكان التعهد الأخطر هو اقتطاع جزء من سيناء لتوطين فلسطينيي غزة فيها بما يريح إسرائيل من هذا الصداع. والثابت أن الولاياتالمتحدة قدمت دعما ماليا ضخما للأحزاب الدينية التي نشأت, بالمخالفة للقانون, تحت ستار المرجعية الإسلامية في ظل حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة. فقدمت الولاياتالمتحدة مليار جنيه مصري وتدريبا علي طرق خوض الانتخابات لهذه الأحزاب الناشئة وقدمت قطر مبلغا مماثلا. واغلب الظن أن الزيارات شبه الأسبوعية لرؤساء المخابرات الحربية والمركزية الأمريكية لأولي الأمر في مصر خلال المرحلة الانتقالية الأولي, تضمنت نصحا, حتي لا نقول ضغوطا, بتيسير وصول الجماعة للسلطة في مصر. والحق ان الجماعة الضالة, في السلطة, قد حافظت علي تعهداتها للإدارة الأمريكية ولو بخداع الشعب في مصر والمنطقة كلها. فالاتفاق الذي انهي الهجوم الإجرامي الإسرائيلي علي غزة في2012, وتدخلت سلطة الجماعة في التوصل لهدنة فيه وصورته حينها علي أنه انتصار, لم يكن إلا استسلاما تعهدت فيه سلطة حماس كتابة لأول مرة بالامتناع عن شن أي أعمال عدائية تجاه إسرائيل لمدة عشر سنوات. لنا الآن أن نفهم الدعم المستمر وغير المفهوم ظاهريا من أجنحة في الإدارة الأمريكية للدفاع عن جماعة الإخوان الضالين وقادتها, وهجومها علي إعلان الحكومة المصرية هذه الجماعة تنظيما إرهابيا. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى