رغم رفض الدول العربية التدخل العسكري في سوريا منذ الشهور الأولي من إعلان بشار الأسد الحرب ضد شعبه الأعزل, أصبح المشهد السوري الآن تحت سيطرة أكبر أجهزة المخابرات في العالم. وبعد مرور نحو ثلاثة أعوام من اندلاع الثورة المجيدة ضد النظام القمعي, اختفي الشعب من المشهد ليحل محله آلاف المقاتلين الأجانب الذين تلقوا التدريبات وتدفقوا علي البلاد للجهاد. وبفضل دعوات رجال دين مسلمين بارزين لكل مسلم قادر علي ضرورة القتال إلي جانب إخوته في سوريا, أصبحت الجهادية الطائفية في البلاد وكأنها جن عملاق انطلق من الزجاجة, بحسب وصف المراقبين. وبينما تغيب التقديراتالرسمية, يؤكد معهد واشنطن للدراسات أن حوالي11 ألف مقاتل أجنبي من74 دولة( من بينها دول عربية) أصبحوا مقاتلين في المعارضة السورية. ويوضح أن الرقم يعكس العدد الإجمالي شاملا مقاتلين مازالوا في ميدان المعركة, ومنهم من عادوا إلي أوطانهم أو قتلوا. الظاهرة اللافتة, أن ميدان الجهاد في سوريا جذب أعدادا كبيرة من المجاهدين الأوروبيين والغربيين, علي عكس ما كان الحال في أفغانستان و العراق. وتشير مجلة تايم الأمريكية إلي أن تجنيد مجاهدين من الدول الأوروبية والغربية للحرب في سوريا أسهل مقارنة بحالتي أفغانستانوالعراق, حيث أنهم لم يصطدموا بفكرة مواجهة بني أوطانهم في ميدان المعركة, نظرا لعدم وجود جيوش غربية في سوريا. وتتفاوت التقديرات حول عدد المقاتلين الأوروبيين في سوريا, فيؤكد معهد واشنطن أن عددهم نحو1900 مقاتل, بينما كشفت صحيفة لا ليبر بلجيك البلجيكية نقلا عن مصادر أمنية بلجيكية, عن أن عدد الأوروبيين المجاهدين يتراوح ما بين4 إلي5 آلاف شخص, وهو ما يضع أوروبا أمام تحديات جمة لكنها بالتأكيد ليست أخطر مما ينتظر الشرق الأوسط. ولعل هذا العدد الهائل يثير علامات استفهام كثيرة, أبرزها طريقة تجنيد الجهاديين في أوروبا, وإذا ما كانت هناك منظمات تعمل بشكل منهجي بهذا الصدد, ومدي إحاطة المخابرات الغربية علما بهذه الأنشطة. وما يؤكد هذه الشكوك, أنه عندما كشفت صحيفة ال جورنالي الايطالية في يونيو الماضي عن مقتل شاب إيطالي تحول إلي الإسلامفي سوريا أثناء قتاله في صفوف أكثر المجموعات تطرفا. وأكدت مصادر مخابراتية ايطالية للصحيفة أن هناك مقاتلين إيطاليين آخرين في سوريا غالبيتهم من أصول مهاجرة, وأنهم جميعا قيد رصد ومراقبة المخابرات الايطالية. وإذا كانت همزة الوصل بين المسلحين في سوريا والمرشحين للجهاد في أوروبا غائبة, فإن خط سير المتطوعين يبدأ بالسفر إلي تركيا في الأغلب بحسب معهد واشنطن وفي بعض الأحيان لبنان, أوالأردن و العراق. يتوجه بعد ذلك المتطوع إلي منطقة الحدود مع سوريا, حيث يكون الاتصال بعناصر تقوم بضمهم الي احدي المجموعات القتالية. و يكشف ماثيو أولسن مدير المركز الوطني لمكافحة الارهاب بالولايات المتحدة, عن أن عدادا متزايدا من المقاتلين الغربيين ينضمون لجبهة النصرة المنتمية لتنظيم القاعدة. وهو نفس ما أكده التقرير السنوي للمخابرات البريطانية الذي أعدته اللجنة البرلمانية المختصة في سبتمبر الماضي, حيث ألمح إلي أن أعدادا كبيرة من العناصر الراديكالية من المملكة المتحدة وأوروبا تلحق بالقتال في سوريا, لتكتسب هناك خبرة قتالية تزيد من خطورتهم حال عودتهم بلادهم. وأشار التقرير تحديدا الي جبهة النصرة المنتمية للقاعدة, موضحا سهولة تجنيدها لأعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب و بخاصة البريطانيين. وبينما يقف الرأي العام الأوروبي متعجبا أمام هذه الظاهرة, يشير شيراز ماهر الخبير بالمركز الدولي لدراسات التطرف و العنف السياسي بلندن من واقع اتصاله ببعض الجهاديين البريطانيين في سوريا إلي أن الجهاد في سوريا بدا كمعسكر صيفي لبعض المسلمين الشباب. فهو يمنحهم الشعور برجولتهم مع روح الانتماء للمجموعة. و يضيف أنه علي عكس المجموعات القتالية المعتدلة في سوريا والتي تعاني من نقص التمويل, فإن كتائب القاعدة تمنح مقاتليها وسائل راحة أكثر, حيث يكون الغذاء و الملبس والمأوي أفضل, كما تتيح القاعدة خدمة ال واي فاي بمراكزها, و يكون السلاح متوافرا لديها أكثر! وتبدوليبياوكأنهانجت مما آلت إليه سوريا, رغم التدخل العسكري الأجنبي المباشر بها, في وقت يؤكد فيه المراقبون أن سوريا صارت بلا منازع أكبر وجهه للمقاتلين الأجانب في تاريخ الإسلام السياسي. وهو ما يضع المنطقة والعالم علي حافة الخطر بعد تدخل أطراف مسلحة( ليست دولا) علي نطاق واسع في القتال. ولا شك أن هذه المجموعات المسلحة الأجنبية صارت لغم خارج عن السيطرة ينتظر أي تسوية في سوريا, ناهيك عن خطر مد عملياتها إلي دول عربية أخري.