إسرائيل تحب الاستقرار.. وترعبها الفوضي صحيفة, جيروزاليم بوست نعم, الخبر صحيح برغم أنك لن تجده منشورا في أي مكان!. إسرائيل ضبطت أكثر من مرة متلبسة وهي تتصرف بوداعة غير مألوفة مع مصر, منذ الصيف الماضي. وبالفعل فإن أعراض طيبة عجيبة ومفاجئة ظهرت علي إسرائيل تحديدا منذ يوم إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي وجعلتها تخالف طبيعتها التي نعرفها, وتتخلي( مؤقتا) عن نواياها العدوانية تجاه مصر.والدليل أن كل هذه الشهور من الاضطرابات والمصادمات بعد ثورة يونيو, مرت بلا أي مؤامرات من جانب إسرائيل, ودون أن تحرك هي ساكنا لاستغلال الموقف لصالحها, وللصيد في الماء العكر, كما كانت تفعل دائما! وبديهي أن تسأل نفسك فورا: ما الذي غير إسرائيل هكذا وجعلها تفقد عقلها بهذه الصورة؟ ما الذي يمنعها من ممارسة هوايتها المفضلة في الكيد لمصر, ومن استثمار أزمة بهذا الحجم في مضاعفة خسائر خصمها التقليدي والدائم, والإسهام في زيادة الضغط عليه؟ ثم ما هي الحسبة التي تدير بها تعاملاتها مع بلد جار لها ثار مرتين خلال أقل من3 أعوام؟ ... فقط أرجو أن تصبر الي أن أشرح لماذا؟.. ولكن بعد أن أقول لك أولا كيف كان عدونا القديم يتصرف طوال الأشهر الأربعة الماضية؟ وسأذكرك فقط بأن إسرائيل حكومة وشعبا لم تذرف دمعة واحدة علي رحيل مرسي وجماعته بكل سجلها المعلن في كراهية الصهاينة, إلي الحد الذي جعل كل الصحف الإسرائيلية, بلا استثناء, تعكس مشاعر الشارع الإسرائيلي وتفرد صفحاتها بالكامل في اليوم التالي لنجاح الثورة, لرواية التطورات في مصر ولصور الملايين التي احتفلت في الشوارع بسقوط حكم الإخوان. لاحقا وبعد صمت رسمي استمر اسابيع خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو ليقول علنا, إن سقوط مرسي دليل علي أن أنظمة الإسلام السياسي المتطرفة ستفشل في النهاية, لأنها لا تستطيع تقديم النموذج الذي يحتاجه أي شعب للتطور اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. كما اقترح علي الغرب ان يتبني مشروعا لدعم التغيير في مصر( للدقة يسمونه في إسرائيل إنقلابا أو ديمقراطية عسكرية), ولإنقاذ الاقتصاد المصري ضمن خطة لتحفيز النمو في العالم العربي, هدفها منع وصول الجماعات المتطرفة إلي السلطة. وستندهش أكثر عندما تعرف أن منظمة إيباك اللوبي الصهيوني الأقوي في أمريكا تحركت بحماس غير عادي لتتصدي لقرار الإدارة الأمريكية بتعليق جانب من المساعدات السنوية لمصر, عقابا لها علي الإطاحة برئيس منتخب. وأكثر من ذلك فإن إيباك حذرت الكونجرس من أن حجب المعونة سيؤثر سلبا علي أمن إسرائيل, بينما أكد أكثر من مسئول إسرائيلي, أن الأولوية القصوي هي لمساعدة مصر علي الوقوف علي قدميها من جديد, وأن تبقي الدولة المصرية متماسكة.. وبعدها يمكن للغرب أن يتحدث عن الديمقراطية كما يريد. المجهول هو عدو إسرائيل الأول, ويربك حركتها جدا أن تجد نفسها مضطرة للتعامل مع أزمة مفاجئة كتلك التي انفجرت في مصر بكل تداعياتها وما تحمله من تقلبات واحتمالات غامضة, لا يمكن التنبؤ بمسارها أو السيطرة عليها. وفي مواجهة مثل هذا الغموض فإن السلاح الذي تلجأ إليه إسرائيل بشكل فوري وغريزي هو المصلحة, ولهذا فإنها تتحرك طوال الوقت بعقلية التاجر بحثا عن أي مكاسب أو فرص, وتفاديا لأي خسائر أو مغامرات كلما كان ذلك ممكنا. وبما في ذلك أن تفعل أي شيء لم تكن قد فعلته من قبل, كالتطوع للدفاع عن ألد أعدائها التاريخيين, لمجرد أن ذلك يحقق أهدافها. ولو بدا لك بعد ذلك أن ما يجري كأنه احدي علامات الساعة, فربما تكون محقا. لكن يجب أن تتأكد برغم أي ظواهر علي السطح أن اسرائيل, طبعا, لم تتحول فجأة الي ملاك ولا حتي الي صديق. ولا يمكنها أن تكون سعيدة فعلا بثورة تجعل مصر افضل. وهي لم تفعل شيئا مما فعلته في الشهور الأخيرة حبا في سواد عيوننا. وقرارها بالوقوف مع مصر ودعوة العالم الي ان يحذو حذوها, إنما اتخذ اضطرارا وعلي مضض وأملته المصلحة وحدها لأن اسرائيل في الحقيقة تخشي علي نفسها قبل أن تفكر لحظة في مصر. ومصلحتها الاستراتيجية الي حين هي ألا تسوء الأوضاع في مصر أو تنفلت الي حد الانفجار بما يجعلها هي في مدي الشظايا. ومن هنا حرصها علي ان تبقي الدولة المصرية مستقرة وأن تظل الجبهة في سيناء وعلي حدود اسرائيل الجنوبية هادئة حتي تتفرغ هي لمناوشاتها مع ايران النووية. مصر الضعيفة لا مصر المنهارة هي الخيار الأفضل لاسرائيل. الضعف يمنع مصر من أن تكون مصدر تهديد عسكري لاسرائيل ناهيك عن شن حرب. أما الانهيار لا قدر الله فيضع كل الأطراف أمام احتمالات مفتوحة, والمؤكد أنه لو حدث سيجرف في طريقه كل شيء.. بما في ذلك اسرائيل. باختصار: المصلحة مرة أخيرة هي الأهم دائما عند الاسرائيليين. وأي توتر أو مشاحنات أو مماحكات أو حتي مشاعر عداء صريح تجاه مصر يمكن أن تتأجل الي أن تتضح الصورة. وعندما يأتي اليوم الذي يشفون فيه من حالتهم الجديدة المؤقتة, وتسترد مصر استقرارها وابتسامتها, لا يجب ان نفاجأ اذا انتهت الهدنة وعادت اسرائيل الي عادتها القديمة وفعلت كل شيء لكي لا تطول هذه الابتسامة... لامكنها لله! لمزيد من مقالات عاصم القرش