اللواء نصر موسى: معركة المنصورة الجوية منعت إسرائيل من اختراق الدلتا    عمرو أديب: نتنياهو أراد السنوار حيا.. وإيران لم تقف بجانب زعيم حماس    فرانكفورت يحسم الجدل حول بيع عمر مرموش في الشتاء    روبين أموريم أبرز المرشحين.. مانشستر يونايتد يبحث عن بديل تين هاج    ريال مدريد أم برشلونة؟.. وجهة هالاند الأقرب في الدوري الإسباني    نظرات حب بين تامر عاشور وزوجته نانسى نور بحفله فى مهرجان الموسيقى العربية    رقم ضخم.. متحدث البترول يكشف عن استمرار دعم الدولة للسولار والبنزين يوميًا    وزير الخارجية: أي ضرر بسبب سد النهضة فمصر لديها الحق في الدفاع عن أمنها المائي    سالم الدوسري يرد على حملة الانتقادات بصورة على «الشنكار» (فيديو)    ضبط 3 مسجلين خطر بحوزتهم 12.5 كيلو حشيش بمدينة بدر    انقلاب ميكروباص وإصابة عددًا من الأشخاص أعلى دائري المريوطية    «ناسا» تكشف عن أماكن محتملة لحياة فضائية تحت جليد المريخ| صور    طالب وطالبة يستغلان حفل تامر حسني في الجامعة لإعلان خطبتهما | صور    نقابة الصحفيين تنعى يحيى السنوار: اغتيال قادة المقاومة لن يُوقف النضال ضد الاحتلال    تين هاج عن مستقبله: الإعلام ينشر الأكاذيب    الصحة العالمية: الإبلاغ عن 439724 حالة كوليرا و3432 وفاة بالعالم    كل ما تود معرفته عن حجز قطع أراضي ذوي الهمم.. «الإسكان» توضح التفاصيل    حياة كريمة في المنيا.. المبادرة وفرت بيتا جديدا لأسرة «جميل توفيق»    وزير الخارجية: مصر ليست ضد حق دول حوض النيل في التنمية    رئيسة وزراء إيطاليا تعتزم إجراء محادثات مع «نتنياهو» بعد زيارتها للبنان والأردن    خالد الصاوي يكشف تفاصيل تعافيه من تعاطي المخدرات    منها الإغماء المفاجئ.. حسام موافي يكشف علامات التهاب البنكرياس (فيديو)    التعليم التبادلى    حبس عاطلين لسرقتهم المنازل بالزيتون    مئات الزوار يتوافدون على ضريح إبراهيم الدسوقي للاحتفال بذكرى مولده -صور وفيديو    زيادة المرتبات وساعات حضور أقل| مفاجآت بمشروع قانون العمل الجديد يناقشها البرلمان    أحمد الطاهري: كلمة مصر تعني الحكمة والعقل والقوة.. والزمن لاطالما يثبت صحتها وصدقها    ريال مدريد يتابع موهبة إيطالية    وزير السياحة يبحث التعاون مع رئيس شركة صينية كبرى في شغيل وإدارة البواخر    بهذه الكلمات.. رامي صبري ينعى وفاة الشاعر أحمد علي موسى    أخبار الأهلي : "بالقاضية.. الأهلي يهزم الزمالك ويتأهل لنهائي بطولة إفريقيا لكرة اليد    محمد ممدوح يكشف أقرب شخصية جسدها إلى قلبه    جامعة دمياط تحتل المركز الرابع محليا في تصنيف تايمز    باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد.. جراحة متطورة تعيد الشكل الطبيعي لجمجمة فتاة    الصحة: جراحة متطورة تعيد الشكل الطبيعي لجمجمة فتاة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد    ضبط 239 سلاحًا ناريًا ومئات المخالفات.. الداخلية تشن حملة أمنية بالمحافظات    "حماية المستهلك": أكثر من 16 ألف شكوى في النصف الأول من أكتوبر    ماذا نصنع إذا عميت أبصاركم؟.. خطيب الجامع الأزهر: تحريم الخمر ثابت في القرآن والسنة    رئيس مجلس الأمن الروسي: نظام كييف يحاول صنع "قنبلة قذرة"    جوارديولا: حالة الطقس تحدد مستقبلى مع السيتي.. ونفقد دي بروين وآكي غدا    عالم أزهري: الإسلام تصدى لظاهرة التنمر في الكتاب والسنة    الدفاع الروسية تعلن عن خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع    34 ألف نسخة مزورة.. الداخلية تطيح بعصابة طباعة الكتب المقلدة في القليوبية"    «بحبك يا زعيم وعملت اللي عليك».. إلهام شاهين توجه رسالة لعادل إمام    دعاء الشهداء.. «اللهم ارحمهم وجميع المسلمين واجعل الجنة دارهم»    إزالة 23 حالة تعد على الأراضي الزراعية بالشرقية    10 لاعبين يسجلون غيابا عن الزمالك في السوبر المصري.. هل تؤثر على النتائج وفرص الفوز بالكأس؟    ضبط المتهمين بالتعدي على طالب والشروع فى قتله لسرقته بسوهاج    وزير الصحة يعلن أهم جلسات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    الاحتلال الإسرائيلي يشدد من إجراءاته القمعية بالبلدة القديمة ومداخل الخليل بالضفة الغربية    غير صحيحة شرعًا.. الإفتاء تحذر من مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"    وزارة الثقافة تطلق فعاليات مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    وزيرة البيئة تبحث مع نظيرها الأوزباكستاني آليات تعزيز التعاون بين البلدين    ارتفاع أسعار مواد البناء: زيادة ملحوظة في الأسمنت والحديد    وزير الصحة والسكان يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    نشرة مرور "الفجر".. سيولة مرورية بطرق ومحاور القاهرة الكبرى    أسعار الذهب اليوم 18-10-2024 في مصر.. كم يسجل عيار 21؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
الفساد السياسي طاردا..!

لم تعد الهجرة غير الشرعية فقط هي العنوان الصارخ لأزمة المواطن مع المجتمع, والتي جعلته يغامر, إلي درجة المخاطرة بحياته غرقا, واعتقالا, وربما قتلا, فقد أصبحت هناك أنواع كثيرة من الهجرات الآن, وإن اختلفت أسبابها, إلا أن ما يجمع بينها, في النهاية, هو أن المجتمع, إما ضاق ذرعا بأبنائه, أو أنهم لم يجدوا فيه ذاتهم, أو أمنهم وأمانهم.
فهناك الآلاف من طلبات الهجرة, التي تستقبلها سفارات بعض العواصم الأجنبية بصفة يومية, وهناك عشرات الآلاف من الباحثين عن فرص عمل بالخارج, والذين يترددون علي مكاتب السفر, والقنصليات, أيضا, بصفة يومية, وهناك من لا تسعفه ظروف السن, أو الصحة لهذه أو تلك, إلا أنه أمل أصبح يراود الملايين, الذين لا يجدون في وطنهم, الآن, متسعا لتحقيق ذاتهم, كما لا يرون في المستقبل أفقا يطمئنون من خلاله علي ذويهم.
القضية الشائكة, أيضا, هي تلك الهجرة, التي اضطر إليها عدد كبير من قيادات الماضي, خوفا وهلعا, من محاكمات قد تكون قاسية, أو تصفية حسابات بطرق انتقامية, وجميعهم من الخبرات, التي أعطت المجتمع, إلا أننا لم نسمع عن أي مساع للتواصل معهم, وإعادة توفيق أوضاعهم بما يضمن عودة حقوق الدولة- إذا كانت هناك حقوق وبما يضمن لهم الأمن في وطنهم.
وأعتقد أن عودة الأستاذ سمير رجب, رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق, الأسبوع الماضي, هي بداية يمكن البناء عليها مع الآخرين, كالوزراء السابقين رشيد محمد رشيد, ويوسف بطرس غالي, ومحمود محيي الدين, وغيرهم, وقبل كل هذا وذاك الفريق أحمد شفيق, مرشح الرئاسة السابق, الذي لا أجد مبررا لوجوده خارج مصر, إلا لخلل في منظومة المجتمع ككل.
وما أستطيع تأكيده.. هو أنه إذا كانت هناك ملاحظات علي هذا أو ذاك, فهي أقل بقليل, ممن هي علي كثيرين حولنا الآن, يتصدرون مواقع صناعة القرار, ويزايدون, ويتاجرون بمستقبل الوطن, بعد أن وضح أن مصالحهم تتطلب إخلاء الساحة لهم رتعا وعبثا, ومن ثم نجد مقاومة عنيفة لمجرد طرح فكرة توفيق أوضاع الآخرين, أو استيعابهم في المجتمع من جديد.
كما يجب أن نعي أن كل من هم علي الساحة الآن, بلا استثناء, ممن يتاجرون بآلام الوطن والمواطن, كانوا جزءا أصيلا من النظامين السابق, والأسبق, بمعني أننا لم نجد من بينهم من رفض التعامل مع هذا أو ذاك, بل إن كل ما حققوه من مكاسب علي المستوي الشخصي والعملي كان من خلال ذلك, وخاصة من خلال النظام الأسبق, الذي كان يحوي كل الأيديولوجيات, باتفاقات غير معلنة أحيانا, ومعلنة في معظم الوقت.
فلم يكن خافيا علي أحد, أن نسبة تمثيل كل أيديولوجية, أو حزب, في البرلمان, كانت تسبقها اتفاقات, بموافقات, وامتنانات صريحة, وواضحة, وكم كانت العلاقة حميمية بين كل هذه الأحزاب والحزب الوطني الحاكم في هذه الأثناء, بل إن دعما ماديا رسميا كانت تحصل عليه هذه الأحزاب وصحفها, ناهيك عن الرشاوي المقننة في صور كثيرة, والتي كانت تتصدرها حصص الحج والعمرة, وتوزيع الأراضي, والعقارات, وتأشيرات دخول كليات بعينها, ووظائف بذاتها, دون أدني إعمال لمبدأ العدالة الاجتماعية, وهو ما يعني أن الفساد قد طال الجميع, حكومة, ومعارضة, حكاما ومحكومين, خاصة وعامة.
يجب أن نعترف, إذن, بأننا ندار حتي هذه اللحظة بقيادات الفساد, وما كان مطلوبا من الثورة, إذا كانت هناك ثورة حقيقية, أن تستأصل أولا, كل مظاهر الفساد في المجتمع, حتي يطمئن الناس علي يومهم وغدهم, ولأن ذلك لم يحدث, فقد كان من الطبيعي أن يتراجع الاعتراف شعبيا بالثورة, وأن يكتشف المواطن, شيئا فشيئا, أنه كان ضحية مؤامرة كبري, سبقها إعداد طويل الأمد بالخارج, وتدريب علي أعلي مستوي لمقاومة السلطة الرسمية, وخاصة جهازي الجيش والشرطة, وتمويل منقطع النظير, لم يتم حسمه قضائيا, حتي الآن, وما يثير القلق هو أن تحالف الفساد أصبح واضح المعالم, الآن, بين السلطة, بمختلف صورها, وأصحاب رءوس الأموال العفنة, والمستحوذين علي الفضائيات, التي أصبح بعضها, الآن, كالسرطان في جسم المجتمع, يتحتم اجتثاثه, وهو الأمر الذي يؤكد أننا صنعنا الوهم بأيدينا, وعايشناه, وصدقناه, ولم يجد الشباب الواعد أمامه سوي الهجرة بمخاطرها, ولم تجد الكوادر سوي الهروب, كما لم تجد الخبرات المتراكمة إلا أن توقن أن الوطن لم يعد وطنهم, بعد أن سطا عليه المزايدون والأفاقون.
يجب أن نعترف..
بأن الفساد المالي والإداري كان هو الآفة الأولي, التي تسببت في تدهور المجتمع وتراجعه علي مدي عدة عقود, ومن ثم كان هو العامل الرئيسي في أزمة المواطن, الذي كان علي استعداد للنزول إلي الشارع مع أي دعوة, حتي لو كانت مصنوعة في الخارج, وبالتالي كان يجب أن تكون هذه الآفة هي شغلنا الشاغل فيما بعد25 يناير مباشرة, إلا أن من ركبوا موجة الثورية أصبحوا, للأسف, في مأمن, بل أصبحوا نجوم فضائيات, في ظل العلاقة الوطيدة بين الفساد هنا وهناك, بل أصبح تحالف الفساد بمثابة دروع تحمي بعضها بعضا, وتتواري خلف منظمات حقوق الإنسان, وتستخدم مصطلحات, وتلويحات, هي في الحقيقة ابتزاز للسلطة القائمة, وقد حققت في ذلك نجاحا كبيرا, حيث استطاعت أن تنأي بنفسها عن المساءلة, بل أصبح من الصعب استعداؤها, أو استنفارها, وهو الأمر الذي جعلنا نكتشف أننا وقعنا أسري, أو ضحايا, لمجموعات من المتسلقين, الذين اعتلوا المواقع القيادية, في الوقت الذي كان يجب أن يكون موقعهم الطبيعي الأقفاص الحديدية.
وما يجب تأكيده..
هو أن حالة الهروب الجماعي, التي تنتاب نسبة ليست قليلة في المجتمع, الآن, لن يمكن الحد منها, إلا إذا رأي المواطن, وبشكل واضح, أن هناك جدية في التعامل مع آفة الفساد هذه, ومع الفاسدين الذين يرون في حالة التوتر بالمجتمع أرضا خصبة لاستمرار ممارساتهم, ومن ثم فهم يسعون إلي استمرار هذه الحالة, برفض كل ما من شأنه عودة الاستقرار, والأمن, أو الحديث عن مساع للمصالحة, سواء بالداخل, أو الخارج.. ونستطيع الجزم أن أول عوامل الاستقرار المنشود, هو عودة كل من ترك الوطن قسرا, أو تحت ضغوط متفاوتة, ولتكن الدعوة أيضا لهؤلاء الذين يكيلون الاتهامات إلي مصر وشعبها طوال الوقت, عن طريق الفضائيات والمنتديات, فحرية التعبير عن الرأي مكفولة داخل الوطن, بل أعتقد أنها أصبحت مكفولة بما يخرج بها عن المألوف, ولأن مصر لم تألف مثل هذه الممارسات في السابق, فبالتأكيد لن يكون مقبولا استمرارها أكثر من ذلك, وهو الأمر الذي يحتم إيجاد صيغة توافقية لتدارك هذا الوضع.
الشيء الواضح, الآن, هو أننا قد رقصنا علي سلم الفوضي, فلا أهداف ثورية تحققت, ولا انفراجة في الأفق نراها وشيكة, وقد استغل البعض هذا الوضع ليلقي باللوم علي المؤسسة العسكرية مرددا يسقط حكم العسكر, وبالبحث لا تري العسكر في سدة الحكم, كما رآه البعض الآخر فرصة لاستمرار كيل الاتهامات إلي الماضي, وكأنه سيظل مسئولا عن إخفاقات المستقبل, بينما كان البعض الثالث يعمل بخطي حثيثة وخبيثة, في الوقت نفسه, علي تثبيت أقدامه في أركان نظام الحكم, وهو الأمر الذي يجب أن تتحمل مسئوليته المؤسسة العسكرية, من كل جوانبه, وذلك بإنقاذ البلاد من هذه الحالة, دون مواءمات, ودون السماح بأي مساومات, ولم لا؟, وهي المؤسسة الوحيدة في المجتمع, الآن, التي تستطيع إخراجنا من هذه الحالة, سياسيا بالإعلان عن الانتخابات الرئاسية أولا, وأمنيا بالتعاون مع جهاز الأمن في فرض سلطة القانون, وتنفيذيا بتحجيم كل أصوات الفتنة, والابتزاز, ونشر الفوضي.
بالفعل..
لم يعد الأمر يتحمل مزيدا من مهاترات القوي, التي أعطت لنفسها حق الوصاية علي المجتمع, كما لم يعد يتحمل وزيرا شاردا, أو مسئولا متمردا, كما لم يعد يتحمل تصريحات علي قدر كبير من الخطورة, من شأنها بث مزيد من الفرقة أو الفوضي, كما لم يعد يتحمل قيادات في مراكز صناعة القرار, لا تؤمن بخريطة المستقبل, وهي الممارسات التي أدت بغالبية من شرفاء وقيادات البلاد إلي الإحجام عن المشاركة في البناء, والتقدم, قولا, أو فعلا, ومن ثم فقد أصبح هؤلاء في حكم المهاجرين, أيضا, إما نأيا بأنفسهم عن المهاترات, وإما اتقاء للفتن, وإما درءا لشرور هذه القوي, التي لا تتورع عن تلويث وتشويه كل ذي قيمة, والشيء المؤكد, أيضا, هو أن الدولة, بوضعها الحالي, لا تستطيع الاستغناء عن أبنائها الفاعلين, في المجالات المختلفة, لحساب مجموعات انتهازية, تتحكم في أبواق إعلامية, وتتخذ من الضجيج والحنجورية, أدوات لفرض إرادتها, وتنفيذ مآربها.
ومن هنا..
يتضح أن فساد المجتمع, فيما بعد25 يناير, قد تطور من فساد مالي, وإداري, إلي فساد سياسي منقطع النظير, ربما لم تشهده مصر من قبل, وهو ما ضاعف من أعداد المهاجرين من أبناء الوطن, في دليل قاطع علي أن هذا النوع من الفساد هو الأخطر علي الإطلاق, وذلك لأن قلة قليلة, إذا استأثرت بقطاعات المجتمع, ومقوماته, فإن الشعب الطبيعي هنا يصبح خارج المنظومة, اجتماعيا, وسياسيا, واقتصاديا, وهو ما نراه واضحا الآن, إلا أن المؤكد أن رجل الشارع لن يظل يراقب الموقف طوال الوقت, بل سوف ينتفض في اللحظة المناسبة, وخاصة بعد أن يجد أن السبل قد تقطعت به خارج الوطن, وما عودة12 ألفا من العمالة المصرية, دفعة واحدة, الأسبوع الماضي, من المملكة العربية السعودية إلا إشارة واضحة إلي أن مصر أولي بأبنائها, وما صعوبة الحصول علي عقود عمل بدول الجوار في هذا التوقيت إلا دليل آخر, وما ارتفاع نسبتي البطالة والفقر, في الآونة الأخيرة, إلا إنذار خطر يجب التوقف أمامه, وما تردي الحالة الاقتصادية, إلي هذا الحد, إلا مؤشر لما سيكون عليه المستقبل.
والأسئلة التي تطرح نفسها, وبقوة, الآن هي: لماذا نمعن العناد في عدم الاعتراف بأننا نسير في الطريق الخطأ؟, ولماذا لا نعترف, وبكل شفافية, بأن من يحكمنا, الآن, هم أسوأ من فينا؟, ولماذا لا نواجه الموقف بقوة مع حكومة فاشلة, ووسائل إعلام مغرضة؟, ولماذا نظل نمالئ الأفاقين, والانتهازيين, ومشعلي الفتن والحرائق؟, ولماذا نتحفظ, حتي الآن, علي فتح ملفات فساد جاهزة ومكتملة في أدراج الأجهزة الرقابية بالدولة؟, ولماذا لا نفتح باب المصالحة مع كل أبناء الوطن ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء؟, ولماذا لا نبدأ علي الفور في إنشاء وإقامة مشروعات قومية تستوعب القدر الأكبر من العمالة, بدلا من التسول في أوطان الآخرين؟, ولماذا نظل نتحمل فوضي المظاهرات, وقطع الطرق, دون قرار استثنائي بوقف كل هذه المظاهر المخربة والمدمرة؟, ولماذا لا نمنح النهوض الاقتصادي أولوية مطلقة, ثم تأتي بعد ذلك الحقوق السياسية تباعا, طبقا لحاجة المجتمع؟, والسؤال الأهم هو: إلي متي سوف تظل القوات المسلحة, التي وثق فيها الشعب, بمنأي عن كل ذلك الذي يحدث؟!
الحقيقة المؤكدة..
هي أن القوات المسلحة قد رفعت يدها عن التدخل في الشئون المحلية, اتقاء لشرور ومزايدات القوي المشار إليها, والحقيقة المؤكدة أيضا هي أن القوات المسلحة تدرك جيدا مواطن الضعف الكامنة في المجتمع, وخطورة استمرار هذه الأوضاع, إلا أن ما يجب تأكيده هو أن الأمانة تقتضي عدم ترك البلاد تنزلق إلي الهاوية أكثر من ذلك, وإذا كانت هناك وجهة نظر تري أنه باكتمال خريطة المستقبل, أي بعد سبعة أو ثمانية أشهر من الآن, يمكن أن يتطور حال البلاد إلي الأفضل, فبالتأكيد هي وجهة نظر قاصرة, وذلك لأن هذه الفترة طويلة جدا بمقياس صناعة الفوضي, والتوترات في أي مجتمع, والتي يمكن خلالها أن ينزلق المجتمع إلي مزيد من القلاقل, وأعمال العنف, وهو ما بدا الترتيب واضحا له, بالفعل, سواء في استغلال تواريخ بعينها, مثل25 يناير المقبل, أو وقائع بذاتها, كالاستفتاء علي الدستور, والانتخابات البرلمانية والرئاسية, أو ذلك الذي يجري, بصفة يومية, في الجامعات وخارجها.
علي أي حال..
تبقي الإشارة إلي أن أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إلي الأمام خطوة واحدة في ظل حالة انقسام واضحة بين أغلبية طبيعية, تأمل في الاستقرار والأمن والأمان, وأقلية حاقدة, تتخذ من الغل والتشفي والانتقام طريقا واضحا لتحقيق أهدافها, بالإقصاء, والحظر, والإبعاد, أملا في التكويش والاستحواذ, ولا يمكن بأي حال أن يستقيم مجتمع بهذا النهج السوداوي, ففي الوطن متسع لكل الأيديولوجيات, والطوائف, وثروتنا البشرية هي أغلي ما في الوطن, ولا يجوز تحت أي ذريعة استعداء هؤلاء, أو القبول بهجرة أولئك, ولنبدأ صفحة جديدة من الاستدعاء لأبناء الوطن ممن هاجروا بالفعل, وممن يفكرون, وممن آثروا الهجرة داخل الوطن, وبدلا من أن نتفاوض مع عواصم أجنبية حول عودة الأموال المصرية, يكون التفاوض مع مواطنينا مباشرة, وبدلا من التفاوض مع عواصم أخري لوقف المهاترات والمكايدات, يكون التفاوض أيضا مع مواطنينا.. علي أن يكون كل ذلك بمنأي عن محترفي الانتهازية, والمزايدين علي مستقبل مصر.
الضحايا..!
طلاب يلقون حتفهم, وآخرون إلي السجون, وغيرهم إلي الضياع بعد الفصل, والبقية تأتي.. هذا هو مصير طلاب الإخوان بالجامعات, الآن, ومع ذلك لا يتورع قادتهم عن التوجيه باستمرار المواجهة والعنف, فلم نجد بين هذه القيادات حتي الآن من يصدر توجيهاته إليهم بالتهدئة, والعودة إلي مقاعد الدراسة.
هم, إذن, ضحايا غباء القرار الإخواني, الذي آثر أن تدفع الأجيال المتعاقبة ثمنا باهظا لفشل الأولين, وهم إذن ضحايا غباء القرار الرسمي للدولة, الذي سمح منذ البداية بمثل هذه الممارسات, علي اعتبار أنها حقوق طلابية, وهم, في الوقت نفسه, ضحايا عائلات تركت أبناءها, الذين هم في عمر الزهور, فريسة سهلة, لأفكار متطرفة تارة, ولتجار السياسة تارة أخري, وفي معظم الأحيان لتجار الممنوعات.
بالفعل.. ما يحدث من طلاب الجامعات, الآن, هو نتيجة طبيعية لقصور في المجتمع, كل المجتمع, فالجميع أسهم في هذه المأساة, إلا أن ما يثير الانتباه هو أن قادة الجماعة لا يعيرون اهتماما لتساقط الطلاب المنتمين إليهم, سواء كانوا صرعي, أو سجناء, أو مفصولين, ماداموا يحققون الهدف, وهو نشر الفوضي وإثارة التوتر بالمجتمع, وهذه جريمة أخري يرتكبها الإخوان بحق هذا الجيل.
فإذا كانت الدولة قد شملت برعايتها في التعليم المجاني طلاب الإخوان في السابق, حتي أصبحوا أطباء, ومهندسين, وأساتذة في الجامعات المختلفة, واستحوذوا علي النصيب الأكبر من النقابات والجمعيات, فقد كان واجبا أخلاقيا عليهم أن يساعدوا الأجيال الأخري علي اللحاق بهم, بدلا من أن يفسدوا عليهم حياتهم إلي الحد الذي يجعل منهم, مستقبلا, متعطلين, وأنصاف متعلمين, وخاصة أن الدولة في هذا التوقيت لم تتخاذل عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم, سواء داخل الجامعات, أو المدن الجامعية التي تؤويهم.
أعتقد.. أنها انتكاسة جديدة للفكر الإخواني نحو هذا الجيل من الشباب, الذي أنفق عليه أهله أيما إنفاق, حتي وصل إلي المرحلة الجامعية, وهي انتكاسة مستمرة في فكر الدولة الرسمية, التي مازالت تري في ممارسة العمل السياسي داخل الجامعات حقا مكتسبا, حتي لو كان ذلك مقترنا بالحرق والتدمير, وهي انتكاسة للأسرة المصرية, التي لم تعد تعلم عن أبنائها إلا القدر اليسير, وها هي تفاجأ بفجيعة القتل, أو السجن, أو الفصل, ولا تملك, حينئذ, إلا لطم الخدود, وشق الجيوب.
وكم كان تعاطف الشارع واضحا مع فتيات في عمر الزهور في أثناء محاكمتهن بالإسكندرية, إلا أن هذا التعاطف قد أخذ في التراجع, مع مشاهد من ممارسات لأخريات في مواجهة قوات الأمن بجامعة الأزهر بصفة خاصة, ومشاهد أخري من التعدي علي أساتذتهن, وعلي ممتلكات الجامعة بصفة عامة, وهو الأمر الذي لن يستمر الشارع في قبوله بمرور الوقت, وكم كان طبيعيا أن نسمع ونشاهد مظاهرات طلابية, هنا وهناك, في إطار التعبير عن الرأي, إلا أن ما لن يستمر الشارع في قبوله, هو ذلك التخريب المتعمد لمدرجات الجامعة, وحرق سيارات المواطنين خارجها, وممتلكات ومنشآت الدولة بالداخل والخارج.
هي نصيحة صادقة لقادة الإخوان بأن يصدروا تعليماتهم, علي وجه السرعة, إلي ذويهم في الجامعات, بالعودة للدراسة واحترام القانون, فلا ذنب لأكثر من95% من الطلاب داخل الجامعة يسعون إلي تحصيل العلم, والحصول علي شهاداتهم, بعد أن أنفقت عليهم أسرهم كل ما يستطيعون, ولولا أن هؤلاء يستهدفون العلم, والتعلم فقط, لكانوا قد تصدوا بأنفسهم نيابة عن الدولة لهذا الانفلات, وهو أمر يجب أن يكون متوقعا في أي لحظة, وهنا تكون الكارثة.
وما يجب أن يدركه الجميع هو أن القافلة سوف تسير, فمصر ليست سوريا, وليست ليبيا, وليست أي دولة أخري, مصر كنانة الله في الأرض, محفوظة بأمره, ولن تعود عقارب الساعة إلي الوراء, وما اندحار المؤامرات التي حيكت لمصر, طوال السنوات الماضية, إلا دليل علي ذلك, وإذا كان هناك توزيع للأدوار الآن بين القوي المناوئة علي الساحة, ليعبث بعضها في الجامعات, والبعض الآخر في السلطة, والبعض الثالث في الشارع, فإن المؤكد أنها جميعا إلي زوال, فما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض, وإلا لما كانت حالة الازدراء الشعبي لكل هذه الوجوه, التي فاقمت من معاناته, واستغلت آلامه.
إن مقتل طالب في كلية الهندسة بجامعة القاهرة كان كفيلا بأن يردع أي ممارسات خارج إطار القانون, كما أن فصل300 طالب بجامعة الأزهر كان مبررا كافيا لإعادة النظر في مثل هذه الممارسات, كما أن الحكم بالسجن علي عدد آخر كان محفزا قويا إلي استدعاء الضمير, وإعمال لغة المنطق, إلا أنه الغباء, الذي استحكمت حلقاته, فأصبح طلابنا قربانا لتحقيق أهواء سياسية أو أيديولوجية, وما هو مؤكد هو أن الدولة سوف تظل تحتضن أبناءها, حتي وإن جاروا عليها, فهم في النهاية مغرر بهم, والكل شركاء في المسئولية.
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.