حصاد جلسات مجلس النواب خلال انطلاق دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني    وزير الأوقاف والمفتي يؤديان صلاة الجمعة بالمسجد الأحمدي بطنطا.. احتفالا بالعيد القومي للغربية    «العمل» تعلن 4774 فُرصة عمل تطبق الحد الأدنى للأجور في 15 محافظة    «المشاط»: 2.25 مليار دولار تمويلات مُيسرة لقطاع الطاقة المتجددة عبر منصة «نُوَفِّي»    أماكن منافذ «حياة كريمة» في الإسماعيلية.. لحوم وفراخ بأسعار مخفضة    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    أماكن منافذ بيع لحوم حياة كريمة في الشرقية.. أسعار مخفضة وجودة عالية    مصر ترحب بدعم مجلس الأمن لجوتيريش وتجدد تضامنها معه    "المرصد العربي" يناقش إطلاق مؤتمر سنوي وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    باحث سياسي: الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن دخول لبنان بريا    الكرملين: بوتين لا يعتزم إجراء أية محادثات مع رئيس وكالة الطاقة الذرية    القصف وصل لمنزله.. كواليس هروب نتنياهو إلى الملجأ خوفًا من القتل (فيديو)    تقارير: عمر مرموش يحلم باللعب ل ليفربول أو أرسنال    "تذاع بالمجان".. الاستديو التحليلي لمباراة الأهلي والزمالك في الدوري المصري للسيدات    لاعب الزمالك الجديد: مصر بلد جميل.. وزيزو أفضل لاعب في إفريقيا    لحظات صعبة لمهندس احتجز داخل مصعد عقار بالطالبية    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    غدًا.. حفل ختام مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته ال 40    تامر حسني وابنه يظهران بالجلابية البيضاء: «كنا بنصلي الجمعة»    ب«إهداء 350 كتابًا».. جامعة القاهرة تبحث مع «النشر للشعب الصيني» مجالات الترجمة وتبادل الثقافات    "يقترب من مليون".. تعرف على إيرادات فيلم "عاشق" أمس    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    نائب وزير الصحة: الدولة مهتمة بتعظيم الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    «بعد التوقف».. سلوت يثير الجدل بشأن تجديد عقد محمد صلاح    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء بشمال سيناء    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة أصحاب السيارات بالجيزة    بالأرقام.. نتائج فحص حالات لسيارات ذوي الهمم خلال السنوات الثلاث الماضية    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    الاستعلام عن حالة فتاة سقطت من شرفة منزلها بأكتوبر.. وأسرتها: اختل توازنها    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    اللجنة الأولمبية الجزائرية: ما يحدث مع إيمان خليف حملة ممنهجة    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الأوقاف» تفتتح 25 مسجدًا في عدد من المحافظات اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    الأنبا عمانوئيل يهنئ رئيس الجمهورية وقيادات الدولة بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    أسعار الأسمنت اليوم الجمعة 4-10-2024 في محافظة الدقهلية    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق..
وماذا بعد الثلاثين من يونيو؟!

علي مدي الأسبوع المنصرم شاهدنا حوارات تليفزيونية, وقرأنا مقالات صحفية تتحدث عن سيناريوهات ما بعد الثلاثين من يونيو, تتخيل في معظمها أن مظاهرات غاضبة قد نزلت إلي الشارع, حمل معها كل مسئولي الدولة أوراقهم وغادروا مكاتبهم, علي اعتبار أن البقاء للأقوي في ظل غياب الأمن, وإن شئت قل: في ظل تخاذل الأمن, إلا أن السيناريوهات اختلطت في الإجابة عن سؤال هو:.. وماذا بعد؟!
البعض رأي تشكيل مجلس رئاسي من فلان وعلان وترتان, وجميعهم للأسف لن يقبل بهم الشارع لأسباب عديدة.. والبعض الآخر رأي العودة إلي حكم العسكر, وجميعنا أيضا لن تخلو ذاكرته من تبعات ذلك في الماضي القريب وما عاناه العسكريون من تطاول وازدراء.. والبعض الثالث دعا إلي انتخابات رئاسية مبكرة, برغم ما في ذلك من فقدان للمشروعية, ناهيك عن أنه يؤصل لهذا النوع من العمل خارج القانون في المستقبل أيضا.
إذن.. كانت كل الأطروحات مردودا عليها مع غياب رؤية واضحة للتعامل مع أوضاع كهذه التي يخطط لها أو ينشدها البعض, في ظل تراجع لغة العقل والحكمة, التي كان يجب أن تطرح مطالب محددة يمكن التعامل معها ما دامت هناك سلطة رسمية شرعية منتخبة, بما يجنب البلاد صدامات يراها المراقبون حتمية, ويستعد لها المتحفزون بالعدة والعتاد.
بالفعل.. الاستعدادات تجري علي قدم وساق داخل فصائل عديدة لمواجهة شبه عسكرية, بالتأكيد سوف تسفر عن ضحايا هنا, وإصابات هناك, ودمار علي هذا الجانب, وتخريب علي الجانب الآخر, ولم يضع أحد في الاعتبار, حتي الآن, أن مصر هي التي سوف تدفع الثمن; مصر البشر, مصر السياحة, مصر الاستثمار, مصر الأمن, مصر التاريخ, مصر الجغرافيا, مصر الحضارة, فالدماء التي تسيل هي في النهاية دماء مصرية, والخسائر مصرية, بأيد مصرية, علي أرض مصرية.
نحن نبحث في السيناريو الأسوأ, لأن ذلك هو ما بدا في الأفق حتي الآن, إلا أننا يجب أن نضع في الاعتبار أن هناك فرقا كبيرا بين نظام سابق آثر أن يترك الحكم تحت ضغط الشارع بعد أن ظل في الحكم ثلاثين عاما, ونظام حالي أتي إلي الحكم بطريقة ديمقراطية ولم يأخذ فرصته كاملة حتي الآن, وهو ليس في صراع مع الشارع بمعناه الحقيقي بقدر ما هو صراع مع فصائل سياسية وأيديولوجيات مختلفة رأت في تأليب الرأي العام وسيلة وحيدة للإطاحة بهذا النظام, بمنأي عن صناديق الانتخاب التي تنتهجها كل الديمقراطيات في العالم, إما لعدم ثقة في النفس, أو لعدم ثقة في الناخبين, وهذه آفة كبري إن اعتمدناها حلا لمشكلاتنا وقضايانا المختلف عليها, وما أكثرها في الحاضر, وما أصعبها في المستقبل, وبالتالي سوف نرتد إلي الخلف عشرات السنين مع كل أطروحة من الأطروحات التي ذكرناها في البداية.
وأخشي ما أخشاه أن تكون مثل هذه الأوضاع قد أصبحت بمثابة أسلوب حياة للبعض في الحياة السياسية تارة, وفي الارتزاق تارة أخري, فقد أصبح لدينا الآن من يطلق عليهم أثرياء الثورة, وهم الذين ظهرت عليهم علامات الثراء السريع عقب الثورة مباشرة, دون سبب منطقي, ولم نجد من بين أجهزتنا من تكفل بالبحث في أسباب ذلك, كما أن هناك من ظهروا علي الساحة كنجوم سياسة وفضائيات دون سبب معقول أيضا, سوي أنهم استخدموا لغة الإثارة والتشكيك في أي شيء, وكل شيء, واستغلوا العاطلين تارة, وأطفال الشوارع تارة أخري في إحداث مزيد من الفوضي في المجتمع, بينما ظل المواطن الطبيعي يدفع فاتورة يومية من المعاناة كان علي الحكومات المتعاقبة أن تسددها في النهاية, مادامت لم تتعامل بحزم منذ البداية مع مثل هذه الأوضاع التي حذرنا مرارا وتكرارا من عواقبها الوخيمة.
ولأن الأمر كذلك..
فقد كنا نأمل أن يتصدر المشهد بعض من ذوي العقول النيرة, المشهود لهم بالنزاهة وطهارة اليد, ليتوافقوا علي كلمة سواء, حتي تثق الأجيال الجديدة في أن مصر معطاءة برجالاتها المخلصين, إلا أن الأمر ظل كما هو, بنفس الوجوه, والمزايدين, والمؤججين للفتن, والمشعلين للنيران, مادامت قد توافرت لهم جوازات السفر الأجنبية, وما دام هناك وطن بديل, وليذهب الكادحون إلي الجحيم, الذين من بينهم فقط يسقط الشهداء, ومن بينهم فقط نري المصابين, ومن بينهم فقط يكون المتهمون, وهم عادة شباب في عمر الزهور, كان علي الدولة أن تحتضنهم, وكان علي مشروعات الدولة أن تستوعبهم, إلا أنه ميراث الفقر والتخلف الذي سوف يظل ينخر لسنوات طويلة في مفاصل الكبار والصغار علي السواء.
وسوف أتذكر هنا ما قاله لي الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في حديثه, الذي نشره الأهرام قبل عدة أسابيع, من أن الثورات تحتاج في تحقيق أهدافها إلي نحو عشرين عاما, إلا أنه قال في الوقت نفسه: إننا يمكن أن نحاسب بعد خمس سنوات علي العناوين الرئيسية للثورة.. وحينما نتحدث عن الرئيس التونسي فنحن نتحدث عن تجربة مشابهة للتجربة المصرية, علي الرغم من الفارق الذي يتمثل في ذلك الهدوء بالشارع التونسي علي مدي العام الماضي مقارنة بنظيره في مصر, وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الشعب هناك لا يعاني الأمية التي يعانيها مجتمعنا, أو نسب البطالة نفسها, أو ذلك الاقتصاد المتدهور, فقد كانت نسبة التنمية هناك قبل الثورة مرتفعة إلي حد كبير مقرونة بسياحة واستثمارات بمعدلات مرتفعة أيضا, إلا أنها الدكتاتورية التي كان يعانيها الأشقاء هناك.
فمن الظلم إذن أن يتصور البعض أنه عقب عامين ونصف العام من الانفلات, والغوغاء, وقطع الطرق, والاحتجاجات, والاعتصامات, يمكن للاقتصاد أن ينهض بوتيرة متسارعة, ومن الظلم أن يتصور البعض أنه في ظل هذا العداء من بعض دول الجوار, لأسباب خاصة بالثورة وبرجال النظام السابق, يمكن أن نحقق اكتفاء ذاتيا من كل شيء في فترة وجيزة, ومن الظلم أن يري البعض في ظل تحفز دول الغرب للنظام السياسي لدينا أن يتعامل معنا هؤلاء بشفافية ودعم لمسيرتنا التي اخترناها بمحض إرادتنا, ومن الظلم أن يري البعض أن عاما واحدا كافيا لتصحيح ممارسات نصف قرن من الفساد, ومن الظلم أن نتخيل أن البطالة يمكن أن تختفي بجرة قلم, أو أن العشوائيات يمكن أن تتواري بمجرد قرار.. إلا أنه الترصد, والتحفز, وسوء النية, الذي بدا واضحا منذ اللحظة الأولي لأداء رئيس الدولة قسم اليمين, حينما قال أحدهم: مضي أربع ساعات علي توليه الرئاسة.. فماذا فعل؟!
نحن هنا..
لا نقصد أبدا الدفاع عن الرئيس أو عن النظام السياسي ككل, إنما فقط أردنا إعمال لغة العقل أمام محاولات إغراق الوطن في دوامة من الفوضي لا يعلم إلا الله وحده عواقبها, ونحن هنا لا نعفي الدولة من مسئولياتها تجاه أي إخفاقات في الممارسة السياسية, أو تراجع في الأداء الاقتصادي, أو ترد في الحياة اليومية للمواطن إنما فقط نضع الأمور في نصابها الصحيح, أو في حجمها الطبيعي, حيث لم يعد هناك مثلا من يتذكر أن قطاع الكهرباء كان يعاني إخفاقات كبيرة قبل الثورة, أو أن أنبوبة البوتاجاز كان يصل سعرها أحيانا إلي خمسين جنيها, أو أن قتلي قد سقطوا ضحايا الحصول علي رغيف خبز, أو أن المياه الملوثة والمخلوطة بالمجاري في البرادعة وغيرها كانت حدثا شبه دوري, إلا أنه أيضا الصراع السياسي, الذي استغل معاناة المواطن ليزيدها تعقيدا بأزمات نفسية, اعتمادا علي ضعف الذاكرة!
وما نود الإشارة إليه هنا..
هو أننا علي أبواب انتخابات برلمانية كان يجب علي القوي السياسية أن تستعد لها لتكون هي المنطلق لأي تطور سياسي, إلا أن هذه القوي, لأسباب نعلمها, أبت الاحتكام إلي قواعد الديمقراطية, وإلي أصول الممارسة, فراحت تراهن علي استنفار الشارع, ولو حتي علي حساب أمنه واستقراره, وهو الأمر الذي لن يجد قبولا, بأي حال من الأحوال, لا علي مستوي الأغلبية في المجتمع, ولا علي مستوي العالم الخارجي, كما أن الرهان علي توريط القوات المسلحة في ذلك الصراع أيضا هو رهان غير مقبول, وذلك لأن القوات المسلحة في أي مكان في العالم تنحاز دائما إلي الشرعية واحترام القانون, وإلا اختلطت الأوراق إلي ما لا نهاية, بما يصبح خصما من رصيد هذه القوات في الداخل والخارج علي السواء, ولذا فإن القوي السياسية, في النهاية, ليس أمامها سوي الرهان علي المواطن من خلال صناديق الانتخابات فقط, دعما للمسار الديمقراطي, وإلا فما جدوي قيام الثورة, وفي رقبة من كل هذه الأرواح التي أزهقت؟!
لنا إذن..
أن نري أن الثلاثين من يونيو هو صراع أيديولوجيات بعيدا عن طموحات الشعب ورغباته, ولنا أن نتخيل أن مظاهرات سلمية بمطالب شعبية سوف تصل إلي مسامع الحكومة أيا كانت, وليكن الأول من يوليو هو بداية العمل علي تلبية هذه المطالب وتنفيذها علي وجه السرعة, أما من يعد العدة لأن يكون الثلاثون من يونيو يوما لسفك الدماء, يعقبه في الأول من يوليو تغيير سياسي في المجتمع, فأعتقد أنه تصور لم يأخذ حقه من الدراسة والتأمل, وذلك لأن الوصول إلي سدة الحكم يجب ألا يكون علي جثث المواطنين الأبرياء, أو من خلال دماء في الشوارع نحن في غني عن سفكها, وإنما فقط بالحوار والجلوس علي مائدة مفاوضات يمكن أن يصل البشر إلي ما يريدون, فما بالنا إذا كنا أبناء شعب واحد, والخلاف فيما بيننا علي الوضع الراهن أصبح داخل البيت الواحد؟!
الدعوة إلي سلمية المظاهرات, أيها السادة, يجب أن تنطلق من الأزهر, والكنيسة, والقضاء, والجامعات, والنقابات, وقبل كل ذلك وسائل الإعلام, التي حمل بعضها للأسف علي عاتقه تضخيم الأحداث وإشعالها مبكرا, لحساب أصحابها تارة, ولحسابات أيديولوجية تارة أخري, غير آبهة بمستقبل وطن آن له أن يستقر بعد سنوات طويلة من المعاناة, كما أن الدعوة إلي الانسحاب من المظاهرات إذا خرجت عن الطبيعة السلمية يجب أن تنطلق من الأحزاب والائتلافات ومنظمات المجتمع المدني, وقبل كل ذلك من أصحاب العقول الرشيدة, أهل مصر الطيبين, الذين يأملون في مستقبل أفضل لهذا الوطن, كما أن الدعوة إلي احترام الشرعية والقانون يجب أن تترجمها بيانات واضحة وإجراءات محددة لوزارتي الدفاع والداخلية, تثبتان من خلالها أنهما حاميتا الأمن الداخلي والخارجي لأرض الكنانة, التي أثق في أن الله سبحانه وتعالي يحفظها من كل مكروه.
بالفعل..
مصر التي تجلي فيها رب العزة سبحانه وتعالي دون غيرها لنبي من الأنبياء سوف تظل محفوظة من كل كيد ومكر, ومصر التي ذكرت أكثر من غيرها في القرآن الكريم, وغيره من الكتب السماوية, سوف تظل واحة للأمن والأمان, ومصر التي قال عنها الرسول صلي الله عليه وسلم: بها خير أجناد الأرض لن تركع أبدا, ومصر التي شهدت رحلة العائلة المقدسة لن يتصارع أبناؤها علي متاع الدنيا, ومصر التي قهرت التتار لن تنحني أمام أهواء مستوردة, ومصر التي دحرت الغزاة الغربيين لن تستسلم لحفنة من هنا أو لمارقين من هناك, ومصر التي ألجمت الصهاينة لن تكون أضحوكة الأمم, ومصر التي أبهرت العالم بحضارة السبعة آلاف عام لن تتنازل عن القيادة والريادة في محيطها العربي والقاري, ومصر التي صنعت حضارات دول عديدة من حولها لا يمكن إلا أن تظل كذلك: صانعة الحضارات, مصدر التنوير والتعليم والتثقيف, ولم لا؟, وهي أم الدنيا.
هذه هي الحقيقة, فعلي الرغم من كل ما سبق لن يستطيع أحد أن يكيد لمصر شرا, بفضل الله سبحانه وتعالي, وبفضل يقظة المصريين لما يحاك لهم.. وباستقراء التاريخ, وبإيمان بالله, أستطيع أن أؤكد أن المصريين يمكن أن يسطروا فصلا جديدا من تاريخهم المجيد في الثلاثين من يونيو, وذلك بتسجيل نموذج مشرف من الحضارة والرقي, لكي نثبت للعالم أننا بالفعل أصل الحضارة, ولكي نثبت أننا أمة تستحق الحياة الكريمة, ولكي نثبت أننا لسنا في حاجة إلي وصاية من أحد, وليكن الأول من يوليو هو البداية الحقيقية لليقظة من ذلك السبات العميق, تحت قيادة شرعية جاءت بإرادة واعية, وبمخاض عسير, ولنرفض كل المخططات التي يتم الإعداد لها بليل, وليس ذلك فقط, بل ربما خارج الجغرافيا المصرية.
الاستعمار يطل برأسه..!
ما إن صدر الحكم بسجن المتهمين في قضية التمويل الأجنبي, من مصريين وأجانب, حتي هاجت صحف الغرب, وماجت تصريحات المسئولين هناك بعبارات وجمل مستفزة, تعد من قبيل التدخل السافر في الشأن المصري المهموم أصلا بقضايا الداخل, ومن ثم فلم نجد ردا واحدا علي ذلك التدخل الذي كان في الحقيقة بمثابة تطاول!
وقد حدث ذلك علي الرغم من أن ما حدث كان حكما قضائيا, ومن عادة الغرب أن يحترم أحكام القضاء, وإلا لما انحاز للقضاء لدينا في أزمته مع السلطة التشريعية, إلا أنه الكيل بمكيالين الذي اعتدناه في الممارسات الغربية, ومن جهة أخري, فنحن في عداد دول العالم الثالث التي مازالت في نظر هؤلاء مستعمرات غربية يجب أن تنفذ تعليمات المستعمر من علي بعد آلاف الأميال.
وقد بلغ ذلك التدخل الحد الذي سمعنا فيه دعوات أمريكية بضرورة إلغاء ذلك الحكم, وألمانية حول اللجوء إلي الأمم المتحدة لإدراج مصر في قائمة سوداء خاصة بالإرهاب, واستنكار فرنسي, وشجب بريطاني.. وغير ذلك من الأمور التي كان يجب أن يكون الرد عليها مباشرا بأقسي العبارات.
وما تجدر الإشارة إليه هو أنه خلال أحد اجتماعات لجنة التنمية البشرية بمجلس الشوري مؤخرا, التي كانت تناقش قانون الجمعيات الأهلية, حضر هذا الاجتماع عدد من السفراء الغربيين وطالبوا خلاله بتأجيل صدور القانون في الوقت الراهن, وبرغم موافقة اللجنة والمجلس علي القانون من حيث المبدأ, فإنه لم يصدر حتي الآن, وأرجو أن يكون المانع خيرا.
والمعلوم أن قضية التمويل الأجنبي هذه كانت مرتبطة بجمعيات ومنظمات كان يجب أن تعمل من خلال قوانين الدولة, إلا أنها ضربت عرض الحائط بالقانون والدولة في آن واحد, ودخلت البلاد أموال من عواصم عديدة أثرت البعض ثراء فاحشا, وأسهمت في قتل البعض الآخر, وإحداث الفوضي في ربوع البلاد, ولم تستطع هذه المنظمات إثبات أوجه الإنفاق لا قبل الثورة ولا بعدها, إلا أن المؤكد هو أن جزءا كبيرا منها استخدم في تمويل أعمال غير مشروعة, وهو ما جعل الأحكام تصدر علي الجميع بالحبس مع الأشغال الشاقة.
المهم, ولأننا في موقف الرجل المريض الآن, لم نستطع مجابهة ذلك الموقف الغبي للغرب, الذي يتفاقم يوما بعد يوم, إلا أن الغريب في الأمر أيضا هو أن القوي السياسية لدينا لم تستنكره هي الأخري, وليس ذلك فقط, بل رأت فيه إدانة للنظام الرسمي, فراحت تزايد علي تلك التصريحات, وتعمل علي ترديدها, متجاهلة هي الأخري أنه حكم قضائي كان يجب أن ينال الاحترام والتبجيل.
أما إذا كانت هناك بعض القوي قد استفادت من تلك المنظمات, أو من ذلك التمويل, فيمكن أن نلتمس لها العذر, إلا أنه بالتأكيد هناك قوي لم يسعفها الحظ, فلماذا التزمت الصمت؟, هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة حتي الآن.
علي أي حال.. ما حدث ويحدث الآن من رد فعل غربي وأمريكي علي حكم المحكمة هو أمر غاية في الخطورة, حيث أعطت هذه الدول لنفسها حق الوصاية, وحضورها مناقشات الشوري كان أقرب إلي الرقابة علي الممارسة البرلمانية, أما طلب تأجيل المناقشات أو إرجاء إقرار القانون فهو الاستعمار بعينه, الذي لا يمكن أن يقبله أي مواطن حر.
نحن من هذا المنطلق ندعو مجلس الشوري إلي الإسراع بإقرار القانون دون تدخل من أي جهة, وفي الوقت نفسه نري أن وزارة الخارجية علي الأقل يجب أن تتصدي لمثل هذه التصريحات بأخري لا تقل حدة, بينما نحيل القوي السياسية إلي ضمائرها في التعامل مع هذه الأزمة التي تمس كرامة المجتمع بقضائه الشامخ, وخاصة أن هذا الملف يجب ألا يغلق, حيث إن هناك المئات من الجمعيات والمنظمات المحلية لم يتم فتح ملفاتها حتي الآن, دون أسباب معلومة, ولعل المانع يكون خيرا أيضا, وخاصة أنه متخم بالأسماء الرنانة والأرقام الخيالية.
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.