عنوان هذا المقال هو الذي شاع في أمريكا إثر أحداث11 سبتمبر, وكان هو العنوان الفرعي لكتاب صدر في عام2001 برعاية مجلة شئون أجنبية الأمريكية أما عنوانه الرئيسي فهو كيف حدث ذلك الذي حدث؟. وفي افتتاحية الكتاب تساءلت هيئة تحرير المجلة عما إذا كان علي أمريكا أن تتحرر من تدعيمها لأنظمة القهر السلطوية في العالم العربي بدعوي المحافظة علي الاستقرار, وأن تدفع شعوب ذلك العالم إلي تذوق طعم الحداثة دون سمومها, ومن ثم تكون الحركات الاسلامية الراديكالية هي البديل.وإن لم يكن ذلك ممكنا فهل تكون عبارات ونستون تشرشل الذي قاد بلاده إلي النصر في الحرب العالمية الثانية هي البديل؟ إن عباراته كانت علي النحو الآتي: في الحرب: الارادة, وفي الهزيمة التحدي, وفي النصر العظمة, وفي السلام: الارادة الخيرة. كان هذا هو رأي المجلة فما هو رأي المشاركين في تحرير ذلك الكتاب, وعددهم أربعة وعشرون مفكرا؟ اتفقوا علي أن11 سبتمبر يوم تاريخي, إذ كان يوما كوكبيا, أي كان حدثا يخص سكان كوكب الأرض لأن أحدا لم يفلت من تأثير ذلك اليوم. كان مفكر ذلك الحدث فردا اسمه بن لادن من أسرة سعودية من أغني أغنياء كوكب الأرض, وكان المنفذ لذلك الفكر مهندسا مصريا اسمه محمد عطا من أسرة بورجوازية صغيرة, ورفاقه المكونين لخلية عنكبوتية تتحرك من بلد إلي آخر تمهيدا لتفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك أعلي مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية. والقارئ لهؤلاء المفكرين يلمح أنهم أجابوا عن سؤال كيف حدث؟ كأنه إجابة عن سؤال: لماذا حدث؟ ومن هنا كان اجتهادهم في معرفة أسباب ذلك الحدث. والأسباب, في رأيهم, كامنة في الكشف عن طبيعة العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي. أما أنا فسؤالي علي النحو الآتي: كيف كان حال كل من أمريكا والعالم الاسلامي في11 سبتمبر؟ كانت أمريكا قوة عظمي بلا منافس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية في عام1991, وكان العالم الإسلامي متخلفا منذ القرن السابع عشر حتي القرن العشرين. وسبب هذا التخلف مردود إلي رفض العالم الإسلامي الدخول في مسار الحضارة الحديثة والمعاصرة. ومع ذلك فالسؤال الأهم هو علي النحو الآتي: كيف كانت رؤية بن لادن الفكرية لكل من أمريكا والعالم الإسلامي؟ كان بن لادن علي يقين من أن أمريكا هي هبل هذا العصر, وهبل كان صنما في الكعبة في زمن الجاهلية يتعبد له العرب, أما هبل في هذا الزمان فهو العلمانية والتنوير والحداثة.وهذه الثلاثية هي ثلاثية وثنية أمريكية, ولهذا يلزم محاربتها لإزالتها. إلا أن الحرب في هذه الحالة لن تكون, في رأيه, تقليدية. وبالفعل لم تكن كذلك, إذ قام محمد عطا ورفاقه باختطاف طائرة مدنية وأحالوها إلي طائرة انتحارية تصطدم بنقطة ضعيفة في مبني مركز التجارة العالمي فيتهاوي برمته ويقتل خمسة آلاف انسان بريء. وبن لادن في ذلك كله ولهان بفكر ابن تيميه باعتباره فكرا ليس له مثيل في تاريخ الفكر الإسلامي. ومن هنا استعان بن لادن بمنطق ابن تيمية في تعامله مع المغول بمعني أن ما فعله ابن تيمية معهم يفعله بن لادن مع أمريكا. كيف؟ جوابه من جواب ابن تيمية وهو علي النحو الآتي: الاعتقاد فريضة جماعية, وليس بعد فريضة الاعتقاد سوي فريضة محاربة العدو المفسد للحياة وللدين, وأمريكا هي هذا العدو. وبناء عليه فان الأمة الاسلامية مكلفة بمحاربة الأمريكان باعتبارهم مغول العصر. وبهذا المنطق دفع بن لادن التيار السلفي- الذي هو أقوي من جماعة الاخوان- إلي مسار جديد علي نحو ما ارتأي ابن تيمية وهو أن يكون العدو هو العدو الخارجي وليس العدو الداخلي حتي وإن كان كافرا لأن إحداث تفرقة بين المسلمين هو مطلب أمريكي ولكن بشرط أن تكون محاربة العدو الخارجي مجرد تكتيك وليس استراتيجيا لأن مسلمي اليوم عاجزون عن الاستيلاء علي الحكم لأن الأنظمة القهرية الحاكمة وفقت في تهميشهم. كان هذا موجزا لأهم ما وردفي ذلك الكتاب. والرأي عندي أن نقطة الضعف في آراء المفكرين الأربعة والعشرين تكمن في عدم التفاتهم إلي عداء ابن تيمية الفقيه من القرن الثالث عشر إلي الفيلسوف ابن رشد من القرن الثاني عشر والذي كان موضع تكفير من قبل ابن تيمية بسبب انفتاحه علي الفلسفة اليونانية الوثنية وعلي جرأته في إعمال العقل في النص الديني من أجل الكشف عن المعني الباطن, وما يترتب علي ذلك من دخول العالم الإسلامي في المسار العقلاني للحضارة الانسانية فيمتنع التكفير كحد أدني والارهاب كحد أقصي فتتواري الأصولية وتبزغ العلمانية كمضاد حيوي, وبغير ذلك يصبح الارهاب عاهة حضارية, ويظل سؤال ذلك الكتاب بلا جواب. لمزيد من مقالات مراد وهبة