المصريون يريدون ان يعيشوا نعم.. لكن بالحرية والكرامة اللتين وعدت بهما ثورتان! المعلق الأمريكي ديفيد اجناتيوس. كل شيء مثير للجدل في مصر هذه الأيام.. وإلي أقصي مدي. كل شيء بلا استثناء تقريبا: بدءا من اعتزال أبو تريكة, والحكم علي فتيات7 الصبح, ونوايا الفريق السيسي, وقانون التظاهر, ومنع زيارة مرسي.. وانتهاء بأسئلة يختلط فيها الهزل بالجد من هذه العينة العجيبة: هل يجوز الترحم علي مانديلا؟ وما الذي يمنع احالتك الي محاكمة عسكرية اذا ما تشاجرت مع عامل في محطة بنزين وطنية؟.. ثم السؤال الأهم عن السبب الحقيقي لنفوق زرافة حديقة الحيوان قبل أيام, وما إذا كانت قد انتحرت هربا من مضايقات الجمهور.. أم اختنقت برقبة زرافة أخري؟.. وأضف انت كما تشاء أي عدد من علامات التعجب!!! لا شيء. لا أحد خارج دوائر النقاش العام. وفي بلد شهد انفجارا للسياسة بشكل غير مسبوق في تاريخه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.. فإن شهية الناس مفتوحة علي آخرها للثرثرة فيما يفيد ولا يفيد, وللافتاء فيما يعرفون ولا يعرفون, وللاختلاف علي كل شيء وأي شيء. ولهذا لا يكاد يمر يوم دون أن يجدوا ما يشغلهم أويسليهم أو يغيظهم أو يقسمهم: ثورة أم انقلاب؟. ديباجة الدستور. باسم يوسف.عنف الاخوان. اداء الحكومة. استشهاد طالب الهندسة.الطابور الخامس. التسعيرة الجديدة للخضراوات. الاسم المقترح لميدان رابعة.. الي اخر الشواهد التي تقدم أدلة بلا حصر علي حالة وأعراض بلد في حالة فوران لا يهدأ وثورة لا تتوقف لشعب يتغير مزاجه بشكل حاد كل اسبوع, ولم يعد يرضيه شيء, ويشك في الجميع( السلطة بالذات) ولا يعجبه أي مسئول, ويحتج في كل مناسبة, و في أحيان كثيرة بلا مناسبة, دون أن تفارقه روح السخرية في كل الأحوال. تأمل مثلا الطلب غير العادي الذي قدمته مجموعة من الشباب الي مديرية أمن البحيرة الاسبوع الماضي تحت شعار انزل ورجع حقك للإخطار بتنظيم وقفة احتجاجية في قلب دمنهور يوم الخميس المقبل, تدعو الي القصاص لشهداء مصر خلال فترة احتلال الهكسوس لأراضيها والتي انتهت بطردهم قبل نحو3500 سنة(!). فضلا عن المطالبة بتعويض ورثة المصريين الذين فقدوا حياتهم في المعارك ضد هؤلاء الغزاة, وتكريم القائد العظيم أحمس الذي قضي علي الهكسوس. وستدهش مثلي جدا لو أن أجهزة الأمن في البحيرة وافقت علي هذه الوقفة التي تريد بالأساس السخرية من القانون الجديد لتنظيم حق التظاهر, لأن ذلك سيعني ان الرسالة اللاذعة وصلت إلي الأطراف المعنية مسجلة اعتراضا له وجاهته علي قانون التظاهر المثير للجدل من اللحظة الأولي لإقراره. أنصار أحمس يعكسون بالضرورة موقف قوي سياسية وليبرالية كثيرة لا تقبل أي مساس بحرية التعبير ولا تريد التنازل عن أي شبر كسبته بعد ثورتين, ولا تعترف من الأساس بحق الداخلية في قبول أو رفض حقها في التظاهر. بل انهم يتساءلون مع غيرهم كيف يمكن لأي جهة ان تقيد الاعتصامات والمسيرات مع أن مصر كلها كانت في الشارع في ثورتي25 يناير و30 يونيو ولم يستطع أحد منعها؟.. وفي المقابل فإن حكومة الثورة التي تعجلت اثبات هيبتها بمجرد تطبيق قانون التظاهر وضعت نفسها بلا تبصر كاف في تناقض لا مبرر له مع الثوار سندها الأساسي الذي جاء بها الي الحكم عندما تصدت بعنف مفرط لمن خرجوا في أول مظاهرة ضد القانون وأحالت عددا منهم الي المحاكمة بتهمة مخالفته.. مع أنه لم يكن سيضيرها في كثير أو قليل لو أنها عالجت الأمور بحكمة أكثر ولم تتصرف بكل هذا التشدد.. ثم لو أنها استجابت بعد ذلك لدعوات الذين يطالبون بمراجعة القانون من الأساس لتبدد شكوك من يرون انها انما تعيد المباركية بلا مبارك. وربما لهذا تحديدا يجب علي هذه الحكومة ان تقلق جدا ونحن معها من الان لأن الاحتمال وارد بالتأكيد, في ظروف بلد خرج لتوه من ثورتين, لتكرار هذا النوع من التناطح أو أسوأ, بما يحمله الأمر من نذر صدام قابل للاشتعال في أي لحظة. وبخبرة كهذه علي اكتافنا, لابد أننا جميعا وقبلنا الحكومة نعرف الآن ان رصيد الرضا العام في أجواء بكل هذا الاحتقان عرضة لأن ينفد فورا, ومعه كل مخزون المصريين من الصبر, لأهون سبب وبسهولة مدهشة مع أي أزمة جديدة, أو أي رصاصة طائشة تنهي حياة شاب خرج ليطلب التغيير, ومع أي دليل إضافي أو اجراء أخرق يكشف تخبط الدولة أو سوء تقديرها. والمعني الواضح أن مزاج الاحتجاج سيظل موجودا حتي اشعار آخر وبلا أي سقف بصرف النظر عن الضوابط والقوانين, وبالذات بعد أن جربنا مرتين تغيير النظام وخلعنا رئيسين. وأرجو أن توافقني بعد ذلك علي أن الثورة لا تعني الاعتراض طوال الوقت طوال العام بلا أي إجازات رسمية. وان تسلم معي بأنه لا معني ولا نتيجة لأي احتجاجات مهما كان نبل مقصدها تستمر الي ما لانهاية. الثورة في كل الأحوال حدث استثنائي. جملة اعتراضية طالت أو قصرت مهمتها أن تغير الواقع إلي الأفضل لكي تعود الحياة بعدها إلي طبيعتها. وأعرف مقدما اني قد أبدو متلبسا بعدم الثورية إذا ما قلت إني اتفهم استياء الذين يرون ان الهتاف ضد كل شيء لشهور وشهور وصل بالأمور الي حالة من التشبع والانهاك تضر بالقضية أكثر مما تفيد. ولهذا اقترح اليوم فترة تهدئة قصيرة. هدنة من هنا وحتي انتخاب الرئيس والبرلمان 6 أشهر منزوعة السياسة بلا مظاهرات أو صدامات أو ظنون أو قنابل غاز. نحتاج جميعا هذه الفرصة لالتقاط الانفاس في هدوء يجعل التقدم نحو المستقبل ممكنا وأكثر سهولة وبلا ثمن فادح أو تأخير اضافي.. وبعدها يمكن لمن يريد ان يستأنف نشاطه بكل همة وحماس ويهتف كما يشاء ضد الدستور الجديد والحكومة المقبلة.. وأن يردد أيضا بأعلي الصوت يسقط الرئيس القادم! لمزيد من مقالات عاصم القرش