بعد إقصاء الإخوان عن الحكم وتولي مجموعة أخري الحكم تحت إشراف القوات المسلحة,كان معروفا أنه ستندلع موجات من الاحتجاج علي ما حدث وخاصة بعد سقوط القتلي والجرحي في فض اعتصامي رابعة والنهضة وغيرهما من المواجهات, وبالطبع فالجامعات لن تكون بمعزل عما حدث. فالطلاب بحكم فورة الشباب والحماس سيؤثر فيهم ما حدث لزملائهم حتي ولو كانوا غير متعاطفين مع الإخوان, وكان من المفترض أن تكون المهمة الأساسية أمام المسئولين هي كيف يعبر الطلاب عن مواقفهم دون الإخلال بالعملية التعليمية ودون أن يكون هذا التعبير مجرد نباح لا يلتفت إليه أحد بل يمكن أن يتحول النقاش الديمقراطي والاحتجاجات الجامعية إلي وسيلة لتقليل الاحتقان المجتمعي والتوصل إلي صياغات تعالج الانقسام المجتمعي. لكن سيطرت علي عقلية كل مسئولي النظام البحث عن وسيلة لكبت الاحتجاجات فعليا رغم التصريحات بالترحيب بالتظاهر السلمي, وأن تكون الصورة مؤيدة للنظام الجديد دون الاكتراث بآراء المجتمع الجامعي, لذلك تم تأجيل الدراسة وخاصة لطلاب جامعة الأزهر ثم حاولوا رشوة طلاب المدن الجامعية بإعفائهم من المصروفات, ورغم ذلك تفجرت المظاهرات المناهضة في الجامعات, فلم يكن أمامهم إلا المواجهة الأمنية وسياسة البطش لتخويف الطلاب لعلهم يتركون الشأن العام ويتلهون في دراستهم خوفا من القتل أو الاعتقال. ومن الإجراءات التي أدت إلي عكس ما كانوا يريدون: الإعلان عن ما يسمي بالضبطية القضائية تخويفا للجميع من الأساتذة والطلاب ولكنهم سرعان ما تراجعوا عنها وتبرأ كل مسئول منها, ثم السماح بدخول الشرطة للجامعة بعد موافقة رئيس الجامعة, ثم القرار بدخول الجامعة دون استئذان لنصل بعد ذلك إلي العودة الصريحة للشرطة والسيطرة علي الجامعات بدعوي حفظ الأمن. ومحاولة تهييج الرأي العام بالتصريحات عن أساتذة الجامعات الذين يدخلون الأسلحة إلي الجامعات في سياراتهم وبعد التفتيش للسيارات ثبت كذب دعواهم. والقبض علي الطلاب بل والطالبات ثم سرعة محاكمتهم وإصدار الأحكام القاسية عليهم لتكون رسالة لباقي الطلاب لكي يخافوا ولا يشاركوا في المظاهرات, وكذلك التعنت في احتجاز الطلاب وعدم تواصل أهلهم معهم. كذلك البطش في مواجهة المظاهرات مما أدي لسقوط قتلي من الطلاب ولقد أكد وزير الداخلية هذه السياسة في مؤتمره الصحفي(11/23) بقوله سأتعامل بحسم وقوة مهما كانت الخسائر. كما تتضح طبيعة السياسة التي يتبعها النظام الجديد في تصريح الوزير بأن200 طالب إخوان هم من يديرون أحداث جامعة الأزهر وانه إذا فصلت الجامعة60 طالبا فسيكون هذا رادعا للغير( المصري اليوم11/24). وبالطبع لم يقل الوزير ماذا سيحدث لباقي الطلاب, هل سيقبض عليهم ليتخلص من المائتي طالب مرة واحدة لتهدأ الجامعة, كما يوضح هذا التصريح طبيعة تفكير من يحكمون, حيث نفس العقلية التي عانينا منها قديما بأن هناك قلة منحرفة هي التي تصنع القلاقل وان التخلص منها سيوفر الأمن للنظام. وفي سياق سياسة البطش والقضاء علي كل من يعارض كتب العديد من الكتاب ليطالبوا بتجنيد هؤلاء الطلاب وإرسالهم إلي حلايب وشلاتين ليتعلموا الأدب وكيف يكون السكوت هو الطريق للنجاة. ما يوضح مدي الخطأ فيما يتبعه النظام الجديد, ما صدر من الأحكام علي طلاب جامعة الأزهر من الحبس17 عاما وغرامة65 ألف جنيه ثم الحكم علي بنات الاسكندرية بالسجن11 عاما وهو ما أدي إلي حجم كبير من التعاطف معهم ورفض هذه الأحكام. وبدلا من أن تكون هذه الأحكام وسيلة لتخويف الطلاب زاد الإصرار علي المواجهة وتحول الكثيرون ممن يرفضون الإخوان إلي رفض النظام الجديد, كما ازداد عدم الثقة في القضاء من المواطنين. الكارثة التي يواجهها مجتمعنا حاليا أن الحكام الجدد لا يتعلمون من دروس التاريخ وأنه لا يمكن مواجهة المعارضة بمحاولات التركيع وأنه لا يوجد أمام المواطن إلا التسليم بالحكم الجديد أو النجاة بنفسه بالسكوت, وإلا تعرض لسياسة التخوين والبطش, ثم القبض بأمر النيابة وتصعيدا للقتل من المواطنين الشرفاء في مواجهتهم للأعداء من المصريين مثلهم. وفي الجامعات لن تفلح هذه السياسة ولن يؤدي المزيد من القبض علي الطلاب وإصدار الأحكام القاسية إلا تصعيدا في المواجهات. الحوار هو الحل للوصول إلي مخرج من هذه الأزمة, وهل كتب علينا إعادة الخطايا نفسها لماذا لا نتعلم ؟ أستاذ الاقتصاد عميد تجارة السادات السابق لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل