لقد اكتشفنا بلا شك الكثير من الآثار والمعالم الحضارية المصرية عبر تاريخها وحضارتها التي تضرب لأكثر من سبعة آلاف عام في أعماق التاريخ البشري.. وعلي الرغم من هذه الاكتشافات الأثرية المهمة فإن اكتشاف أبعادها العلمية والحضارية والإنسانية مازالت في حاجة إلي مزيد من البحث من جهة, وإلي تقريب ما تنضوي عليه هذه الحضارة من كنوز وأسرار إلي الناشئة والشباب من جهة أخري, فلا شك أن ذلك كله يؤدي إلي تعميق الحس الوطني, وزيادة الإحساس بالانتماء والولاء للوطن. إن التراكم الحضاري للثقافة المصرية بكل أبعادها العلمية والمعمارية والفنية والتشكيلية, والتاريخية قد بهر العالم كله, وكان مثار إعجاب العلماء والباحثين ومقصد السائحين من كل أرجاء العالم, أملا في التعرف علي أبعاد هذه الحضارة من جهة, وعملا علي الإفادة من معطياتها من جهة أخري, بل لم يستطيعوا إنكار الأبعاد العلمية والإنسانية والأخلاقية والروحية لحضارة الإنسان المصري, فقد صارت مفردات هذه الحضارة تغذي كثيرا من الروافد العلمية في مجالات متعددة. أما مصر التي لم تكتشف أبعادها بعد, أو لم نحسن استغلال مواردها بعد, فهي كثيرة, فما زلنا في حاجة إلي مسح جغرافي وجولوجي شامل لخريطة مصر الجغرافية في ضوء دراسة تنموية شاملة, تعيد قراءة هذه الخريطة تعدينيا, وزراعيا, وسياحيا, فما زالت الثروات الضخمة لم تستغل بعد, أو لم تستغل الاستغلال الأمثل علي أقل تقدير. وفي عدة زيارات لأسوان, والوادي الجديد, والبحر الأحمر, وسيناء, تأكد لي أن بلدنا مازال عامرا بالخيرات, ففي أسوان من المعالم السياحية ما يؤهلها لأن تكون في مقدمة المدن العالمية لو طورنا من بنيتها التحتية, وأعدنا النظر في الإفادة القصوي من هذه المعالم وتوظيفها توظيفا متميزا كمعالم حضارية وثقافية واستعنا في ذلك بمرشدين سياحيين متخصصين ومثقفين لديهم من الحس الوطني الكافي ما يجعل المصلحة العليا للوطن فوق أي اعتبار آخر. وفي سيناء أري أننا في حاجة إلي تنمية بشرية, وتهيئة المناخ المناسب للجذب السكاني, بحيث نزرع سيناء ونعمرها بالبشر, مع تسليط الضوء علي ما بها من مقومات سياحية, بعضها علاجي, وبعضها طبيعي, وبعضها ثقافي, كما أنها لم تكتشف بعد تعدينيا, مع ضرورة وضع خريطة واضحة للمناطق القابلة للزراعة والاستصلاح بها. وفي الوادي الجديد بمساحته المترامية الأطراف, وامتداده الطبيعي في الواحات البحرية بمحافظة الجيزة ما يسمح بإقامة دولة كبري لا مجرد مجتمعات إنتاجية أو عمرانية, وفي البحر الأحمر تجري دراسة مهمة حول مايعرف بالمثلث الذهبي القصير سفاجا قفط قنا لاستغلال ما فيه من ثروات تعدينية تهيئ لنهضة كبري في مجال التعدين مع أراض خصبة قابلة للزراعة, ولا ينبغي أن ننسي أن مدينة الغردقة تصنف كأجمل مدينة شاطئية في العالم, إضافة إلي محور قناةالسويس الذي تعمل الدولة بجدية علي تنميته تنمية شاملة تدر المليارات لو أحسنا التخطيط والعمل, بل إنك لو نقبت في الكثير من محافظات مصر وفي الظهير الصحراوي لتأكد لك أننا لم نعط هذا البلد ما يجب أن نقوم به, فهو مؤهل لأن ينطلق هو بنا لو أننا استطعنا أن نتجاوز المرحلة الانتقالية إلي مرحلة الاستقرار, ولن يكون ذلك إلا بأن يقف الشعب كله وقفة رجل واحد في مواجهة الإرهابيين, والانتحاريين, والمخربين, والمدمرين, والمفسدين في الأرض. أما البعد الغائب الحاضر الذي نكتشف علي مر الزمن الكثير من جوانبه فهو الطبيعة الحضارية الصلبة معا للشعب المصري, ففي وقت الشدائد والأزمات تظهر المعادن الأصيلة لأبناء هذا الشعب, ففي مجال الأمن هناك واجب وطني تقوم به قواتنا المسلحة وأبناء وزارة الداخلية, يضحون بدمائهم في سبيل وطنهم, وهو ما يحتمه عليهم الواجب الوطني, غير أن هذا الواجب يحتم علينا أيضا ألا نتركهم وسبيلهم في مواجهة المخاطر وحدهم, بل علينا أن نكون إلي جانبهم مؤازرين ومعضدين, والأهم من ذلك أن يؤدي كل واحد منا دوره, إذ لايمكن لأي جهاز وطني مهما كان حجمه وهمته وقوته ووطنيته أن ينهض مستقلا بأعباء بلد كامل حتي لو حاول, إنما تنهض الأمم وترقي بمجموع ما يبذل من جهود المخلصين من أبنائها. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة