ما أكثر ما يثير الشفقة في عالمنا العربي.. وبالنسبة لي, فقد توقفت عند مسألة هي غاية في الغرابة حقا.. إنها لا تتعلق فقط بوجود الكثيرين الذين يعبدون الله علي طريقة من سبقوهم, ودون أدني إعمال لما حباهم الله من نعمة أعظم, هي نعمة العقل. لكن الأغرب من ذلك, هو أن يتجرأ أحدهم علي أن يعطي لغيره أمرا ناسيا أن الإسلام هو الحرية بل إن الجرأة تبلغ مداها في استعباد الآخرين حين يدعي صاحب هذا الأمر الصادر لغيره, علي أن يفعل ذلك باسم السماء! صاحب مثل هذا الفكر, الذي يستعبد الآخرين ويزعم أنه يفعل ذلك باسم الدين والديان.. يلغي أي مسافة بين الإنسان وبين العقيدة التي لا تكون كذلك إلا إذا كانت تخاطب سائر الناس في كل زمان ومكان. أليس عجيبا حقا, أن يوجد من بين الناس من يدعي أن فهمه للعقيدة, هو الفهم الأفضل لكل الأماكن وفي كل العصور؟! الأغرب من كل ذلك, أن الحالة المصرية علي سبيل المثال عانت ما عانت, وهوت إلي ما هوت إليه من جراء مثل هذه الديكتاتوريات الفكرية التي يظل جوهرها واحدا, وإن تعددت أشكال خروجها علي الناس.. مرة ترتدي ثيابا غريبة, ومرة ترتدي ثيابا دينية, بينما تظل الحرية غائبة, وتظل الديكتاتورية, هي الديكتاتورية. هذا هو جوهر الفكر, الذي يحكمنا منذ آلاف السنين.. وتلك هي حقيقة الأزمة, من كان عنده علم فليشرحه للسامعين.. ومن كان لديه رأي فأهلا به في معرض آراء الآخرين.. إنما للعلم قوانينه, وإنما للأدب قواعده.. ومع تنظيم القدرة, وتعظيم القدوة.. فإن للتواصل بين الأجيال ضوابطه. ونري اقرأ وكأنها هي الفريضة الأم التي سبقت كل فرض,وكل فريضة في الدين. ثم إنه لا فضل لعربي علي أعجمي, إلا بتقوي الله.. كما أن غاية الدين بعد عبادة الديان هي العمل الصالح, الذي ينفع الناس, ويمكث من أجل ذلك في الأرض.. أما معيار المفاضلة في ذلك كله تقديم مصلحة الجماعة علي مصلحة كل فرد, ورؤية مصالح الناس في ظل ما يبقي بعد رحيل الجميع.. ديننا دين مفتوح.. يقابل المنطق بالمنطق.. ويواجه الحجة بالحجة, ينحاز إلي الصواب وإن جاء من غير المسلم, لأن الإسلام ليس هو المسلمين, ولكنه هو الصواب.. ثم إن ديننا لا يشبه الشرق, ولا يشبه الغرب, لأن الجميع يلتقون فيه, ولأنه للكافة, بما في ذلك من يلتقون عليه. المزيد من مقالات محمد يوسف المصرى