لم يكن الجميع يواظبون على الصلاة في المسجد، لكن أسرتي كانت تفعل هذا.. كما يفعل حاليا المزيد والمزيد من الناس.. ديننا يتنامى سريعا جدا". بهذه الكلمات وصف شاب صيني مسلم (25 عاما) يدعى هاي نهجا جديدا تتبعه الحكومة الشيوعية بتخفيف القيود المتعلقة بالإسلام داخل البلاد بما أتاح لمزيد من مسلمي الصين تحقيق أحلامهم بتعلم أصول دينهم. وهو ما رأى مراقبون أنه بهدف كسب التأييد في الشرق الأوسط الغني بالنفط الذي تسعى الصين ذات الاقتصاد المتنامي، إلى تدعيم روابطها التجارية والنفطية به. ويذهب هاي، الذي أحجم عن ذكر اسمه كاملا، كل يوم إلى المسجد للصلاة كما كان يفعل أثناء نشأته في إقليم نينجشيا في شمال غرب البلاد موطن غالبية المسلمين في الصين الذين يقدر عددهم بنحو 20 مليون نسمة. كما يقول الشاب المسلم إن المتجر الذي يملكه والمتخصص في بيع المنتجات التي تهم المسلمين كالقلنسوة والوشاح والتين المجفف والحقائب المطرزة بالخرز، يشهد إقبالا متزايدا. وفي منطقة تونجشين حيث توجد أغلبية من مسلمي هوي في إقليم نينجشيا أعيد بناء مساجد لحق بها ضرر بالغ إبان موجة الثورة الثقافية. وجاءت عمليات الترميم بقدر مدهش من الفخامة بالنسبة لواحدة من أفقر المناطق بالبلاد. واتسم رد زعيمة دينية تدير مدرسة إسلامية للبنات في بلدة يسكنها 300 ألف نسمة بالغموض بشأن مصدر تمويل إعادة البناء. فقد قالت المرأة التي طلبت عدم الإفصاح عن اسمها: "نعتمد على ما يقدمه الأصدقاء الذين يأتون إلى هنا، ويقدمون قدرا من المال أو المساعدة". ويمكن أن يخلط المرء بين مآذن وقباب المساجد الجديدة في تونجشين وبين تلك الموجودة في الشرق الأوسط، كما أن التباين واضح للغاية بينها وبين المسجد الرئيسي في بكين الذي يعكس الطابع الهندسي لفنائه وأسقفه المنحدرة المنخفضة النمط الصيني التقليدي بشكل أكبر. حرية أوسع وتقول مديرة المدرسة الدينية إن لديها 68 طالبة في مدرستها وتبلغ أصغرهن 15 عاما رغم الحظر الرسمي على تلقي من هم دون سن الثامنة عشرة التعليم الديني. وتضيف: "عندما تخرجت في المدرسة الثانوية عام 1986 كان الوضع صعبا للغاية.. لكن السياسات الدينية أكثر مرونة حاليا. يمكننا المضي قدما دون خوف". وترتدي معظم الطالبات الحجاب على الرغم من أنه تندر رؤية نساء محجبات في المنطقة. وتقول مديرة المدرسة الدينية إنها سعيدة بقدرتها على ممارسة شعائر الدين بلا مشاكل وتعليم أبناء طائفتها مجانا بعد أن عانت طيلة حياتها من قيود أشد صرامة بكثير. وتضيف: "السياسات القومية تنفتح وما دام ليس هناك تعارض مع السياسات والقواعد الدينية للدولة ونظمها فبالإمكان المضي قدما بحرية". وفي سياق متصل يتوقع أن يتوجه عدد قياسي من 9600 مسلم صيني إلى مكة لأداء فريضة الحج هذا العام. ولم يرد مكتب الشئون الدينية بالصين على أسئلة بشأن أعداد الصينيين الذين يتوجهون إلى الحج ومصادر التمويل. دبلوماسية واقتصاد وفي تفسيره لظاهرة التساهل الديني مع المسلمين يقول نيكولاس بيكويلين، الباحث بمنظمة (هيومان رايتس واتش) لحقوق الإنسان والمتخصص في شئون مسلمي الصين: "إن العلاقة مع طائفة هوي المسلمة كانت دوما جزءا من الدبلوماسية الدولية ومن حملة جذب تقوم بها الصين.. وهذا يفسر إلى حد السبب الذي جعل السلطات أكثر تساهلا". كما رأى بيكويلين أن ارتفاع عدد الزوار المسلمين في الصين من السياح ورجال الأعمال والمغتربين يؤدي إلى تزايد الالتزام الديني بين طائفة (هوي) الصينية المسلمة التي ترجع أصولها إلى الشرق الأوسط ووسط آسيا. وفي هذا السياق يقول بيكويلين: "إنه أمر ملحوظ للغاية عند التحدث إلى الناس في المساجد في أنحاء الصين.. فبعد أن كانوا منقطعين تماما عن الاتجاه السائد للمجتمع المسلم لم يعد هذا هو الحال الآن". من جهته اعتبر درو جلادني وهو خبير من بومونا كوليدج في كاليفورنيا أن الحكومة تراهن على أن تفاهمها مع مسلمي هوي سيبعد الطائفة عن الخوض في السياسة مقابل حرية دينية أوسع نطاقا. وقال جلادني: "إنهم يعتمدون على حقيقة أن مسلمي الصين يدركون الحدود والقواعد ويعرفون كيف يخوضون اللعبة". وقد يمثل تزايد الالتزام الديني للمسلمين تحديا للحكم الصيني الشيوعي الذي لا يعترف رسميا بالأديان ويسعى إلى فرض السيطرة على الدين المنظم لتجنب التحديات المحتملة للنظام. ففي هذا السياق، قطعت الصين علاقاتها مع الفاتيكان عام 1951 تاركة الطائفة الكاثوليكية منقسمة بين كنيسة سرية موالية للفاتيكان وكنيسة رسمية تحظى بدعم الدولة. كما قمعت الحكومة "كنائس البيوت" حيث كانت مجموعات مسيحية تتعبد في منازل خاصة بعيدا عن الرقابة الرسمية. لكن المسيحية لا ترتبط بعنصر الاقتصاد أو الطاقة وهي من العوامل الرئيسية بالنسبة للاقتصاد الصيني المتنامي سريعا، والمتوافرة لدى دول الشرق الأوسط التي تنتمي أغلبها إلى الدين الإسلامي. وهذا التساهل لا يمتد إلا لمسلمي هوي. فالمسلمون الآخرون في الصين وهم مسلمو اليوغور يعيشون غالبا في إقليم سنكيانج ولديهم روابط لغوية وثقافية وثيقة مع آسيا الوسطى. ففي ظل تطلعهم إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي ينظر إلى اليوغور باعتبارهم مشكلة عرقية تجعلهم يخضعون لقيود أشد صرامة بكثير.