«التضامن»: حملة «هنوصلك 2» تنفذ 200 قافلة ب19 محافظة    كواليس تلقي الرئيس السادات خبر استشهاد شقيقه في حرب أكتوبر    كم سجل سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه اليوم في البنوك المصرية؟    نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية تبلغ 27.7%    مفوض أممي: المدنيون في لبنان عالقون بين النزوح وعدم القدرة على الاحتماء    مولر: عمر مرموش استغل الفرص أمام بايرن ميونخ بدون مشاكل    عمر مرموش يتصدر قائمة الأكثر مساهمة في الأهداف بالبطولات الأوروبية    "سنوات من الظلم والتجميد".. أول محكمة كرة قدم نسائية في مصر تعلن اعتزالها وتكشف الأسباب    إصابة 18 شخصا في حريق داخل مطعم بالشيخ زايد    صندوق مكافحة الإدمان ينظم زيارة للمتعافين من أبناء المناطق «بديلة العشوائيات»    كيف خلدت الأفلام المصرية نصر أكتوبر؟    بعد إعلانه بيع مطعمه.. نقل صبحي كابر إلى العناية المركزة (فيديو)    رسالة نارية من نجم الزمالك السابق إلى حسام حسن بشأن إمام عاشور    تعليق مثير من محمد صديق على أزمة أحمد حجازي مع حسام حسن    جيش الاحتلال: لا صحة للإشاعات التي تتحدث عن إنقاذ بعض الأسرى في غزة    شكوك حول دخول جواسيس إسرائيليين للجزائر بجوازات مغربية    سعر بيع مطعم صبحي كابر    القبض على سائق "توك توك" تعدى على طالبة فى عين شمس    العبور الثالث إلى سيناء.. بعد 50 عاما من التوقف انطلاق أول قطار إلى سيناء من الفردان إلى محطة بئر العبد غدا الاثنين.. (صور)    بالتزامن مع بدء تركبيها.. ما أهمية مصيدة قلب المفاعل النووي؟    محافظ الإسماعيلية يستقبل رؤساء الوفود المُشاركة بمهرجان الفنون الشعبية    توقعات الأبراج حظك اليوم برج الجدي على جميع الأصعدة.. فرص جديدة    بخفة دمه المعهودة.. علاء مرسي يحتفل بزفاف ابنته بالعزف على الدرامز    أمين الفتوى: 6 أكتوبر من أيام الله الواجب الفرح بها    إحالة فريق"المبادرات" بالإدارة الصحية بطوخ للتحقيق    ديتر هالر: خريجو الجامعة الألمانية سفراء لعالم أكثر سلامة واستدامة    في الذكرى ال140 لتأسيسها.. البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالفجالة    أرخص 5 سيارات SUV في السوق المصري    اللواء مجدى علام: 6 أكتوبر كان اليوم المناسب لشن الحرب    أكرم القصاص: حرب أكتوبر خداع استراتيجي وملحمة غيرت موازين القوة    تداول 3200 طن بضائع عامة و418 شاحنة بميناء نويبع البحري    وكيل الأوقاف محذرًا من انتشار الشائعات: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"    بالفيديو.. رمضان عبدالمعز: النصر دائما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمحور عمرو بن العاص الحر    إطلاق دليل الحلول والممارسات الناجحة للاستثمار بمجال الطاقة المتجددة    فكري صالح يطالب بإلغاء الترتيب بين حراس منتخب مصر    المنيا تحتفل بذكرى نصر أكتوبر (صور)    الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال دمَّر 611 مسجدا كلّيًا بغزة واقتحم الأقصى 262 مرة خلال عام    إصابة سيدة وابنتها في انهيار حائط منزل ببني سويف    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    أستاذ بالأزهر: يوضح حكم الصلاة بدون قراءة سورة الفاتحة    أحد أبطال حرب أكتوبر: القوات المسلحة انتهجت أسلوبا علميا في الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    اتحاد الكرة يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويهنئ الرئيس السيسي    غرق طالبين وإنقاذ ثالث بأحد الشواطئ بالبرلس فى كفر الشيخ    الداخلية تقدم تسهيلات للحالات الإنسانية بالجوازات    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    الحياة المأساوية للنازحين من ذوي الإعاقة والأطفال في مخيم خان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وتدور الدوائر
القرضاوي
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 11 - 2013

أتاري كل ما يحدث منه وراءه سبب.. أتاري نوباته الغاضبة المارقة بقذائفها الحارقة تجاه موطنه الأصلي خلفها سبب, وإن عرف السبب بطل العجب..
أتاري تصريحاته الجهنمية الأسبوعية التي يطلق قذائفها في خطب الجمعة من فوق منصة منبر مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة تجاه مصر وجيش مصر وأزهر مصر لها خلفياتها وتداعياتها.. أتاري دعوته لحرب أهلية بحجة عودة الشرعية ومرسي للاتحادية, المهيبة بالجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وشعوب العالم وكل من له ثأر إخواني وفي قلبه مرض إخواني, إلي الوقوف بقوة ضد مصر.. جميعها تخرج من تصدعات في جدران صندوقه الأسود الذي سكن طويلا ما بين الضلوع لكنه مع تقدم السن 87 سنة وعدم مسئوليته عما يصدر منه قد تداعت جميع الجدران وخرجت الخنافس والجرذان ليصرخ صاحبها وهو يهيل علي رأسه التراب بمظنة شمشون علي وعلي أعدائي بعدما اتسعت في مخيلته دائرة الأعداء من بضعة أفراد وقفوا في طريق مشروعه العاطفي الخاص إلي شعب مصر كله.. أتاري دعاء ابن قرية صفط تراب مركز المحلة الكبري التابعة لمحافظة الغربية علي أبناء مصر الانقلابيين بأن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر قد جاء نتيجة انفجار بركان المرارة التي عصرت القلب لينقلب بدوره منقلبا خطيرا ليغدو إنسانا آخر لا يستدل عليه أقرب الناس إليه, وإن كان هو الذي أعلن في20 ابريل2009 أنه يكتم اجتهادات فقهية وفتاوي حول قضايا معاصرة تجنبا لتشويش الجماهير عليه, مشيرا إلي أنه أخفي فتواه بجواز مصافحة الرجال للنساء الأجنبيات عند الاضطرار, وهو الذي قد أفتي بألا تتجاوز مدة الوضوء والصلاة في أماكن العمل للموظفين عشر دقائق فقط حرصا علي العمل, علي أن يلبس الموظف جوربه علي وضوء فإذا ما لجأ للوضوء أمكنه أن يمسح عليه فقط.. القرضاوي الذي أفتي لشمس البارودي بخلع النقاب والاكتفاء بالحجاب أسوة بزوجته الجزائرية أسماء.. ولكن.. ها هو النجم حسن يوسف الذي تقمص شخصية الشيخ الشعراوي بوعي وتدين واقتدار قد قام بإزالة ذقنه الطويلة والإحجام عن السفر أسبوعيا للدوحة لسماع خطبة القرضاوي الذي كان يعرف فيه العالم الفقيه الوسطي الدمث قوي الثقة بمصر وشعبها وأبنائها, الذي قال في وصفها بأنها الوفية التي لا تغدر, الصادقة التي لا تكذب, المؤتمنة التي لا تخون مهما تصبها الأحداث وتنقلب عليها الأحوال, فالخير فيها غالب.. حسن قد قطع أسفاره للدوحة بعدما ذهب القرضاوي الذي يعرفه ليأتي قرضاوي آخر لا يعرفه.. ولانقلاب القرضاوي حدوتة بدأت بالحمائم والخمائل وانتهت بالغربان والقنابل.. بدأت بقوله للحبيبة:
يا حبا زاد تدفقه فغدا طوفانا يغرقني..
يا شوقا أوقد في قلبي جمرات توشك تحرقني..
أيام الشوق تعذبني.. كم تجمعني وتفرقني..
وليالي الشوق تطول علي تطير النوم وتؤرقني..
كلمات للشيخ القرضاوي العاشق المدله الذي وقع في حب الدكتورة أسماء بن قادة حفيدة الأمير عبدالقادر الجزائري في أحد المؤتمرات عام1984 عندما شارك الشيخ فيه عميدا لكلية الشريعة والقانون بقطر, بينما أسماء العشرين ربيعا لم تزل طالبة بكلية العلوم والتكنولوجيا.. يكتب الشيخ عن اللقاء الأول في مذكراته ابن القرية والكتاب.. ملامح سيرة ومسيرة يقول: كانت ليلة حافلة جياشة بالعواطف والمواقف, وقد ودعتني الطالبات بمثل ما استقبلنني به من المودة والابتهاج, وكان في وداعي عدد منهن صحبنني إلي الباب فاسترعي انتباهي إحداهن وزميلاتها ينادينها باسمها( أسماء) فقلت لها: هل أنت أسماء صاحبة الكلمة علي المنصة؟ قالت: نعم.. فلما نظرت إليها عن قرب قلت: سبحان الله لقد جمع الله لك يا أسماء بين الجمال الحسي والجمال الأدبي.. أعطاك الله الذكاء والبيان وحضور الشخصية وجمال القوام. بارك الله لك يا ابنتي فيما منحك من مواهب. وبارك لك في فصاحتك. وبارك لك في شجاعتك. وبارك لك في ثقافتك. فقالت أسماء: لعل كلمتي قد حازت رضاك يا مولاي؟ فرد الراضي المنحاز: أكثر من الرضا.. وكنت أحسبك في كلية شرعية أو أدبية فوجدتك مثل بناتي الأربع كلهن في تخصصات علمية, وعلي فكرة ابنتي الصغري اسمها أيضا أسماء وأظنها في مثل سنك ويأتي رد من استشعرت عيون الإعجاب: من فضلك سلم لي عليها.. ويعود الراوي علي مهل لتذوق حلاوة الذكري علي أقل من المهل: لم أكن أعلم أن القدر الأعلي الذي يخط مصاير البشر قد خبأ لي شيئا لا أعلمه, وأن الحديث التلقائي بيني وبين أسماء الذي لم يتم بعده بيننا لقاء إلا بعد سنتين كاملتين كان بداية لعاطفة قوية انتقلت من عالم العقول إلي عالم الأرواح, والقلوب لها قوانينها وسننها التي يستعصي فهمهما علي كثير من البشر, وكثيرا ما يسأل الإنسان: ما الذي يحول الخلي إلي شجي؟ وما الذي يربط رجلا من قارة بامرأة من قارة أخري, وما الذي يحرك القلوب الساكنة فتستحيل إلي جمرة ملتهبة حتي تري النسمة إعصارا والشرارة نارا, ولا يجد المرء جوابا إلا أنه من أسرار عالم القلوب.. لقد قالوا: كيف يحب الأستاذ تلميذته؟! وكيف يحب الشيخ الكبير فتاة في عمر بناته؟! وقالوا هل يجوز لقلب عالم الدين أن يتحرك ويتحرق مثل قلوب البشر؟! ولا جواب إلا ما قاله شوقي في نهج البردة:
يا لائمي في هواه والهوي قدر..
لو شفت الوجد لم تعذل ولم تلم
و..قالوا أحب القس سلامة وهو التقي الورع الطاهر, كأنما لم يذق طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر.. يا قوم إني بشر مثلكم, ولي كبد تهفو كأكبادكم ولي فؤاد مثلكم شاعر..
ويواري العاشق الولهان حبه خمس سنوات لكنه بعد الاستخارة يكتب لأسماء رسالة يصارحها بحبه يرفقها بقصيدة غرام من75 بيتا:
أتري أطمع أن ألمس فيك الجوابا؟
أتري تصبح آهاتي ألحانا عذابا؟
أتري يغدو بعادي عنك وصلا واقترابا؟
آه ما أحلي الأماني وإن كانت سرابا
فدعيني في رؤي القرب وإن كانت كذابا
وافتحي في سراديب الغد المجهول بابا
ويلاحق البعيد القريب إلي القلب بالمكالمات والرسائل والآهات والزفرات واللؤلؤ المنثور علي بساط الريح:
يا حبيبي جد بوصل دمت لي واجمع شتاتي
لا تعذبني كفاني ما مضي من سنوات
بت أشكو الوجد فيها شاربا من عبراتي
يا حبيبي وطبيبي هل لدائي من دواء؟
لا تدعني بالهوي أشقي.. أترضي لي الشقاء؟
لا تدعني أبك فالدمع سلاح الضعفاء
كيف يحلو لي عيش ومقامي عنك ناء..
وعبثا يحاول القرضاوي اتمام الزواج خلال عامي1990 و1991 وتبوء جميع محاولاته بالفشل بسبب رفض والدها عالم الرياضيات الشهير محمد بن قادة لفارق السن, غير الزوجة والأولاد, والغربة, وتعدد الزوجات الذي لا يمثل جزءا من ثقافة الجزائر.. وتهبط أشواق المرفوض زخات زخات كالمطر المدرار علي فؤاد ساكنة القلب:
أنت معي في حركاتي وسكناتي وغدواتي وروحاتي وسفري.. وفي إقامتي.. وفي البيت, وفي المكتب, وفي الجامع, وفي الجامعة, ووحدي ومع الناس.. أكلم الناس وأنت معي, وأكتب وأنت معي, وأخطب وأنت معي, وأصلي وأنت معي..
يصمد الشيخ صمودا لا يقوي عليه من هم في شرخ الشباب في سبيل أن ينال مبتغاه, لتستمر المحاولات الدءوب علي مدي13 عاما متواصلة لا يخمد أوارها ليتم الزواج الميمون أخيرا في عام1997 ليكون شاهدا عليه الشيخ عبدالرحمن شيبان وزير الشئون الدينية السابق بالجزائر.. ويعيش العروسان في تبات ونبات لكنهما لا ينجبان لا الصبيان ولا البنات, فالشيخ له من زوجته الأولي المصرية السيدة إسعاد عبدالجواد.. أم محمد التي تزوجها في ديسمبر1958 ورحلت في27 يونيو2012 ثلاثة ذكور: د. محمد والشاعر عبدالرحمن يوسف, والمهندس أسامة, وأربع بنات: إلهام وسهام وعلا والصغري أسماء.. وتتلبد السحب في سماء العش الدافئ مع بداية نشر مذكرات الشيخ في جريدة الوطن في أكتوبر2008, وتعاني أسماء من أصداء ظهورها الإعلامي المكثف بعد حصولها علي الدكتوراه في الندوات والمؤتمرات إلي جانب عملها كمنتج فني لبرنامج للنساء فقط في التليفزيون القطري.. وتأتي ليلة الخميس12 نوفمبر2008 بعد عودتها من ندوة حول مستقبل اللغة العربية حيث يعلو صوت رنين التليفون فتهرع إليه لتتلقي صوته يسألها عن الندوة وأخبارها ولا يقطع حبل الحديث سوي دغدغة النعاس إلي نبراته فتستجلي صحة قولة إيش تقول؟ فيودعها بقوله المعتاد: تصبحين علي خير وحب وشوق وأنس ومع خيوط الصباح عاود الاتصال ليطمئنها علي أنه تناول إفطاره وأدويته وبأنه ذاهب لقضاء يومه في مزرعة صاحب له.. وتلك كانت آخر مرة سمعت فيها أسماء صوت يوسف.. فعندما جاء المساء اتصل بها سكرتيره قائلا أربع كلمات لا غير: سافر الشيخ لمدة قد تطول.. وتأتي الأخبار من عش الزوجية المهجور زمنا تقول: إن اليمامة في وحدتها الموحشة قد فتر صمودها في غيبة هديل صاحبها فذهبت تطالب بمائة مليون دولار تعويضا عن الهجر.... وتبقي كلمات يوسف القرضاوي معلقة في الهواء.. كلمات قال لها فيها: لست أخشي قول حسادي شيخ يتصابي.. كل ما أخشاه أن تنسي فؤادا فيك ذابا.. فأري الأزهار شوكا وأري البئر ترابا.. وأري الأرقام أصفارا ودنيانا يبابا.. وأري الناس سباعا وأري العالم غابا..
يكتوي الشيخ بنار الفراق مع ذكري نوفمبر ونوفمبر.. نصف دستة من تراكم شهور نوفمبر في البعاد.. السنوات الكبيسة من الأصل بحكم التقدم في السن تركت آثارها هي الأخري علي ضفائر الأعصاب لتزداد وطأة تصلب الشرايين ليحارب القرضاوي طواحين الهواء فتشرد فتواه, وتهتز رؤاه, وتسود دنياه, وتنتكس خطاه, وتحول قواه, فيسب موطنه, وينصر عدوه, ويهاجم أزهره, ويعادي جيشه, ويري الدنيا يبابا والعالم غابا والمرايا معكوسة فيصف الإخوان بأنهم أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم!! وأخلاقياتهم!! وفكرهم!! وأكثرهم استقامة ونقاء!!!!!.. والآن في مسألة القرضاوي وما يصدر عنه في أيام الجمع.. هل وضعتم أيديكم علي السبب.. فإن عرف السبب بطل العجب!!
وتدور الدوائر!
كانت الثورة الفرنسية التي اشتعلت في1789 بمثابة السونامي الذي لم ينج منه قاض ولا شاهد ولا متهم, ولم يفلت منه ملك أو زعيم ثوري أو مواطن عادي, فذهبت الآلاف ضحية الشك وسوء الظن وخبث الطوية والتوتر وانعدام القدرة علي إصدار أحكام مدروسة قائمة علي الحقائق والبراهين, مع اختيار عقوبات مناسبة متوازية مع الجرائم المنسوبة إلي أصحابها, فكان يكفي كلمة من هنا, أو لقاء غير مقصود مع شخص هناك, أو ورقة مكتوب عليها عنوان ما أو بعض الخواطر الشخصية لكي تؤدي مثل هذه الأشياء العابرة بصاحبها إلي المقصلة, وقد أدانت تلك الثورة الملك لويس السادس وزوجته ماري انطوانيت, وكان قائد حملة إدانتهما الثائر دانتون, وتم إعدام لويس وانطوانيت, ولم تمض فترة قصيرة حتي وجد دانتون نفسه متهما يقود الاتهام ضده بعنف وقسوة صديقه القديم وزميله في قيادة الثورة روبسبير, وانتهي الأمر بقطع رقبة دانتون ليخلو الجو لزعامة روبسبير الذي وجد نفسه بدوره يذوق سريعا من نفس الكأس فيقدم للمقصلة ليتم تنفيد الحكم عليه مع جميع مؤيديه وعلي رأسهم الثائر الشاب الفنان سان جوست.. و..في باريس الآن تمثال ضخم لدانتون الذي أعدم في1794 تطوف من حوله الجماهير تخليدا لذكراه.. أما أحدث الدراسات قد أثبتت أن روبسبير الذي أعدم بعد اتهامه بأنه إرهابي دموي سفاح كان شاعرا ملائكيا طاهر اليد زاهدا في جميع مظاهر الوجاهة والسلطة والمال, وكان رجلا أبيا يصعب رشوته!!
مدير التحرير
في ليل العاصمة واشنطن وسط انعكاسات أضواء القناديل علي الستائر المخملية, فوق مساند الشرق, في القاعة الأندلسية الواسعة بالطابق الأول من الفيللا الضخمة البيضاء المتربعة وحدها فوق تل السندس الأخضر جلسنا علي الرحب والسعة نرتع في كرم ضيافة صاحب المكان الصديق الإعلامي القدير محمد حقي عندما انتدب بحكم خبراته للعمل في صندوق البنك الدولي بعد أخذه إجازة بدون راتب من رئاسته للقسم الخارجي في الأهرام.. ليلتها انطلق الكاتب الكبير موسي صبري يروي لنا عن ظروف تدبيجه لخطاب الرئيس السادات القنبلة الذي ألقاه في الكنيست الإسرائيلي.. و..سخنت في القعدة أجواء الكتابة والصحافة والسياسة فإذا بمحمد حقي يميل ناحيتي ليهمس بأمنية يحلم بتحقيقها.. أن أصبح مديرا لتحرير الأهرام.. كل ما ترينه حولك من إمكانيات ومظاهر مستعد للتخلي عنها فورا في اللحظة التي استدعي فيها للقاهرة لشغل هذا المنصب بالأهرام.. فما كان مني سوي الابتسام في وجهه ببلاهة حرصت أن تحمل فيها ابتسامتي سفارة الرد الباتر بدون تعقيب.. وعدت لحجرتي في الفندق يملؤني العجب من جسارة حقي.. من شدة ارتفاع السقف الذي بلغ طموحه الجامح التمني في الوصول إليه.. مدير تحرير الأهرام!!! الرجل أكيد جري له حاجة في مخه سببتها الغربة.. مدير.. وتحرير.. والأهرام.. حقيقة غير معقول يا حقي.. حقيقة اللي يبص لفوق رقبته توجعه.. طيب واحدة واحدة.. سلمة سلمة.. تكة تكة.. نقول سكرتير تحرير.. نقول في الدسك المركزي.. نقول تقعد علي جنب في اجتماع صالة التحرير.. نقول مساعد.. نقول مشرف علي الصفحة.. نقول تراجع البروفة.. إنما منزلة لم يبلغها سوي واحد أو اثنين بالكتير في عمر الأهرام!!... ولا يمضي العام حتي تعين السلطات محمد حقي مديرا للاستعلامات حيث لا يمكث أكثر من شهرين ليقدم استقالته ويؤوب عائدا بدون سلام ولا كلام لمكانته العالمية المرموقة وصالون فيلته الضخمة البيضاء المتربعة وحدها فوق تل الخضرة في العاصمة واشنطن.. ولا يكتمل عام آخر حتي نمشي في ردهات الأهرام وممراتها لنتعثر في كم هائل من سكرتيري ونوابي ومساعدي ومشرفي ومديري التحرير.. فالكل يحمل ألقابا وليس أثقالا ولا التزاما وحقك علي يا حقي!
إبراهيم العريس
بحثت عنه فلم أجده.. فتشت في لقطات المدعوين وأيديهم التي تحمل هدايا المناسبة الإعلامية العالمية التذكارية التي لا تتكرر إلا كل ربع قرن فلم تقع عيني عليه.. راجعت جميع الكلمات التي قيلت في الحفل الكبير فلم أهتد إلي اسمه وهو العريس.. وتعجبت!! فهو عامود الخيمة, ونافذة المعارف, وأكاديمية العلوم والفنون والآداب, والباب الملكي لعبور المحيط الثقافي العالمي.. كيف تحتفل جريدة الحياة اللندنية وشعارها علي صفحتها الأولي قول أمير الشعراء أحمد شوقي: إن الحياة عقيدة وجهاد بالذكري السنوية الخامسة والعشرين لإعادة تأسيسها في لندن عام1988 علي يد الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز حيث تعاقب علي رئاسة تحريرها جميل مرة الذي استشهد داخل مكتبه في16 مايو66, وبعده جهاد الخازن لمدة عشر سنوات, وجورج سمعان, والآن غسان شربل ويقام في تلك المناسبة حفل ضخم في أكبر فندق بلندن يحضره القاصي والداني, وينفض المولد, وتذوب الكلمات, وتعود الطائرات بالمدعوين لعواصمهم, ويصدر مع الصباح العدد الجديد لما بعد الربع قرن.. ولا ذكر له.. اللهم إلا في موقعه المعتاد من الصحيفة.. إبراهيم العريس.. الكاتب العملاق الذي يمنح الحياة للحياة ويأخذ بيدها من بين أفراد الطابور الصحفي الطويل ليضعها فوق منصة الأستاذية.. الذي تحتفل الصفحة العاشرة يوميا بروائعه تحت عنوانه الائتلافي: ألف وجه لألف عام وأظنه والله أعلم قد قدم لنا يوميا علي مدي الربع قرن ألفية تلك الوجوه الألف, ولا حسد, بجهد موسوعي لا يطاوله فيه كائنا ما كان, وبتنويع درامي يبذ المخرج إيليا كازان, وبتوزيع موسيقي يفوق موتسارت, ونفس أدبي يضارع سامي الدروبي.. وعلي سبيل المثال فإنه خلال أسبوع الاحتفالات فقط قدم لنا حياة الكاتب الألماني هرمان هيسه الحاصل علي نوبل للآداب عام1946 الذي يقول عنه النقاد إن افتتانه بالشرق كان مبعث حكمته التي لخصها في روايته الرحلة إلي الشرق التي ذهب فيها بحثا عن حبيبة أحلامه فاطمه, وخلال الرحلة يلتقي البطل كل من زرادشت, وأفلاطون, وفيثاغورث وبودلير وغيرهم من فلاسفة وعباقرة الكون فجميعهم يشتركون في ذلك السفر العجيب إلي الشرق في رحلة البحث عن الذات..... وعلي درب الشرق يقدم لنا إبراهيم العريس في الصباح التالي من الحياة رحلة الكاتب الفرنسي الشهير جوستاف فلوبير1821 1880 صاحب مدام بوفاري في روايته الجديدة سالامبو عن حياة ابنة الزعيم القرطاجي هاميلكار المغرمة بماتو زعيم الثوار لتعيش موزعة بين حبها للثائر ووفائها لأبيها التي تقوم الثورة ضده, وتستسلم للاستقرار فتساعد في إلحاق الهزيمة بحبيبها الثائر الذي يعتقل ويعذب لتموت حزنا لمشاهدته فوق المقصلة.. وينبهنا إبراهيم العريس بما يمنحنا الأمل في أن بكرة أفضل من النهاردة عندما يكتب بأن فلوبير قد كتب أعماله الكبري خلال النصف الثاني من حياته..
ونظرا لمرور خمسين عاما علي اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي من لم يزل تحيط الألغاز بحادث مقتله يقدم إبراهيم العريس16 سؤالا للفيلسوف البريطاني برتراند راسل'1872 1970' التي سألها للمجتمع العالمي وهو في سن ال92 تتعلق بجريمة العصر تعتبر جميعها نصا سياسيا بدرجة امتياز, ونموذجا رائعا لتدخل المثقف في الحياة العامة لمعرفة الحقيقة, ومثل هذا التدخل لم يكن جديدا علي راسل وسط مشاغله الفلسفية, فقد كان يجد أن من واجبه الأخلاقي مجابهة كل ظلم وكل اعتداء, سواء طاول أفرادا أوشعوبا, ومن هنا نراه حين قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي علي مصر يهاجم سياسة بلاده الخرقاء مدافعا عن حق المصريين.. وقد جاء ضمن أسئلة راسل في مقتل كيندي: لماذا لاحقت السلطات أشخاصا عدة بصفتهم مشكوكا فيهم لكنها لم ترصد دخول المتهم أوزوالد إلي مبني مخزن الكتب رغم ما قيل من حمله بندقية لا يقل طولها عن ثلاثة أقدام؟!.. ولماذا استبدل طريق الرئيس في الدقيقة الأخيرة حتي يمر أمام مرمي أوزوالد؟!.. و..لماذا رفضت الإف بي آي نشر ما يعتبر دليلا قاطعا في القضية وهو فيلم قامت بتصويره إحدي السيدات لما حدث ما بين مخزن الكتب ومكان سيادة الرئيس لحظة إطلاق النار؟!!..
وتظل أسلئة برتراند راسل معروضة في الهواء الطلق بلا إجابة علي مدي خمسين عاما, مات فيها من مات, وصفي من أريد تصفيته, ورقي للمناصب العليا من شهد بأنه لا يري ولا يسمع ولا يتكلم, وانتقل الحادث للسينما, والعيال كبرت, وتزوجت الأرملة بأوناسيس, وعملت مصورة صحفية, وأصابها المرض لترحل قبل التعرف علي من أطلق الرصاص.. والرجاء أن نستدل علي قتلة ثوار شارع محمد محمود قبل انقضاء مثل تلك المدة!
صكوك!!
@ الحقيني يا ماما..
- مالك يا ولدي؟!
@ هاتي إيدك يا ماما..
- ضهري مكسور يا كبدي
@ أنا مش شايف يا ماما..
- ومن سمعك يا نضري..
@ أونكل زياد حيرجع الصكوك يا ماما..
- وأنا اللي من همي وغليان دمي علي محمد ومحمود والجدعان اللي راحوا في شربة ميه قلت إني أنا اللي ضيعتها!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.