علي الرغم من استمرار قناة الجزيرة القطرية في تقديم هذا السيرك الغرائبي المريب يوميا, وما يصحبه من فقرات كوميدية, معتبرة إياها مواد إعلامية' محايدة', يؤكد الكثير من المحللين الغربيين أن ما تقدمه ما هو إلا الرقصة الأخيرة في مشهد عبثي, حاولت فيه الدولة الخليجية متناهية الصغر الشديدة الطموح أن تبلع المنطقة في أحشاء جسدها الضئيل, إلا أنها سرعان ما فشلت وتعرضت هذا العام لأكبر قدر من الخسائر علي الإطلاق, وبعد أن ظنت منذ عام واحد فقط أنها قد أخضعت الجيران والعباد, وجدت نفسها تواجه فشلا كامل جراء سياستها الخارجية, وتخسر قناتها الإعلامية التي كانت تمثل أهم مصادر ثقلها السياسي, مصداقيتها تماما في الشارع العربي, وهي ربما علي وشك إن تخسر حلمها الكبير باستضافة كأس العالم لعام2022, ولم يعد أمامها سوي أن تعلن خسارتها, وهو ما يعتقد الكثير من المحللين, أنها تقوم به بالفعل, بقدر كبير من المرارة. تسبب السقوط السريع والمدوي للرئيس المصري السابق, محمد مرسي, في حالة من الارتباك والتخبط لدي الحكومة القطرية, كما ترك لديها صداعا كبيرا بالكاد تحاول الخلاص منه, فبعد أيام, من تولي أميرها الشاب, زمام القيادة في بلاده, رحل مرسي وجماعته, وأصبح علي قطر أن تواجه خسارة لا يمكنها تعويضها في مصر, لقد أصبحت- علي الأقل علي المستوي الشعبي- كيانا غير مرغوب فيه'وخسرت مليارات الدولارات التي منحتها للجماعة دون أن تحصل علي المقابل الذي كانت تنتظره. قدمت قطر نفسها منذ اندلاع الثورات العربية, باعتبارها الداعم الرسمي للإسلاميين المتشددين في جميع أنحاء الشرق الأوسط, وقد دفعها طموحها المتهور, والسعي المحموم وراء الرغبة في ان تصبح صاحبة النفوذ الإقليمي الأقوي منافسة بذلك كلا من مصر والسعودية, في التحالف مع المتطرفين في الدول العربية, علي أمل أن يكونوا سلاحها الفتاك لتنفيذ طموحاتها, وكان وزير خارجيتها المخضرم حمد بن جاسم آل ثاني, هو مهندس هذه السياسات الطموحة والتوسعية في الشرق الأوسط, فهو كما يؤكد الكثير من الخبراء, المسئول عن تسليح الجهاديين التابعين للقاعدة في ليبيا, وعن تأمين وصول التسليح الأمريكي للجهاديين في سوريا, خاصة جبهة النصرة, كما كانت الراعي والممول الرئيس لحركة حماس, لقد أصبحت قطر ببساطة كما يصفها الخبير الأمني الأمريكي, جوناثان سكانزير, بمثابة جهاز الصراف الآلي لجماعة الإخوان والجماعات التابعة لها, وكانت قناتها الجزيرة, الممولة من جانب الأسرة الحاكمة, هي البوق الإعلامي الصاخب لجماعة الإخوان واذرعها الإرهابية المسلحة. لكنها هذا العام تحديدا تلقت الدولة الواسعة الثراء, الصغيرة الحجم, لكمات متتالية قوية, وخاب رجاؤها بثورات ما يطلق عليه الربيع العربي, التي بشرت بحكومات إسلامية في مصر وتونس, ومكنت حديثي النعمة حسب وصف صحيفة واشنطن بوست من الصعود إلي السلطة في جميع أنحاء المنطقة, إلي أن جاء السقوط المدوي لحلفائها في مصر, مع انتظار سقوط بقية أحجار الدومينو التي ظنت قطر أنها أقامتها بعناية. كان المحلل المصري البارز مأمون فندي, أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون ومدير برنامج الشرق الأوسط وأمن الخليج بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن, من بين من حذروا مبكرا من سيطرة الإخوان علي قناة الجزيرة, وكان قد كتب منذ عدة سنوات في صحيفة الشرق الأوسط, أن أكثر من50% من العاملين في قناة الجزيرة ينتمون إلي تنظيم الإخوان, وان الجزيرة أصبحت السلاح الأقوي في يد أمير طموح تحالف مع الإخوان, وسيعمل علي تهديد الاستقرار في الشرق الأوسط. وكانت مجلة الايكونوميست قد نشرت تقريرا لها في يناير الماضي, عكست فيه حالة غضب الشارع العربي تجاه تغطية الجزيرة للأحداث وكيف أنها كانت تتجاهل تغطية الانتهاكات والفظائع التي ارتكبها حلفاؤها الجهاديون في سوريا وليبيا, وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الإخوان في مصر عندما كانوا في السلطة. ويري المحلل الاستراتيجي مايكل ستيفنز, المتخصص في شئون الخليج بالمعهد الملكي'روسي' إن قطر مضطرة اليوم أن تعلن انسحابها عن هذه السياسات, وقد بدأ الأمير تميم هذه الخطوة عندما هنأ الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور علي منصبه, وبدا جليا أن الدولة الخليجية الصغيرة, تحاول لم شتات أفكارها, والبحث إما عن وسيلة جديدة للمناورة أو علي الأرجح, تتراجع بأقل الخسائر عن دعمها لمشروع الإخوان الساذج, وذلك بعد إن خسرت بالفعل أكثر من8 مليارات دولار في دعم مرسي والإخوان في مصر, حتي إن بعض المعلقين يقترحون علي قطر تقديم دعاوي قضائية ضد الإخوان لتكبيدهم كل هذه الخسائر, دون أن يخبروهم أنهم بالأساس لا يفقهون كثيرا في السياسة. يقول ديفيد روبرتس, المحلل السياسي والمحاضر بكلية كينج بلندن, والذي يقدم محاضرات خاصة لضباط الجيش القطري, لقد أصبحت سمعة قطر في الوحل, لقد أثبتت في مصر أنها اتبعت سياسة فاشلة تماما يجب ان يدفعها هذا إلي إعادة النظر' جدير بالذكر أن علاقة قطر بالإخوان تعود إلي منتصف القرن الماضي, بعد أن فتحت لهم أبوابها أثناء موجات هجرة قيادات الجماعة إليها من مصر وسوريا والسعودية, وكان يوسف القرضاوي من ابرز هذه القيادات الذي سرعان ما كسب عقول وقلوب الأسرة القطرية الحاكمة, ويشكل عنصرا بارزا في توجيه السياسة الخارجية لها. اليوم ينتظر المراقبون والمحللون من القيادة القطرية الجديدة أن تكون أكثر حكمة وتعقلا في ممارسة سياستها الخارجية, بعد ان تلقت عدة ضربات موجعة خلال الشهور القليلة الأخيرة, وان يركز حاكمها الشاب 33 عاما علي الشئون الداخلية لبلاده, ويتخلي عن سياسات والده العدوانية تجاه جيرانه, وكان تميم قد نال الحكم بعد أن قدمه له والده طواعية في26 يونيو الماضي, قبل أيام قليلة من سقوط الإخوان في مصر. ووفقا لتقرير نشر أخيرا في صحيفة واشنطن بوست, فان جميع شعوب المنطقة العربية, يشعرون بالغضب الشديد تجاه قطر, وهو ما سيدفع أبناء الطبقة الحاكمة في الدوحة إلي البحث مرة أخري عن الذات, وان كان هذا يتم بشكل غير ملحوظ وراء جدران ناطحات السحاب الشاهقة في الدوحة. لكن مع هذا يري بعض المراقبين أن الشيخ تميم ومستشاريه سوف يبحثون عن موطئ قدم جديد في مصر, وأنهم حاليا يحاولون تحرير أنفسهم من علاقة استمرت لعقود مع جماعة الإخوان, وذلك علي أمل حماية المليارات التي أنفقوها, في حين ينتظر العديد من المحللين ان يقوم وزير الخارجية القطري الجديد, خالد العطية, بتوجيه بلاده والحاكم الجديد, نحو سياسة أكثر منطقية وعقلانية, والتخلي عن تمكين الجماعات الإسلامية المتطرفة عبر دول الجوار, والتحلي بقدر من الاستقلالية في تنفيذ إملاءات واشنطن. يؤكد المحللون, أن اندفاع قطر الفوضوي, جعلها تقدم مساعدات للميليشيات المسلحة المتشددة الليبية لتقويض جميع جهود تحقيق الوحدة الوطنية في ليبيا ما بعد القذافي, ودعمت عشوائيا الجماعات الإرهابية في سوريا, بحثا عن تقويض فاعلية الجيش السوري الحر الأكثر اعتدالا, لكنها اليوم قد أفسدت الأمر تماما في سوريا وأبعدت عن المشهد لتحتله السعودية بثقلها الإقليمي الراسخ.