لا يختلف حال ذوي الإعاقات عن باقي فئات المجتمع في اعتراضهم علي نصوص المواد الخاصة بحقوقهم في المسودة الأولية لتعديل مواد الدستور والتي تمثل مادة واحدة فقط, ويطالبون بتعديل تلك المواد لتشعرهم بأنهم مواطنون طبيعيون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. ورفضت القوي الوطنية لذوي الإعاقات المادة61 المتعلقة بهم.. وتعامل الدولة ما زال مع المعاقين- البالغ عددهم15 مليونا- بمنطق الرعاية والقوامة مطالبين بالتعامل معهم باعتبارهم مواطنين عاديين لهم نفس الحقوق, مؤكدين أن المادة المشار إليها من مسودة الدستور الحالية لا تختلف عن المادة72 من دستور2012, والتي لاقت اعتراضا كبيرا من جموع المعاقين بالمجتمع. وفي ظل مطالب البعض بتضمين ما ورد في القوانين والمواثيق الدولية حول حقوق المعاقين بالدستور الجديد, أكد علماء الدين, أن حقوق المعاقين في الإسلام فريضة وليست إحسانا, وان الشريعة الإسلامية اهتمت اهتماما كبيرا بكل فئات المجتمع عامة, وأولت الرعاية الخاصة والكاملة للضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة, وأن تشريعاته في هذا المجال قد سبقت كل المواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية. كما دعا علماء الدين إلي زيادة الاهتمام والرعاية لهذه الفئة المهمة من فئات المجتمع حتي ينعم الكل بالأمن والاستقرار الاجتماعي. المعاقون تفوقوا علي الأصحاء ويشير الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة, بجامعة الأزهر إلي أن الناس متساوون جميعا في الحقوق والواجبات, لا فرق بين صغير وكبير أو ذكر وأنثي, أو بين صحيح وسقيم, ويجب النظر لهؤلاء بنظرة واحدة, أن الإسلام أعطي أصحاب الأعذار من المرضي وذوي الاحتياجات الخاصة مزيدا من الرعاية والاحترام, وأسقط عنهم الحرج في كثير من الأحكام الشرعية, قال تعالي:( ليس علي الأعمي حرج, ولا علي الأعرج حرج, ولا علي المريض حرج) وقال تعالي:( فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام اخر) ودلت هذه النصوص علي أن هؤلاء لا ينقصون عن غيرهم, خصوصا وأن كثيرا منهم يمتلكون قدرات ومواهب غير عادية, بل نجدهم يتفوقون أحيانا علي أقرانهم من الأصحاء, والدليل علي ذلك ما نراه وما نشاهده, وقد حصل كثير منهم علي ميداليات في الألعاب الأوليمبية, وأحرزوا مراكز متقدمة لم يحرزها الأصحاء, فينبغي أن يوضع هؤلاء في موضعهم الصحيح بين فئات المجتمع, فيتساوون معهم في الحقوق والواجبات, وليس معني أنهم( ذوو احتياجات خاصة), أن يهملهم الدستور أو المجتمع, أو أن ينزل بهم عن المكانة اللازمة التي يستحقونها, كما يجب أن يشاركوا في كافة الاستحقاقات السياسية, فلهم حق الترشح والانتخاب, ولا يقلون عن غيرهم بأي حال من الأحوال, وقد نظر النبي, صلي الله عليه وسلم, إلي أمثال هؤلاء نظرة إجلال وتكريم, والحديث الذي وجهه القرآن الكريم إلي النبي, صلي الله عليه وسلم, في حق عبد الله بن أم مكتوم ليس ببعيد عنا, في( سورة عبس), ولذا كان النبي, صلي الله عليه وسلم, يستخلف عبد الله بن أم مكتوم, في غيبته, وهذه دلالة علي أن النبي, صلي الله عليه وسلم, ينظر إلي صاحب الاحتياج الخاص( وقد كان أعمي) نظرته إلي الأصحاء. وأعرب عن أمله في دستور يرقي إلي طموحات ذوي الإعاقة, ويكفل تمتعهم بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, علي قدم المساواة مع غيرهم من المواطنين, إن لم ننتهج هذا النهج الدستوري, سنفقد فرصة ثمينة لتحويل هذه الشريحة المهمشة من مورد معطل إلي مورد منتج يضيف للمجتمع ويسهم في تطوره المنشود. نماذج إسلامية ناجحة وحول مكانة المعاقين في الاسلام, يقول الدكتور أحمد محمود كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن كان الوصف القرآني والنبوي أدق وأبلغ لأن العاهة والآفة ابتلاء من الله عز وجل, وليست بالضرورة مانعا من كفاءة من يبتلي بذلك, ومن أدلة ذلك, أن شعيرة الآذان, في عهد النبي, صلي الله عليه وسلم, كان يؤديها سيدنا عبد الله ابن أم مكتوم, رضي الله عنه وهو أعمي, لاسيما في آذان الفجر, وقد استخلفه رسول الله, صلي الله عليه وسلم, عدة مرات, في سفره علي المدينة, ليكون حاكما عليها, بالإضافة إلي نماذج أخري من سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم, ممن أصيب بعاهة في رجله, أو فقد حاسة من حواسه, ومع ذلك, كانوا جزءا من الكيان الاجتماعي, وأدوا خدمات جليلة للدين والمجتمع, وقد أوصانا الإسلام بهم خيرا في حسن معاملتهم, والرفق بهم, وعدم تعييرهم أو تعييبهم, وعدم السخرية منهم, وتأمين العيش الكريم لهم, وبلغ التسامح أعلي مداه, مع ذوي العاهات, حينما رأي أمير المؤمنين سيدنا عمر رضي الله عنه, يهوديا مسنا ضريرا( كفيفا) يتسول في طرق المدينة, فأمر عمر رضي الله عنه, بتخصيص راتب شهري, من بيت مال المسلمين لهذا الرجل, رحمة بشيخوخته وشفقة بعاهته, وعلي ضوء هذا, فيجب في الدستور المصري المرتقب, أن يضمن جميع الحقوق العينية والأدبية لذوي العاهات والآفات, ويجب ترك مصطلح( معوق) لأنه وصف مسيء ومشين لأن من أصيب بالعاهة, لديه كفاءات أخري للوفاء بمهمات في المجتمع, وتكافؤ الفرص بينه وبين غيره, كما يجب استبدال ذلك كله بعبارة( الرعاية للمعاقين) فهذا يتنافي مع كونهم مواطنين يتمتعون بكامل الحقوق الدستورية دون انتقاص, كما يجب أن تلتزم الدولة بتوفير الضمان الاجتماعي والإمكانات اللازمة لدمجهم في التعليم بمراحله المختلفة, والاكتشاف المبكر للإعاقة وتوفير الوسائل والتسهيلات الممكنة لتحقيق مشاركتهم السياسية, وحقهم في التصويت الانتخابي, ولكن المادة التي وضعت بصيغتها الحالية لا تتضمن كل ذلك.