لاشك أن الزكاة إذا وظفت توظيفا صحيحا في مصارفها الشرعية تسد ثغرة كبيرة في احتياجات الفقراء والكادحين والمصالح العامة للوطن, وإذا سخت نفس الأغنياء والقادرين بالصدقات والقيام بواجبهم في باب فروض الكفايات من إطعام الجائع, وكساء العاري, ومداواة المريض, وإعانة المحتاج, والإسهام الجاد فيما يحتاج إليه الوطن من إصلاح وسلاح وعتاد فإن وجه الحياة لأي وطن سيتغير, ولن يكون بين أبنائه محتاج ولا متسول, يقول الإمام علي بن أبي طالب, رضي الله عنه, إن الله عز وجل قسم أقوات الفقراء في أموال الأغنياء, فما جاع فقير إلا بشح غني, فإن وجدت فقيرا جائعا فأعلم أن هناك غنيا ظالما لم يخرج حق الله في ماله, ولم يف بواجبه تجاه مجتمعه. وإذا استثمر الوقف استثمارا صحيحا إلي جانب ذلك كله لصالح الوطن أدي ذلك مجتمعا إلي الإسهام في نهضة حقيقية لوطننا الغالي, بل ربما فاض الخير إلي دول أكثر فقرا نحن في حاجة أن نمد لها يد العون كبعض دول حوض النيل. والزكاة حق أصيل في المال, وركن رئيس من أركان الإسلام كالصلاة والصيام سواء بسواء, وقد قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, ثلاث في القرآن الكريم نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها دون الأخري, وهي قوله تعالي وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول إذ لا تقبل طاعة الله مع معصية رسوله, صلي الله عليه وسلم, وقوله تعالي وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فمن ضيع الزكاة مع وجوبها عليه لم تغن عنه صلاته من الله شيئا, وقوله تعالي أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير فمن لم يشكر لوالديه جميلهما وصنيعهما لم يشكر الله عز وجل, ويقول سبحانه في شأن كانزي المال ومانعي الزكاة والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. ودعا الإسلام إلي الصدقة والإكثار منها يقول سبحانه مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ويقول, صلي الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة. ولاشك أن الخلل لا يخرج عن أن يكون من جهة الدافع أو جهة متلقي الزكاة أو من الجهة الوسيطة سواء أكانت شخصا أم جمعية أم مؤسسة. فالخلل الذي يأتي من جهة الدافع إما أن يكون بعدم الدفع أصلا, وإما بالتحايل عليه, وإما بدفعه دون تمحيص أو تدقيق في أمر الجهة التي يدفع لها. وهنا ينبغي أن يركز الخطاب الديني علي وجوب الزكاة وأهمية إخراجها والإثم الشديد المترتب علي منع حق الله عز وجل في المال. والخلل الذي يأتي من جهة الآخذ إنما يأتي من ضعف الوازع الديني لدي بعض من تسول لهم أنفسهم الحصول علي المال من أي طريق حتي لو كان فيه إراقة ماء وجوههم, وهؤلاء علينا أن نذكرهم بمنهج الإسلام وبالحس الإنساني السليم الذي ينأي بالقادر عن العمل علي التسول أو دناءة النفس, ويقول الإمام علي, رضي الله عنه: لحمل الصخر من قمم الجبال.. أحب إلي من منن الرجال يقول الناس لي في الكسب عيب.. قلت العيب في ذل السؤال ويقول نبينا( صلي الله عليه وسلم) إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستح فاصنع ما شئت. فينبغي التأكيد علي نهي الإسلام عن المسألة بدون حاجة حقيقية, وعن ذل السؤال, وأن الأبي الكريم لا يمكن أن يعرض نفسه لما لا يليق بالعفيف الكريم, وأن اليد العليا المتصدقة خير وأكرم من اليد السفلي الآخذة, مع التأكيد علي أهمية العمل وقيمته وحث الإسلام عليه, وبيان أن الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله, وأن خير الناس من يأكل من عمل يده, ولا يكون عالة علي الآخرين. أما جهة الخلل الثالثة فهي آلية الجمع والتوزيع فمع إيماننا بدور بعض مؤسسات المجتمع المدني في التخفيف من معاناة الفقراء والكادحين سواء من خلال نفقات أم من خلال مشروعات خدمية, خاصة الطبية منها, فإنني أري أن هذه الجهات تحتاج إلي الآتي: - أن تكون تحت مراقبة دقيقة لأجهزة الدولة وأن تقوم هذه الأجهزة بالمتابعة والمراقبة علي الوجه الأكمل, وأن تكون هناك شفافية واضحة في إعلان الميزانيات, والنفقات والمكافآت مع ترشيد الإنفاق الإداري إلي أقصي درجة ممكنة. - أن تكون هناك خارطة واضحة لوجود هذه الجمعيات, ونطاقها الجغرافي, وأنشطتها, بحيث لا تصب كلها في مجال واحد أو مجالات محدودة, مع إهمال مجالات ربما تكون أكثر أهمية وحيوية للمجتمع. -أن تتولي جهة مال, ولتكن وزارة التضامن الاجتماعي شبكة ربط وتنسيق إلكترونية تربط من خلالها المستفيدين بالمنفقين, وبمؤسسات المجتمع المدني في نطاقها الجغرافي أو الخدمي, بحيث تنتفي ظاهرة المقيدين أو المستفيدين بحرفية تسولية من جهات أو جمعيات متعددة في حين لا تصل الزكاة والصدقات إلي مستحقيها الحقيقيين. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة