منذ يوم25 يناير وقبل الحادي عشر من فبراير2011, كان نيتانياهو قد حشد أنصاره في الكونجرس الأمريكي, الذين مارسوا ضغوطا شديدة علي أوباما, للعمل علي بقاء مبارك في الحكم, وإبلاغه ان سقوط مبارك ستكون له عواقب وخيمة حسب ما ذكرته مراكز بحوث سياسية أمريكية. فإن أوباما ظل حبيس مأزق بين من يدعونه لتقبل الثورة في مصر كحقيقة لا مهرب منها, وبين أنصار الاتجاه المخالف والمضاد. وكما ذكر مشاركون في ندوات عقدت في واشنطن, فإن إعلان أوباما, ترحيبه بالثورة, وانبهاره بها كحدث غير تقليدي, جاء مخالفا لنصائح جزء مهم من رجال حكومته ومساعديه الذين نصحوه بعدم التخلي عن مبارك. والمأزق الأمريكي تحدث عنه كثيرون من الساسة والخبراء, منذ اليوم الأول لنجاح الثورة والإطاحة بمبارك, منهم هيلاري كلينتون, وهنري كيسنجر, مع إقرار كل منهما بضرورة تغيير السياسة الأمريكية في المنطقة, واعتراف بأن الولاياتالمتحدة تواجه مأزق الموازنة بين ضرورات تأييد موجات الديمقراطية, وبين الخوف من نتائجها علي مصالحها الاستراتيجية. وإن كان أوباما قد حاول ان يؤكد لحلفاء الولاياتالمتحدة, الخائفين من هذه الثورات, ان أمريكا لن تتخلي عن أصدقائها. وحين لم تنجح مساعي القوي الصهيونية وأنصارها في فرض موقف فوري مضاد للثورة من الخارج, فقد لجأت إلي جانب ذلك إلي محاولة بث الفرقة والتشكيك في الداخل, وهو ما قامت به مراكز المعلومات العديدة المرتبطة بهذه القوي, من الترويج لمعلومات مصنوعة بدقة, للإيحاء بأن هناك أيدي أمريكية كانت وراء تجهيز أعداد من الشباب لإشعال الثورة في مصر, بالرغم من أن جميع مراكز البحوث المحايدة, وأبرز خبراء الشرق الأوسط, قد أجمعوا علي ان الكل في أمريكا, فوجئوا بالثورة التي لم تكن في حسبانهم, وأنها حسب وصف بعضهم هي صناعة مصرية محلية, وان الاوضاع الداخلية كانت معبأة لاطلاق الثورة. ومن المعروف انه كان هناك نوع من الاقتناع الراسخ لدي خبراء الشرق الأوسط في واشنطن منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين, بأن العالم العربي لن يتغير, ولن يأخذ بالديمقراطية, وأن العالم العربي حالة مستثناة من الاستجابة للتحولات الكبري في العالم, وان العرب وفقا لتقاليدهم يخضعون للحاكم المستبد. ولذلك كان نجاح الثوار في اسقاط مبارك, مفاجأة قلبت كل التصورات المسلم بها, لدي الخبراء والمحللين, خاصة المتخصصين في شئون الشرق الأوسط. بل إن مسئولا أمريكيا رفض ذكر اسمه طبقا لما دار في مراكز البحوث في واشنطن كان قد ذكر, قبل أيام من سقوط مبارك, لا أعتقد أننا ملزمون بتأييد مجموعة من الشباب الصغار, خرجوا إلي الشارع في نفس الوقت فسر مسئول في ادارة أوباما موقف حكومته بالقول إن أوباما يخشي من ان اي انتفاضة ضد نظام الحكم في هذه الدول, يمكن ان يخرج عن السيطرة. لكن الثورة نجحت, ووجدت ادارة أوباما نفسها في حالة ارتباك شديد, حسب وصف مقربين من البيت الأبيض, ودب انقسام داخل ادارته إلي أن أعلن ترحيبه بها. واللافت للنظر ان الاتجاه المخالف, والذي يدعو لتأييد الثورة والتغيير, قد سيطر علي توجهات خبراء ومفكرين بارزين عكفوا علي تحليل الثورة من جميع أبعادها, ولم تتوقف مناقشاتهم منذ52 يناير, وحتي يومنا هذا, وجاء علي لسان البعض منهم أن ماحدث في مصر هو ثورة حقيقية, سوف تنقل صناعة القرار من يد حكومات استبدادية إلي يد الشعوب, ومن مصلحتنا علي المدي البعيد ان نؤيدها, حتي ولو كان هناك داخل الادارة, من يبني حساباته علي تخوف من تأثير استكمال أهدافها, علي المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وإن استكمال أهداف الثورة, سيؤثر علي السياسات العالمية, وليس علي الأوضاع في الشرق الأوسط فقط. من بين هذه الندوات علي سبيل المثال تلك التي نظمها مركزAtlanticcouncil وقيل فيها إن ثورة مصر, ومعها موجات الصحوة العربية, ستكون لها نتائج لاتقل تأثيرا عن انتهاء الانظمة الشمولية عام89, وزوال الاتحاد السوفيتي عام.1991 وتكررت نفس المعاني في المؤتمر القومي الديموقراطي في7 نوفمبر2011بالقول إن التغييرات التي ستنتج عن الثورة المصرية ستماثل ما نتج عن سقوط حائط برلين. وهو المعني الذي قاله في لندن وزير الخارجية ويليام هيج من ان الثورات العربية تؤذن بأكبر تغيير في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة. ولم تكن جامعة هارفارد العريقة بعيدة عن المشهد, فقد عقدت فيها ندوة مهمة شارك فيها المفكر المشهور جوزيف ناي, والدبلوماسي نيكولاس بيرنز, والمفكر ستيفن والت, وكان مما قيل في هذه الندوة, إن هذه بداية لأهم حركة اصلاح في التاريخ الحديث في العالم العربي, وعلينا ان نحل التناقض بين تأييدنا للتغيير, وبين نظرتنا التقليدية, لمن يحققون الاستقرار. إن مشكلة الموقف الامريكي نابعة من ان السياسات الداخلية, هي التي تحدد مسار السياسة الخارجية, نتيجة حسابات الانتخابات, وضغوط الكونجرس, والقوي اليهودية, بالاضافة إلي ان الاستراتيجية الامريكية, قد بنيت خططها للمدي الطويل, علي أساس اقتناع رسخ لعشرات السنين, بأن العالم العربي لايتغير. إن الثورة قد أنطلقت بأعتبارها حدثا تاريخيا حتميا, في عصر فلسفته وقاعدة عمله هي التغيير, وهو شيء كان عالمنا العربي قد أفلت منه حقبا طويلة, لكن الثورة تنطلق كتيار جارف لن تستطيع اي قوة مهما تكن أن توقفها فالعالم قد تغير. المزيد من مقالات عاطف الغمري