أسعدني أن أقف في مؤخرة طابور الانتخابات الطويل وعيناي تتجول بين كل طبقات الشعب المصري بكل أطيافه وتوجهاته الذين جاءوا بكامل رغبتهم لأداء واجب وطني غابوا عنه من زمن بعيد للمشاركة في اختيار أول برلمان لثورة25 يناير, ورحت أتأمل هذا الشعب الحضاري الذي حرم طوال العقود السابقة من أبسط حقوقه في اختيار ممثليه وقياداته وزورت إرادته مرارا حتي سئم هذه العملية وعزف عن المشاركة فيها, وها هو الآن يسعي بكل قوة لكي يشارك فيها لأول مرة. هذا الشعب الذي حوصر بإعلام موجه يسبح بحمد حكامه الفاسدين فيجعلهم أطهارا كالملائكة, ويلبس الصالحين ثوب الشياطين حتي فقدت الأمة بصيرتها ويئسوا من مجرد التعبير عن رأيهم فمنهم من استسلم لصمت العاجزين ومنهم من اختلطت عليه الأمور فلم يعد يدرك الخطأ من الصواب.. هذا الشعب ينتفض اليوم لكي يجسد أحلام العرس الديمقراطي بانتخاب أول برلمان مستقل يضع البلاد أمام مرحلة جديدة علي طريق بناء نظام ديمقراطي حديث نحن علي ثقة من أنه سيضع مصر بإذن الله في مصاف القوي العالمية المتقدمة. لقد عكس المصريون بوجودهم أمام لجان الاقتراع شكلا من أشكال انتصار الإرادة وانتصار الشعب وكان هذا الحشد بمثابة رسالة بعث بها الناخبون تقول إن العملية السياسية تحظي بثقة الناس وتؤكد بصوت عال أنه آن الأوان لكي يقف أبناؤها علي قلب رجل واحد, والعرس الديمقراطي هو أول ثمار الثورة الشعبية وتضحيات مئات الشهداء الذين سقطوا في مسيرة اسقاط نظام ديكتاتوري قمعي فاسد مرهون الإرادة لقوي خارجية قزمت دور مصر ووظفت قدراتها الهائلة في خدمة مشاريع الهيمنة الاستعمارية, ولقد خرج شعب مصر لانتخاب برلمان جديد يمهد لعملية بناء دستوري بنكهة ديمقراطية ترسم ملامح مستقبل واعد وتؤكد مصداقية المجلس العسكري وقضاء مصر العادل عندما أصر علي أن تكون الانتخابات هذه المرة آمنة ونزيهة, رسالة تؤكد إفلاس كل من حاول إسقاط الدولة والتحرش بالشرطة وإثارة الفوضي والبلطجة والعنف, ولاشك أن الجميع في المنطقة العربية وخارجها يراقب هذه التجربة وهناك من يريد لها النجاح, والوصول إلي أهدافها المرجوة, وهناك من يتمني لها الفشل انطلاقا من معاداته الديمقراطية. ولاستعادة مصر دورها الريادي القيادي في المنطقة يجب ألا ننسي أن إسرائيل والمعسكر الغربي الداعم لها يرتعدان خوفا من خروج هذا المارد المصري من عنق زجاجة الإرهاب والقمع والفساد إلي الخيار الديمقراطي وما يتفرع عنه من حريات بعد أكثر من أربعين عاما من الاذلال والتبعية بأشكالها كافة لتستعيد مصر قرارها المستقل, وتقول لا كبيرة لكل أساليب ممارسات العربدة الإسرائيلية, فالثورة غيرت مصر وأعادت إليها كرامتها وعزتها, ومن المؤكد أن البرلمان الذي سيكون ثمرتها, سيؤسس لمصر جديدة, تنهض من ركام الفساد والقمع, لتقدم نموذجا مشرفا لكل الشعوب العربية في الديمقراطية. مبروك لمصر عرسها الديمقراطي الذي تطهر بالدم, ومبروك للشعب المصري انجازه الكبير وعلينا أن نضع كل تلك الانتصارات والانجازات الرائعة في اعتبارنا عندما تخرج مصر كلها يوم25 يناير المقبل للاحتفال بالذكري الأولي لثورتنا المباركة, احتفالا يليق بجلال تلك المناسبة ولنثبت للعالم كله أن مصر هي بحق أم الدنيا. د.هاني عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال {{ محرر بريد الأهرام: ويبقي تأكيد أهمية المواجهة الحاسمة لكل من يحاول الاعتداء علي المنشآت العامة وأقسام الشرطة والسجون بدعوي أنهم ثوار حتي لا تتكرر الأحداث الدامية التي ألمت بمصر في28 يناير.2011