يتابع العالم بترقب ما يحدث في سوريا بعد أن ابتعد شبح الحرب ولو لفترة وجيزة عن دمشق, وعلي الرغم من موافقة النظام السوري علي المبادرة الروسية لنزع السلاح الكيماوي فإن أحاديث كثيرة تدولت خلال الفترة الماضية عن كيفية التخلص من هذا السلاح, ومعاناة سوريا عقب تفكيك وتدمير ترسانتها الكيماوية, بالإضافة الي المخاطر التي قد تحيط بعملية النزع من احتمال تسرب تلك المواد للهواء أو دفنها في الأراضي السورية, وهو ما يعني أن الشعب السوري مازال في مرمي تلك الأسلحة ولكن بطريقة مختلفة. مازال السوريون مستهدفين ليس عبر المدافع والقنابل وانما من خلال مادة سامة قد تصل لهم عن طريق الهواء أو المحاصيل التي تسرب لها الكيماوي, ومن هنا انتهاء الازمة السورية لن يأتي فور سماح النظام لرجال الاممالمتحدة بالتفتيش وتدمير السلاح ولكن التخلص منه ايضا أزمة أخري علي الشعب السوري تخطيها. صعوبة عملية تدمير السلاح الكيماوي السوري تأتي من استحالة تحديد كميته ومصادره التي لم تقتصر علي روسيا, كذلك عشوائية التخزين التي تعمدها نظام الأسد عندما قرر تخزينها في أكثر من50 مكانا, هذا بالإضافة إلي انتشار مصانع إنتاج غاز السارين في مناطق متعددة, منها( السفيرة, حماة, حمص, اللاذقية, وتدمر), الأمر الآخر الذي يصعب مهمة بعثة نزع السلاح هو إمكان إخفاء بعض الاسلحة السهلة الحمل, كما حدث في ليبيا عندما تم اكتشاف نحو14 ألف طن من المواد التي تستخدم في صناعة الأسلحة الكيمياوية بعد سقوط نظام القذافي, الذي نجح في إخفائها عن أعين المراقبين. يقول اللواء اسامة الجريدلي رئيس المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية إن الولاياتالمتحدة هدفها من تدمير كيماوي سوريا ليس فقط التخلص من المواد الكيماوية, إنما تدمير المصانع والمعدات السورية التي تنتج تلك المواد, لذلك فالحرب الأمريكية علي الكيماوي ستبدأ بتدمير تلك المصانع وأدوات الانتاج حتي تحرم النظام السوري من فرصة تصنيع الكيماوي من جديد, بعد ذلك يتم تفكيك الذخيرة وفصلها عن المواد الكيماوية, ومن ثم تأتي أهم المراحل وهي تحويل تلك المواد إلي أخري غير كيماوية لا يمكن استخدامها في أغراض عسكرية من خلال ما يسمي بعملية( التحييد). ويؤكد الجريدلي أن الولاياتالمتحدة غالبا ما ستنفذ تلك المرحلة نظرا لخبرتها في هذا المجال ولامتلاكها أكبر منظومة لابطال العناصر الكيماوية ثم حرقها, مرجحا أن تتم عملية التدمير والحرق في مناطق قريبة من سوريا أو في إحدي قواعدها داخل البحر المتوسط, وأضاف أن العملية ستبدأ الشهر المقبل ومن المتوقع أن يتم نقل المواد خارج سوريا منتصف العام المقبل. وحول الوقت اللازم للتدمير, قال الجريدلي إنه يتوقف علي طبيعة المواد وكميتها وحجم المواقع ومدي تطور الاسلحة, فكلما كانت حديثة يسهل تفكيكها, كذلك اماكن تلك المواقع ومدي سيطرة النظام السوري عليها, مرجحا احتواء معظم الاسلحة علي مواد كيماوية سائلة, وهو ما سيسهل مهمة بعثة نزع الأسلحة الكيماوية. ويقول الجريدلي إن نوعا من الغموض يحيط بعملية التخلص من الكيماوي فلم يحدد بعد من سيتولي مسئولية حرق تلك المواد أو توقيت الانتهاء من العملية. من جانبه, أكد اللواء حمدي بخيت المحلل الاستراتيجي والعسكري أنه علي الرغم من أن دفن النفايات الكيماوية أقل ضررا من مثيلتها النووية إلا أنها حتي بعد دفنها تؤثر علي صحة الإنسان من خلال تسربها للتربة أو للهواء لاحتوائها علي عناصر قابلة للتبخر والانتشار, لذلك فالطريقة الأفضل للتخلص من تلك النفايات تكون بالحرق, ولا يهم أن تتم بالداخل أو الخارج السوري لأنها في الحالتين ستتم بطريقة آمنة تحت إشراف الاممالمتحدة عن طريق معدات حديثة تضمن عدم تسرب الغاز. واستبعد بخيت أن يقوم النظام بإخفاء بعض الأسلحة في أماكن غير متوقعة كالمساجد والكنائس, نظرا لامتلاكها أجهزة للكشف عن المواد الكيماوية, شديدة الحساسية تلتقط عن بعد أي تسرب لتلك المواد. وفي النهاية تبقي المشكلة الأكبر وهي المدة التي حددتها الأممالمتحدة للتخلص من الكيماوي والتي تصل إلي عشرة أعوام, في الوقت الذي فشلت الدولتان العظميان( الولاياتالمتحدةوروسيا) في تدمير سلاحهما الكيماوي خلال تلك المدة, كذلك( الهند وكوريا الجنوبية) اللتان نجحتا في تدمير ترسانتها الكيماوية المتواضعة نسبيا في زمن أطول من الذي حددته المنظمة الدولية, وهو ما يجعل الحديث عن عقوبات قد توقع علي الجانب السوري بسبب تأخره في تدمير سلاحه الكيماوي, أمر يدعو للسخرية وبعيدا عن المنطق, فكيف لنظام الأسد مهما بلغت قوته أن ينجح فيما فشلت فيه كبري قوي العالم خلال عام واحد توقعته الأممالمتحدة كمهلة لإنهاء الترسانة الكيماوية السورية ؟!