في ظل الجدل الدائر علي الساحة السياسية حول موقف الشريعة الإسلامية من الاحتجاج والتظاهر والتعبير السلمي عن الرأي والمطالبة بالحقوق والحريات, واعتراض بعض القوي السياسية علي نص مادة الدستور المقترحة لوضع ضوابط التظاهر, وتهدد بالمزيد من التخريب والتدمير لبنية المجتمع إذا أجيز هذا النص, وقول البعض بأن هذه القيود لا تقرها مبادئ الشريعة, وأنها تهدر حقا قرره الشرع للناس. أكد علماء الدين أن الشرائع السماوية نصت علي أن ممارسة الحقوق إنما تكون في إطار قيود, تحد من التجاوز في ممارستها, حتي لا تكون انفلاتا وإثارة للفوضي في المجتمع. وطالب علماء الدين بأن يتضمن قانون التظاهر ما ينص علي حرمة الدماء ووجوب المحافظة علي الأرواح والممتلكات العامة والخاصة, والالتزام بآداب التظاهر والتعبير عن الرأي التي أوجبتها الشريعة الإسلامية. يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر, إن حق التظاهر وإن كفله الشرع لمن ظلم, أو كان له غرض صحيح من إجرائه, إلا أن الشرع وضع له ضوابط عدة, من أهمها أن يكون له مبرر يقره الشرع, وأن تكون له بداية ونهاية معلومتان, وألا تتعطل به المرافق, أو مصالح المجتمع, وألا يفضي إلي سد الطرقات أو تضييقها علي الناس, وألا يترتب عليه اختلاط الرجال بالنساء, وألا يفضي إلي إتلاف نفس أو عضو أو إفساد منفعة هذا العضو, وألا يشتمل علي إتلاف أموال خاصة أو عامة أو نهبها أو إفسادها, وأن يأمن الناس علي أنفسهم وأموالهم من القائمين بالتظاهر في نطاق محدود من الموضع الذي يتم فيه, وألا يصدر عن القائمين به قول أو فعل يتأذي منه الناس. ودون هذه الضوابط لا يقر الشرع التظاهر, بل يكون محرما, لأدلة نصية كثيرة تقرر هذه الضوابط وأضاف: لم توجد تظاهرة في التاريخ الإسلامي إلا وكان يعلم بها ولي أمر المسلمين, أو كان هو الداعي لها, وكان لهذه التظاهرات بداية معلومة ونهاية, وأجل محدود بإيصال الغرض من التظاهرة للناس, ونلمس هذا من قصة إسلام عمر, وقصة الرجل الذي آذاه جاره, وأمره رسول الله صلي الله عليه وسلم بطرح متاعه علي الطريق, وغير ذلك من وقائع تاريخية تتعارض مع الفوضي الضاربة في استعمال ما توهمه البعض أنه حق له- وهو عين الباطل وكانت سببا في شيوع الفوضي وغياب الأمن وتوقف عجلة العمل والإنتاج في كثير من المواقع. وأوضح أن الإسلام وضع عدة ضوابط للمعارضة من شأنها ألا تفضي إلي محظور شرعي, وألا يترتب عليها تكفير المعارض أو تفسيقه أو تبديعه, أو شق عصا الطاعة عليه, إلا أن يدعو إلي معصية, فلا يكون ثمة سمع أو طاعة, لأن الطاعة إنما تكون في المعروف كما ورد في السنة, وألا تتجاوز المعارضة مجرد التنبيه إلي وجوه الخطأ, والإرشاد والنصح إلي اتباع الصواب, وألا يترتب علي المعارضة شر أو بغي أو مفسدة لا يرجي صلاحها, وأن تقترن المعارضة ببيان أسبابها, وأن يكون الدافع إليها مراعاة المصلحة العامة الدائمة للمجتمع, وليس مراعاة مصلحة خاصة بفرد أو جماعة أو فئة, أو مصلحة آنية ليس لها صفة الدوام. آداب التظاهر ومن جانبه قال الدكتور محمد إسماعيل البحيري, إمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينة نصر, ان التظاهر ضد الباطل مع الحق أمر مشروع, وقد يصل إلي حد الوجوب إن كان ذا تأثير علي اتخاذ القرار من أصحاب الباطل, ولكن التظاهر اعتراضا علي الظلم والعدوان لا يسوغ القيام بأعمال التخريب, وليس من المشروع أن تنقلب العواطف الجياشة إلي اتخاذ سلوك حرمه الشرع, لأن الاعتداء الداخلي نوع من الظلم, كما أن موقف الحكومات السلبي لا يبيح القيام بأعمال الشغب, والأولي في هذا الوقت أن يفكر الناس في خطوات عملية تؤتي ثمارها, ولا تحدث صداما مع الحكومات, وبما يحقق الهدف, ولا يفسد ولا يأتي بضرر. وأضاف: إذا كانت هذه المظاهرات مشروعة فمشروعيتها مقيدة بجملة من الضوابط والآداب التي لو لم تراع لصارت غير جائزة, بسبب ما لحق بها من أشياء محرمة, ومن بين هذه الآداب: خروج النساء متبرجات, حيث إن المتبرجة تؤذي نفسها وتؤذي من ينظر إليها, واستعمال أصوات وأفعال منافية للآداب الإسلامية أثناء المظاهرة, وظلم الآخرين, كسد الطريق, وتعطيل مرور الناس, واستخدام سباب وشتائم لا تجوز شرعا. والاختلاط السافر بين الرجال والنساء في أثناء المظاهرة, والاعتداء علي ممتلكات الأبرياء, كتحطيم محلاتهم أو نوافذهم, أو إيقاد النار في المرافق العامة ونحو ذلك من المحرمات, حيث قضت الشريعة الإسلامية أن لا ضرر ولا ضرار, وقضت بحرمة الدماء والأموال إلا بحقها. وأضاف: أنه من الآداب والأخلاق التي يجب علي المتظاهر أن يتحلي بها أيضا عدم استخدام الألفاظ النابية في المظاهرات ولا في غيرها, والمسلمون مأمورون بأن يكونوا قدوة مع الناس جميعا, فنحن أمة أمرنا بعلو الأخلاق في أحلك الأوقات, والفحش في القول ليس من أخلاق المسلمين بأي حال, لا في المظاهرات ولا في غيرها, وفي ذلك يقول الرسول, صلي الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء, فلا يجوز السب ولا اللعن ولا الكلام عن ذنوب ارتكبها أصحابها بعيدا عن أعين الناس ما لم يجهروا بها, فالإسلام يدعو إلي الستر ولا يجيز الجهر بالسوء من القول إلا بضوابط وشروط معلومة. من الحريات وفي سياق متصل يقول الدكتور نبيل السمالوطي, أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, ان التظاهر من مظاهر التعبير عن الرأي, ومباح شرعا لأنه من الحريات التي اقرها الإسلام, ومنها حرية التعبير والاعتراض ومراقبة الحكام بشرط أن يكون الرأي في إطار قانوني وسلمي, وان يكون بلا أسلحه وخاليا تماما من العنف الأمر الثالث أن تخطر الجهات المسئولة في الدولة بميعاد المظاهرة لكي تسمح بها الدولة وللدولة الحق في الموافقة أو الرفض تماشيا مع الأمن القومي للدولة. الأمر الآخر أن تسمح بها الدولة حتي تحميها وتمنع دخول مندسين بين المتظاهرين, وان يحدد وقت التظاهر كما في الدول الأوروبية, وكذلك مكان المظاهرة وللدولة الحق في الاعتراض إذا تراءي لها أنها تمثل خطرا علي الأمن, وألا يترتب علي ذلك تعطيل للمصالح الحكومية والخاصة, أو تشهير بأي من الشخصيات في المجتمع. وأضاف: إذا كان القانون الذي يدرس حاليا به هذه الضوابط فلا بأس بتقنين المظاهرات كما هي الحال في اغلب دول العالم المتقدمة. ولأن مصر الآن تمر بمرحلة غاية في الدقة, فانه يجب وضع المزيد من الضوابط علي المظاهرات التي تعرقل سير التنمية بصفه عامة. وقال انه من الممكن أن تمنع الدولة المظاهرات في الوقت الحالي حتي تستقيم حال الدولة وينصلح الاقتصاد وتتدفق الاستثمارات ومن ثم تعاد مرة أخري بضوابط معللا بان هذا التقييد في مصلحة البلد في الوقت الحاضر خصوصا أن مصر في مرحله مخاض بعد الولادة وتحتاج إلي مرحلة نقاهة لبناء الاقتصاد وذلك حتي يتحقق الأمن والاستقرار.