ليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة فضل عظيم, ليس للحجيج فقط الذين علق الله صحة حجهم علي الوقوف بجبل عرفات في قول النبي صلي الله عليه وسلم الحج عرفة, بل للمسلمين كافة, الحاج منهم وغير الحاج, لما خص الله هذا اليوم من فضائل, ووعد عباده بالمغفرة والعتق من النيران. وأكد علماء الدين, أن يوم عرفة منحة ربانية لتجديد الإيمان وصلة العبد بخالقه, وأنه ما أحوجنا إلي أن نعظم ذلك اليوم في نفوسنا بما يقربنا إلي الله عز وجل, وأن نفرغ قلوبنا فيه للطاعة طمعا في رحمة الله والنجاة من عذابه. وعن فضل يوم عرفة يقول الدكتور حلمي عبد الرءوف, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن يوم عرفة هو يوم العتق من النار ومغفرة الذنوب والمباهاة بأهل الموقف, ففي هذا اليوم يعتق الله من النار كل من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار( أي المدن والأقطار الأخري) من المسلمين, وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة..وعن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( إن الله تعالي يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة, فيقول: انظروا إلي عبادي, أتوني شعثا غبرا). ويوم عرفة هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة, ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين, آية في كتابكم تقرأونها, لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا, قال أي آية؟ قال:( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة:3 قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه علي النبي صلي الله عليه وسلم, وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. وأضاف: أنه لعظم هذا اليوم وواسع الرحمة والمغفرة فيه, صار اليوم الذي يلي عرفة يوم عيد لجميع المسلمين في كل مكان من شهد الحج ومن لم يشهده لإشراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة. وعن كيفية الاحتفال بيوم عرفة يقول الشيخ محمود عاشور, وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, إنه ينبغي علي المسلمين ممن لم يشهدوا الحج صيام ذلك اليوم, فيوم عرفة يأتي في العام مرة واحدة, وهو فرصة عظيمة يجب ألا يفوتنا التقرب إلي الله في ذلك اليوم لنحظي بما أعده الله لعباده المؤمنين فيه من خير كثير وكفي أن صيام ذلك اليوم يكفر عن المسلم ذنوب عامين, عام مضي وعام مقبل, وقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال:( يكفر السنة الماضية والسنة القابلة). وهذا بالطبع إنما يستحب لغير الحاج, أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأن النبي صلي الله عليه وسلم ترك صومه, وروي عنه أنه نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة. وينبغي علي المسلم أيضا أن يكثر من الخير في هذا اليوم المشهود( يوم عرفة), وألا يكتفي بالصيام فقط, بل عليه أن يشغل نفسه ويقضي يومه في الذكر والحمد والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن, وكل ما يقربه إلي الله عز وجل, من أجل تنقية صفحاتنا وتطهير أعمالنا وقلوبنا من الذنوب والآثام, وأن نعلق قلوبنا مخلصة بالله نرجو رحمته ونخشي عذابه, وما يدرينا فلعله يكون آخر يوم عرفة يشهده المرء, فلا أحد منا يدري متي ينتهي أجله ويباغته ملك الموت. ويوضح الشيخ عاشور ان التقرب إلي الله أفضل ما يكون من العبد في صورة الصيام والسجود, فالصيام عبادة خالصة لله لا يطلع علي قلب الصائم إلا الله, وكذا السجود, فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, لا سيما إذا كان ذلك في سجود قيام الليل وقت السحر, وليس هناك أعظم من أن يناجي العبد ربه ويسأله ما شاء له أن يسأل. ولفت الشيخ عاشور إلي أن الله عز وجل يمن علينا بمنن ومنح علي مدار العام والعمر ينبغي ألا نتركها تمر سدي, بل علينا أن نستغلها بالتواصل مع الله, فمن فضله علينا أن جعل لنا أياما وأزمانا نتخلص فيها من ذنوبنا وأوزارنا بالامتثال لأمر الله في هذه الأيام, من ذلك يوم وقوف الحجيج بعرفات, وكذا شهر رمضان فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومنها ليلة القدر من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ويوم الجمعة وهو فيه ساعة إجابة لا يرد فيها الله الدعاء, وغير ذلك من الأوقات والأمكنة, فهذه المنح الربانية وعلي رأسها يوم عرفة هدي ونور وعلامات فاصلة في حياة المسلم إن اغتنمها بما يقربه من مولاه, حتي يلقاه وقد تخلص من ذنوبه وخطاياه. فكفانا لهوا وبعدا عن المولي عز وجل, وإذا كنا قد شغلتنا أموالنا وأهلونا عن الله العام كله أما نستطيع أن ننقطع لله يوما واحدا في طاعة خالصة له تقربا إليه سبحانه حتي يكتبنا الله في زمرة المعتوقين من النار؟.