لعل استقلال القضاء من أولويات تلك اللحظة التاريخية التي تمر بها مصر ولكون القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات فإن قيام أعضاء الهيئات القضائية بوظيفتهم المقدسة في هذا الشأن لن يستقيم ولن يتأتي إلا إذا جاءت نصوص الهيئات القضائية ملتزمة بالمبادئ والمعايير والمواثيق الدولية ذات الصلة باستقلال القضاء والنص صراحة علي سياج من الضمانات التي تكفل الاستقلالية التامة. وفي ذلك يري المستشار أحمد عاشور رمضان بهيئة قضايا الدولة بقنا أن المسودة الأولي للتعديلات الدستورية لم تحقق الاستقلالية التامة للنيابة العامة والقضاء العادي حيث خلت المادة(162) معدلة من نقل تبعية التفتيش القضائي نهائيا لمجلس القضاء الأعلي ولم تتضمن النص علي اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية بمعرفة مجلس القضاء الأعلي بعيدا عن السلطة التنفيذية الممثلة في وزير العدل كما جاءت المادة(167) معدلة بالنص علي هيئة قضايا الدولة كهيئة قضائية مستقلة تتمتع بكافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية وترك للقانون تحديد اختصاصاتها وهو ما يمثل تعديا صارخا علي دورها وانتهاكا لحقوق الدولة والشعب المصري حال كون قضايا الدولة تمارس عملها كنائب قانوني عن الدولة بشخصيتها الاعتبارية ومن اختصاصات النائب القانوني أن يستخدم سلطات الأصيلة في جميع المسائل القانونية والقضائية ومن أهمها تسوية أي منازعة مع الغير قبل اللجوء للقضاء بقرار ملزم للدولة. ولجنة التعديلات ألغت دور التسوية المسند لنائب الدولة بدستور2012 المعطل بدلا من أن تفعله باعتباره خصما شريفا وعمله مبني علي كون الخزانة العامة لا تثري علي حساب المواطنين كما أن التسوية تنهي المنازعة قبل اللجوء للمحاكم مما يساعد علي تحقيق العدالة الناجزة وعلاج بطء التقاضي وبالتالي تشجيع الاستثمارات الجديدة. كما ألغت اللجنة المعدله للدستور الرقابة الفنية علي الشئون القانونية والتي تقوم علي تقويم وليس تقييم لعمل جهة الإدارة وبالتالي تخفيف المنازعات المعروضة علي القضاء بجهتيه. فعند منح كل ذي حق حقه بمعرفة الشئون القانونية بالجهات لن يتبقي إلا من لديه لدد في الخصومة ليلجأ للقضاء.كما أن الأشراف علي الإدارات القانونية يجعل جهات الإدارة في غير حاجة لندب القضاة ليتفرغوا لأداء رسالتهم السامية بالفصل في الأمر من علي المنصة. وبالنسبة لإختصاص الإدعاء العام المدني وهو ما يمكن الدولة من ملاحقة الفاسدين والقضاء علي ظاهرة الفساد الإداري بالدولة ويكون للشعب المصري من يحمي أمواله حماية قضائية مدنية ضد كل من يفكر في الاعتداء عليه حتي ولو كان المعتدي هو الحاكم ذاته ولا يتصور اتخاذها إلا من سلطة قضائية بوصفها مدعيا عاما تتقرر له كل الصلاحيات والضمانات التي تمكنه من هذه الحماية مما يعود بالنفع علي الخزانة العامة للدولة. ولتعلم لجنة التعديلات الدستورية أن أي انتقاص أو تقصير لحق مستشاري قضايا الدولة في ملاحقة الفساد وحماية المال العام الذي هو مال الشعب المصري ما هو إلا عودة للخلف ولن يكتب لهذا العمل النجاح لانه لن يكون معبرا عن إرادة الشعب المصري الذي وافق بأغلبية ثلثي من شاركوا بالتصويت علي اختصاصات قضايا الدولة بالدستور المعطل, وعلينا أن نقوم بإعلاء مصلحة البلد وتوحيد الصفوف للوصول بدولتنا الديمقراطية الحديثة التي من أولوياتها دولة القانون في ظل العدالة الناجزة.