لا أحد يعرف بالضبط متي تحديدا ستضطر اول الدول الأكثر مديونية في منطقة اليورو للخروج منها ولكن الأكيد أن هذه ستكون الخطوة الاولي لانهيار العملة الأوروبية الموحدة والأكيد ايضا أن الحكومة الألمانية تستعد من الآن للعودة إلي عملتها القديمة المارك في سرية تامة, فلن يتم إنذار مواطني منطقة اليورو قبل الانهيار بوقت كاف حتي لا ينتاب المواطنين في دول كاليونان والبرتغال إيرلندا وايضا في إيطاليا وإسبانيا حالة من الهلع فيتسابقون علي سحب مدخراتهم وأموالهم من البنوك ما قد يتسبب في انهيارها. وفي المانيا صاحبة أقوي اقتصاد اوروبي, سترتفع قيمة المارك الالماني بما لا يقل عن20% امام اليورو المتداول في هذه الدول ما ستضطر معه الحكومة الألمانية إلي فرض رقابة علي المصارف ووضع حد اقصي للسحب وربما تجميد ارصدة المواطنين حتي تمنع هروب اليورو من الدول المنهارة إليها لتحويله إلي مارك الماني قوي, علي الأقل حتي تنتهي هذه الدول من تحويل اليورو في أسواقها إلي عملاتها الوطنية الضعيفة من جديد. هذا التصريح الذي ادلي به استاذ الاقتصاد هانس يواخيم فوس هو نموذج واحد من تصريحات كثيرة تشهدها المانيا أخيرا علي السنة خبراء المال والإقتصاد تزيد من مخاوف الألمان من تبعات إنهيار العملة الأوروبية الموحدة علي مدخراتهم واموالهم. ومنذ ايام حذر توماس ماير, كبير الاقتصادييين في اكبر بنوك المانيا دويتشه بنك من أن عام2012 سيكون عاما حاسما بالنسبة لليورو بعد أن اصبح إحتمال خروج اليونان من منطقة العملة الأوروبية الموحدة مطروحا بقوة مشيرا إلي أن إيطاليا الأكثر مديونية بعد اليونان وثالث اقوي إقتصاد اوروبي حاليا هي المحك الذي سيحدد مصير المنطقة فإذا نجحت من الخروج من الركود العميق مطلع عام2012 وسداد ديونها اعطي ذلك دفعة لدول جنوب اوروبا المأزومة, وإذا فشلت ستتفكك منطقة اليورو. اما جوستاف هورن مدير معهد بحوث الإقتصاد الكلي في المانيا فكان شديد التشاؤم وتوقع إنهياراليورو خلال ستة اشهر. وفي ضوء هذه التصريحات وتوقعات عدد كبير من رجال الإقتصاد والمال في استطلاع لصحيفة فاينانشال تايمز الألمانية بأن إحتمال انهيار اليورو يتراوح حاليا ما بين20% إلي30% يتساءل المان كثيرون عن مصير مئات المليارات التي تم سدادها بلا جدوي علي مدي عامين كاملين لإنقاذ دول اليورو المتعثرة مثل اليونان؟ ويتساءلون كيف يمكن بعد هذا الكم الهائل من المساعدات والقروض لليونان ان تصفها منظمة التعاون الاقتصادي في اوروبا بأنها دولة غير قابلة للإصلاح وأن20% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر؟ يضاف إلي ذلك سيل من التقارير في الدوريات الاقتصادية الالمانية حول استعدادات المصارف والشركات الالمانية بالفعل لإنهيار اليورو والعودة إلي المارك. ففضلا عن تقارير نفاها البنك المركزي الالماني بأنه يقوم فعليا بطباعة المارك من جديد في سرية تامة واخري تشير إلي أن مصارف كبري تضع حاليا انظمة للتعامل بالعملات الوطنية للدول المهددة كالدراخما والليرة, تشير تقارير أخري إلي أن كبار المسؤلين في المؤسسسات الصناعية والمالية الالمانية يتبعون سياسة مزدوجة فهم يتحدثون بلهجة متفائلة عن نهاية وشيكة للأزمة ولكنهم يستجيبون لمخاوف وهواجس المساهمين في مؤسساتهم, فيقومون حاليا بتعديل العقود المبرمة وتحويلها إلي عقود دولارية خاصة وأن الإقتصاد الألماني يقوم علي التصدير وإذا إنهارت العملة الموحدة ستتأثر جميع العقود المبرمة مع دول كاليونان والبرتغال وإيطاليا وستتضاعف اسعار الصادرات الالمانية بين ليلة وضحاها بسبب إنخفاض قيمة العملات الوطنية لهذه الدول امام المارك الالماني. وهناك شركات المانية ضخمة مثل شركة التسليح والصناعات الثقيلة راينمتال بدأت تبحث عن مصادر تمويل خارج القارة الأوروبية في حين اسست شركات اخري مثل سيمنس وفولكسفاجن مصارف خاصة بها لتضمن إستمرار التمويل المباشر لمصانعها عبر البنك المركزي الاوروبي إذا إشتدت وطأة الازمة. وامام التضارب الشديد بين التصريحات التطمينية للمسؤلين الألمان وبين ما يقوله خبراء المال والاقتصاد وفي ظل التوقعات بانخفاض معدل النمو الالماني إلي نصف في المائة فقط عام2012 وربما يصل إلي حد الكساد, يشعر الألمان بالخوف علي اموالهم. وتشهد المانيا رواجا هائلا للكتب والبرامج التلفزيونية التي تقدم النصائح والإرشادات في كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه عندما ينهار اليورو! وتعتبر كتب من عينة بالذهب تعبر الأزمة وماذا تفعل بعد إنهيار اليورو من بين اكثر الكتب مبيعا في الاسواق. هذا غير دورات التأهيل البشري والدفاع عن النفس وكيفية الإعتماء علي الذات والعودة إلي الطبيعة والتي تشهد بدورها إقبالا ملحوظا في مؤشر أرجعته الصحيفة إلي ان هناك شعورا لدي فئة من الالمان بأن انهيار منطقة اليورو سيصحبه إنهيار إقتصادي شامل وانه ربما يكون الالمان مقبلون علي فترة تصبح فيها التجارة بالمقايضة كما كان في الماضي. واللافت للنظر كما نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية أن مبيعات الخزائن المؤمنة ضد الحرائق والسرقة زادت بنسبة25% في المانيا في مؤشر أخر علي أن الناس بدأت تسحب أموالها من البنوك خوفا من تأميمها او تجميد ارصدتهم, في حين يتجه كثيرون لشراء الذهب والفضة باعتبارهما الضمان الوحيد للثروة في زمن الحروب والأزمات والبعض يقوم بفك ودائعه في البنوك وشراء السيارات والتحف والعقارات. وتشير الصحيفة في تقرير لها عن إستعدادات الألمان لمواجهة إنهيار اليورو بأن الشركات المتخصصة في بيع الاسلحة والمخابئ المصفحة تشهد رواجا بنسة20% علي الأاقل ومن بين ما تبيعه طرود الطعام المجفف الصالح للاستخدام لمدة20 عاما ويكفي الطرد صاحبه3 اشهر ويباع ب900 يورو! وفي الوقت الذي تشهد فيه المانيا إقبالا من اليونانيين لإيداع اموالهم في المصارف الالمانية ظنا منهم انها ستكون اكثر امانا يتوجه الالمان لشراء سندات حكومية من الدول الإسكندنافية التي يرون انها أكثر إستقرارا! وربما يبالغ الأالمان في الخوف من تبعات إنهيار اليورو نظرا لمعاناتهم الشديدة في بناء ما حققوه من رفاهية وإقتصاد قوي ولكن المؤكد أن ازمة اليورو ستشهد فصولا أخري وأن إنهيار العملة الاوروبية الموحدة سيكون بمثابة كارثة علي الإقتصاد العالمي بأكمله.