لم يكن يخطر ببال أصحابها بأي حال من الاحوال ان تتحول قصورهم الجميلة بعد رحيلهم الي مدارس يرتع فيها الطلاب, وينتشرون في جنباتها الواسعة وغرفها الفخمة, بعد ان تم تقسيمها الي فصول دراسية وغرف للانشطة المدرسية. وبالطبع لم يكن يتصور هؤلاء الباشوات والامراء والسلاطين ان تتحول غرفة من غرف نومهم الانيقة الي حجرة الست الناظرة مثلا, او ان يتم حجب الحوائط بزخارفها ونقوشها البديعة بأفرخ ورقية تحمل رسومات توضيحية لمناهج العلوم والجغرافيا, بل هل كان يمكن ان يتخيل أحدهم ان تشوه اعمدة الرخام بكتابات الفلوماستر لتشير بسهم قبيح الي مكتبة المدرسة مثلا ؟! هذا ما أصاب عددا من القصور الاثرية والمباني ذات المعمار المتميز بعد تحويلها منذ عقود طويلة الي مدارس, وذلك بدلا من جعلها مزارات سياحية او متاحف او حتي صالات لمعارض الفنون, او غيرها من الانشطة المناسبة لطبيعتها المعمارية وقيمتها التاريخية. مدرسة الابراهيمية الثانوية بنين بجاردن سيتي التي كانت تشغل قصر الامير ابراهيم خير نموذج لاهدار ثرواتنا المعمارية, حيث تعرضت ارضياتها للتاكل والانهيار, بفعل الاستخدام غير المناسب لتلك الابنية التي صممت لاغراض السكن بالاساس, وبالتالي لم تتحمل متطلبات اضافية من دورات مياه وصرف صحي واجهزة تكييف, وما يستتبع ذلك من استهلاك البشر للمكان.. وعليه فقد تم اغلاق القصر منذ سنوات ونقل الطلبة الي مبني أخر بديل, وحتي الان يظل القصر علي حاله دون ترميم او استغلال. وليت الامر يتوقف علي الهلك الزائد لتلك المباني التاريخية والتي نري عينة منها في الصور- وانما يتم تشويه جمال تلك القصور سواء بتقسيم الغرف الواسعة الي فصول دراسية وحجرات مدرسين وغيرها, او من الخارج باضافة مباني ملحقة صغيرة لاستيعاب المزيد من الطلاب المهندسة هناء موسي- مدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة- اعدت رسالتها للماجستير حول تلك المدارس المقامة في مبان اثرية, لتدرس تأثير المكان علي تنمية الحس التاريخي والاثري والجمالي لدي الطلاب, وللاسف لم تجد علاقة واضحة, اي ان الهدف المرجو لم يتحقق. تقول هناء بالطبع تعرضت تلك القصور لاضرار مادية وطمس الكثير من معالمها الجميلة, من تدمير للسلالم والدفايات والاعمدة الرخامية والارضيات. قد تبرر وزارة التعليم بان العجز في عدد المدارس هو ما اضطرها لاستغلال تلك المباني, لكن هل يكون العجز عن توفير ميزانية لبناء مدارس جديدة مبررا لاهدار ثروة اثرية وتاريخية لن يمكن تعويضها, وأليس واجبا علينا ان نحفظ حق الاجيال القادمة في تلك الثروة؟!