هناك مسألة أولية وهي نقطة جوهرية في الوقت ذاته يجب الحديث عنها مع بداية العمل في لجنة الدستور, وهي أن هذا الدستور المعطل قد سقط بفعل الثورة, ومن ثم فإن نقطة البدء في عمل هذه اللجنة يكمن في إنشاء دستور جديد يليق بمكانة مصر كدولة كبري وصاحبة أول حضارة في تاريخ البشرية. وإذا كنا نؤصل لفكرة سقوط هذا الدستور المعطل والساقط لايعود, فإن الثورة من الناحية القانونية لايمكن تبريرها وليس من المنطق أوالمعقول أن يجيز القانون الخروج علي القانون, ولكن الثورة كرد فعل إنساني علي الظلم والطغيان إذا نجحت تعتبر عملا مشروعا, وتكتسب شرعيتها من نجاحها في إسقاط النظام وإسقاط الدستور الذي يستند إليه كسند لوجوده وبقائه. وحينما تأججت ثورة25 يناير في النفوس نتيجة الشعور العميق بالفساد والظلم والطغيان, فقد أذكي هذا الشعور وعبأه وزاد تأججه التهابا استرسال الحكومة في غيها وظلمها وعدم اكتراثها بمعاناة الشعب وشكاواه المتكررة من هذه المعاناة, فانفجر بركان الثورة واندلعت نيرانها, وسقط النظام وتداعت أركانه ومعه دستور عام1971, وبقيام ثورة30 يونيو وسقوط النظام وعزل رئيسه فإن المنطق الطبيعي للأمور أن يسقط الدستور الذي كان وسيلته للاستئثار بالسلطة وفرض إرادة فصيل بعينه علي إرادة الشعب بالقوة والعنف وعدم الاكتراث بمعاناة المصريين أوالالتفات لاحتجاجاتهم علي ظلمه وطغيانه, فمادام الشعب مصدر السلطات فإنه يملك دائما السلطة التأسيسية التي تملك وضع الدستور وإلغاءه فسيادة الشعب هي القوة الدافعة لامكانات الثورة والحارسة علي قيم الديمقراطية السليمة, واذا أرادت هذه الجمعية التأسيسية احلال دستور جديد محل الدستور الساقط فإن الثورة هي التي تمنحها الحق لتحقيق هذا الهدف, وهو ما يتفق مع المنطق الطبيعي للأمور اذ ان الشعب لا يطرق سبيل الثورة الا اذا تعذر عليه إسقاط النظام والدستور بطريقة سلمية, ومن نتائج نجاح هذه الثورة سقوط الدستور الذي استند اليه النظام الساقط بفعل الثورة فورا ومن تلقاء نفسه, غير أن سقوط الدستور لايمس القوانين العادية كالقانون الجنائي والمدني والتجاري وغيرها من القوانين الصادرة من السلطة التشريعية فتبقي قائمة ونافذة, إلا إذا كان في الدستور الجديد بعد إقراره من الشعب ما يستوجب تعديل تلك القوانين بما يتفق ونصوصه, كما لايترتب عليه المساس بالمبادئ المقررة لحقوق الأفراد وحرياتهم لأن هذه الحقوق والحريات لا تتصل بالتنظيم السياسي للدولة. الخلاصة أن هذا الدستور الساقط يجب تغييره بعد أن فرض علي الشعب لتقنين تجاوزات النظام البائد فجاء معيبا بالانحراف الدستوري وتناقض نصوصه التي يمحو بعضها بعضا وركاكة صياغاته واتساع رقعة التفصيلات التي يمكن إحالتها للقوانين الأدني درجة, وذلك تحقيقا لإرادة الشعب الذي خرج بالملايين في30 يونيو ثائرا علي ما أصابه من ظلم وسلب سيادته وتحدي إرادته. لمزيد من مقالات د. مدحت محمد سعد الدين