من رواد الفن التشكيلي المصري سند بسطا(19031964 ) الفنان البرجوازي هو الكتاب الثالث للسفير يسري القويضي وذلك بعد كتابيه السابقين( لبيب تادرس أغنية لم تكتمل), وكتابة الذي شارك في تأليفه مع الفنان عصمت داو ستاشي بعنوان محمد ناجي كما لم يعرف من قبل. والمؤلف يثبت للمرة الثالثة أنه يبحث عن الجواهر ويستخرج الكنوز بدأب وصبر واجتهاد وحب للشخصية التي يسجل أدق تفاصيل حياتها الخاصة والفنية وأعمالها الرائدة في الفن التشكيلي والجوانب التي يجهلها الكثيرون ويجعلها تحيط به من خلال أعمالها والتي يسعي بإصرار ليس فقط إلي جميعها برغم صعوبة هذه المهمة وإنما أيضا لتحليلها وتوصيفها ورصد ملامحها وأبعادها واستخلاص أهم ما تتضمنه من معان وقيم فنية يجهلها الكثيرون. والفنان السفير يسري القويضي من مواليد الإسكندرية عام1940 , التحق لفترة بالدراسات الحرة( الفنون الجميلة) عام1961 الذي بدأ بعده بعام عمله بالسلك الدبلوماسي حتي وصل إلي منصب مساعد وزير الخارجية للمعلومات ولعل هذا المنصب يفسر دأبه وصبره علي جمع المعلومات والوثائق وصور اللوحات وأعمال الفنان الذي يرصد سيرته الفنية والذاتية بأسلوب أدبي يجعلنا نشعر بأننا نشاهد رواية أو شريطا سينمائيا بسيناريو جذاب شيق لايبعث علي الملل. نعود إلي السيرة الذاتية للمؤلف ونذكر أنه حصل علي وسام الاستحقاق من الطبقة الثالثة( مصر) عام1997, ووسام الكنز المقدس من اليابان( عام1991), وبالنسبة للجانب الفني في حياته فقد شارك في عدة معارض جماعية منذ عام1960 وحتي الآن, وأقام أكثر من02 عرضا خاصا منذ عام7791 ومنها عرض استيعادي بأتيليه الإسكندرية ضمن فعاليات بينالي الإسكندرية يناير2006 , مؤلفاته( التشكيل بالفوارغ الهروب إلي واحة الفن رحلة مع اللوحات والذكريات والأفكار صفحات من حقيبتي غير الدبلوماسية العولمة المتحفية الفن من داخل وخارج القاعات), وله تحت الطبع كتاب شارك في تأليفه مع الفنان عصمت داوستاشي بعنوان محمد ناجي في الحبشة. ونذكر بعضا مما جاء في مقدمة الدكتور مصطفي الرزاز للكتاب والذي وصفه فيها بأنه كتاب قيم وشيق ودقيق, وقد نجح المؤلف كعادته في تقديم صورة ثلاثية الأبعاد لشخصية الفنان سند بسطا تصلح أن تصبح فيلما روائيا ناجحا يوثق مرحلة تاريخية مهمة في المجتمع والسياسة والفن في مصر منذ الثلاثينيات إلي منتصف الستينيات. المؤلف يذكر كيف ولدت فكرة هذا الكتاب عندما التقي الدكتور سمير بسطا نجل الفنان سند بسطا في جاكرتا عام1973 وبعدها بأكثر من ثلاثين عاما(2008) التقي به مرة ثانية ليجده متحمسا لإصدار الكتاب ويقدم له كل الوثائق وصور اللوحات ويشاركه في نصف تكاليف الطبع للنسخ التي بلغ عددها500 نسخة, كما قدم أفراد من أسرة الفنان سند بسطا والعديد من الشخصيات التي تقتني بعض أعماله معلومات وصورا لأعمال الفنان. في الفصل الأول يستعرض المؤلف نشأة وتكوين الفنان سند بسطا في أسرة ثرية فوالده المهندس بسطا بك صاحب الأراضي الزراعية والثروة والجاه في سوهاج التي كان له فيها الكثير من أعمال الخير, وقد ولد سند في26 أغسطس عام1930 واسماه والده( شارل بسطا روس روفائيل) وتوفي الأب بعد عام من ميلاد ابنه الذي تولي إخوته من أبيه, ووالدته تربيته, وخصصوا له مربية إنجليزية تعلم علي يديها اللغة والآداب الإنجليزية, وبقي بسوهاج حتي المرحلة الثانوية ثم أوفدته أسرته إلي أسيوط للالتحاق بمدرسة عليا تابعة لإحدي الإرساليات الأجنبية, وكانت ميوله الفنية قد بدأت منذ طفولته عندما تلقي مباديء الرسم والتصوير علي يد أخيه حبيب بسطا الذي كان أقرب إخوته إليه, كما ظهر في عدد من لوحاته في تلك المرحلة جمال الطبيعة وخاصة المراكب النيلية قبل أن يزور القاهرة لأول مرة عام1922 لتبدأ أحداث الفصل الثاني من الكتاب والتي تتناول مرحلة( الشباب: اللهو والمرح والدراسة) فكان سند وهو الاسم الذي أختاره لنفسه وقد اختار لنفسه أن يتنقل بين القاهرةوسوهاج وانضم إلي المجتمع البرجوازي المصري والشخصيات البارزة في الجاليات الأجنبية بالقاهرةوالإسكندرية, وكان للسيدين أنيس عازر والفنان لبيب تادرس أثرا علي شخصية سند بسطا, فالأول من أبناء عمومته وكان مثله الأعلي, وكان يعمل في السلك الدبلوماسي, وكما أعانه في القاهرة وكان خير معين له في أوروبا فدفعه إلي المجتمع البرجوازي. أما الفنان لبيب تادرس فقد ساعد سند بسطا علي دخول مجال التصوير الحديث في مصر, وشجعه علي الاندماج في الحركة الفنية, حتي شارك في صالون القاهرة الأول الذي أقامته جمعية محبي الفنون الجميلة عام1924 في أول مشاركة له في معرض عام,كما شجعه علي السفر لأوروبا للإطلاع علي كنوز الفن وزيارة المتاحف والتعرف عن قرب علي المدارس الفنية المختلفة, فكانت رحلة سند بسطا لأوروبا نقطة تحول أساسية في حياته العامة ونشاطه الفني فصار له هدفان وهو في العشرينيات من عمره أولهما الاستمتاع بمباهج الحياة, والثاني ممارسة الرسم والتصوير بدون أن يكون الكسب المادي هو الغرض وإنما لإمتاع نفسه وإرضاء حبه للفن. ويذكر المؤلف مدي تأثر سند بسطا بالمجتمع الأوروبي لتحقيق هذين الهدفين, كما واصل دراساته للفن في أوروبا واكتسب المزيد من الخبرات وكان في هذه المرحلة يتبع الأسلوب الأكاديمي في الرسم والتصوير, وعاد إلي مصر عام1952 ودرس بها القانون بكلية الحقوق التي تخرج فيها عام1930 , وكان يحرص علي السفر إلي أوروبا كل عام في الإجازات الصيفية, وفي مصر استمر سند بسطا في اتصاله بالمصورين المصريين والأجانب بمعاونة من الفنان لبيب تادرس والفنان زكي بولس, واقترب من الفنان الفرنسي المقيم بمصر بيبي مارتن الذي كان يدرس بمدرسة الفنون الجميلة العليا بالقاهرة, كما كان من المتأثرين والمعجبين بالفنان محمود سعيد والفنان المصري الأرميني آشور زوريان. وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف مرحلة الثلاثينيات التي عمل فيها سند بسطا بالمحاماة ثم بالسلك الدبلوماسي وبزوغ نجمه في المجتمع البرجوازي, وعلاقته بالإنجليز وانضمامه لنادي الجزيرة, وأول معرض شخصي بفندق الكونتيننتال بميدان الأوبرا بالقاهرة, ومشاركات سند بسطا في صالون القاهرة السنوي وزيارة الملك فاروق للصالون عام.1938 ويخصص المؤلف الفصل الرابع من كتابه لدار الفنانين بدرب اللبانة والذي كان يجمع نخبة من الفنانين منهم لبيب تادرس وسند بسطا. أما الفصل الخامس فيتناول حياة سند بسطا رب الأسرة وقصة زواجه من كيتي إبراهيم(كاترين) التي رفض والدها فكرة زواج سند منها لما عرف عنه من تعدد علاقاته الاجتماعية ورسومه للنساء والشائعات التي تدور حوله والأخبار التي تنشرها عنه الصحف, لكن سند أثبت لوالدها يسي بك إبراهيم أنه جدير بها بعد عمله محاميا لمدة سنوات قبل أن ينتقل إلي السلك الدبلوماسي وتم الزواج عام1938 بعد9 سنوات من التعارف, واستقر سند بعد الزواج وأنجب ابنه الأكبر سمير وابنته سميحة, واتخذ من إحدي غرف مسكنه بالزمالك مرسما خاصا به لينقطع عن مرسمه بدرب اللبانة, وفي رحلاته إلي بلده سوهاج لتحصيل إيرادات الأطيان كان يرسم وجوه الفلاحات, فهو يسافر بفنه ولايفارقه. ويذكر المؤلف أن حياة سند بسطا تأثرت بقيام ثورة23 يوليو1952 ثم تدهورت صحته وتوفي في17 سبتمبر1964 فتوقفت ريشته المعبرة الرشيقة إلي الأبد. ويتناول المؤلف في الفصل السادس نشاط سند بسطا وأعماله الفنية وأبرز لوحاته وأسلوبه في تلوينها وأشهر موضوعاتها, والمعارض التي شارك فيها وعمله كسكرتير لجمعية محبي الفنون الجميلة ومعرضه في لندن عام1961 وآخر معارضه بالقاهرة عام.1964 أما الفصل السابع والأخير فيتضمن الوثائق والمستندات التي اعتمد عليها المؤلف في توثيق مضمون الكتاب, وقائمة بأعمال الفنان وصورا لها.{