ذهبت أزور سوسن ومصطفي.. صديقان تزوجا عن حب.. ولم أكن قد رأيتهما منذ فترة طويلة.. هو طبيب في مستشفي وهي مدرسة مواد اجتماعية. أثناء الزيارة ثارت مناقشة حامية بينهما.. قال مصطفي لسوسن في انفعال: كنت أتوقع أن تقفي بجواري لتشجيعي علي السفر... متطلبات الأولاد تتزايد, والسفر سنة أو سنتين للعمل في الكويت سيساعدني علي افتتاح عيادتي الخاصة, فأستطيع أن أوفر لهما كثيرا من احتياجاتهما. أجابته في إصرار: لا شيء يعوض الأبناء عن غياب والدهم عنهم.. إشرافك معي علي رعايتهما أهم احتياجاتهما. اتجه ببصره نحوي يستعين بي للتغلب علي معارضة زوجته وإصرارها: المرتب يزداد ببطء السلحفاة والأسعار تتضاعف بسرعة الصاروخ, افتتاح العيادة الخاصة يحتاج إلي مقدم إيجار كبير جدا... هل انتظر حتي اضطر إلي إخراج أحمد وإيمان من مدرستهما الخاصة لتوفير النفقات, فيعانيان من كل مساوئ التعليم العام ؟! قبل أن أجيب في محاولة لتهدئة حدة الحوار, اندفعت سوسن تستنجد بي: تعرف أنني قادرة علي تدبير ميزانية الأسرة بغير حاجة إلي ابتعاد مصطفي عن الأبناء وهما في سن المراهقة.. إنها السن التي يحتاجان فيها أكثر من أي وقت آخر إلي أن نتشارك معا في تربيتهما... لست قادرة وحدي علي مواجهة ما يطرأ عليهما وحولهما كل يوم من تغيرات وتحديات... بل إغراءات واندفاعات. أخذت أحاول التدخل مرة بعد أخري لتقريب وجهات النظر إلي أن اقترب الموعد الذي حددته لنهاية زيارتي بغير أن يصلا إلي اتفاق, وقد تصورت بسبب حدة المناقشة وتباعد وجهات النظر أن الخلاف بينهما سيتسع ويفسد علاقتهما. لكن ما إن أعلنت أن وقت انصرافي قد حان, حتي تغير مجري الحديث تماما, وتبادل الزوجان كلمات مرحة وهما يطلبان مني تكرار الزيارة!! عندئذ اصطحبت الزوج معي إلي مسافة من الطريق, وسألته وأنا في أشد حالات الحيرة والقلق: حسبت أن الخلاف استحكم بينكما, ولا أمل في السلام بعد الآن!! ضحك صديقي مصطفي ضحكة صافية مجلجلة وهو يقول: لا تخف.. تعلمنا كيف نختلف بغير أن نتخاصم, فكل خلاف يذوب مع الزمن ويخف, أو تلين حدته وتنكسر أشواكه!