صافيناز محمد أحمد : شهدت الأزمة السورية مؤخرا تطورا جديدا تمثل في تصاعد حدة المخاوف الإقليمية والدولية بشأن المخزون السوري من الأسلحة الكيميائية واحتمالات استخدامها من قبل النظام ضد المعارضة أو الجوار الإقليمي من ناحية, أو وقوعها تحت سيطرة الجماعات الجهادية المتشددة المقاومة للنظام السوري بما فيها تنظيم القاعدة من ناحية ثانية, أو وصولها لحزب الله اللبناني من ناحية ثالثة, الأمر الذي يفرض علي القوي المعنية بالأزمة إقليميا ودوليا ضرورة وضع سيناريوهات مستقبلية لتأمين هذا المخزون حتي ولو استدعي ذلك من وجهة نظرها تدخلا عسكريا مباشرا إذا ما اقتضت الضرورة, لاسيما في ظل حالة التداعي الواضحة التي يعاني منها النظام السوري عقب الضربات القوية التي وجهها له الجيش السوري الحر وحركات المقاومة المسلحة المختلفة علي مدي شهور الأزمة. فالمخاوف الناجمة عن دخول متغير السلاح الكيميائي السوري علي معادلة الصراع الإقليمي والدولي بالنسبة للأزمة السورية قد تسهم في حسم الأزمة لصالح أو ضد بشار الأسد, ما يستدعي التساؤل حول مدي اعتبار هذه المخاوف مبررة ومشروعة أو اعتبارها ذريعة لتدخل عسكري مباشر في سوريا, فالأنباء التي تسربت عبر عمليات المسح للاستخبارات الإقليمية والدولية جاءت متناقضة إلي حد كبير, فبينما تري الاستخبارات الإسرائيلية أن النظام السوري قام بنقل هذه الأسلحة إلي الأراضي اللبنانية وأخضعها لسيطرة حزب الله, تشير الاستخبارات الأوروبية والأمريكية إلي أن النظام اتخذ إجراءات مشددة لضمان حماية ترسانة الأسلحة الكيميائية بنقلها إلي مواقع لازالت خاضعة لسيطرته, وقد ألقت تلك المخاوف بظلالها علي طبيعة ونمط التدخل العسكري المحتمل من جانب الولاياتالمتحدة التي انخرطت بقوة خلال الشهرين الماضيين في تطورات الأزمة السورية بما يضمن لها ترتيب الداخل السوري في مرحلة ما بعد سقوط الأسد بصورة تحقق مصالحها وتصون أمن إسرائيل. حيث أشار البعض إلي وضع واشنطن خطة تدخل سرية طارئة لتأمين ذلك المخزون إلا أن العديد من المحللين المهتمين بالشأن السوري رصدوا وجود كوابح قد تمنع واشنطن من اتخاذ مثل هذه الخطوة; لأنها ستتطلب العديد من العمليات العسكرية كتدمير دفاعات الجو السورية, وإدخال قوات خاصة أمريكية كثيفة العدد لتأمين مواقع الأسلحة النوعية التي تقع في منشآت محصنة ضد الضربات الجوية, الأمر الذي يجعل البدائل والخيارات المتاحة أمام واشنطن وحلفائها بشأن تدخل عسكري وشيك لصالح المعارضة بدائل محدودة للغاية ومحكومة في الوقت نفسه بتداعيات إقليمية خطيرة. وعلي الجانب الآخر, فإن إقبال النظام السوري علي استخدام السلاح الكيميائي كملاذ أخير له سيعني بالضرورة قلب موازين المعادلة الإقليمية التي يقف أحد طرفيها بجانب المعارضة والطرف الآخر بجانب النظام, ما يعني أن الموقف الدولي حينئذ قد يتغير من جانب حلفاء النظام خاصة روسيا التي أكدت تعهد الأسد بعدم اللجوء إلي استخدام الأسلحة الكيميائية في مواجهة المعارضة أو أي من دول الإقليم, وتقاوم روسيا في هذا الإطار الضغوط التي تمارسها واشنطن لحملها علي الاختيار بين فك الارتباط مع دمشق أو إقناع الأسد بالرحيل, إلا أن الخيار الأخير لا يبدو أنه يشهد أي تغيير لأن روسيا لا تزال غير مقتنعة برحيل الأسد في الوقت الراهن, بينما يشهد الخيار الأول قدرا ضئيلا من التغيير, وقد تعزز هذا الطرح بمعارضة روسيا لمطالب أمريكية جديدة تقضي بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية بدعم دولي علي النظام السوري, بل وأعلنت استمرار دعمها القوي لدمشق وازداد هذا الدعم ترسخا في أعقاب موافقة حلف الأطلنطي علي نشر صواريخ باتريوت علي الحدود التركية المتاخمة لسوريا, حيث قامت موسكو بزيادة التعزيزات العسكرية المقدمة لدمشق, كما تحركت سفينتا الإنزال العسكريتين الروسيتين نحو ميناء طرطوس السوري كنوع من المساندة, بالإضافة إلي إتمام موسكو المرحلة الثانية من صفقة صواريخ كانت قد أبرمتها مع النظام السوري عام.2005 في السياق نفسه فإن إسرائيل المتوجسة من تأثيرات سلبية علي أمنها القومي جراء ما قد تخلفه الأزمة السورية, باتت تري في تصريحات الأسد التي تعهد فيها ضمنيا بعدم المساس بالحدود مع المحتل الإسرائيلي ما تنشده, وجعلتها تقف بقوة وراء بقاء النظام دون أن يخل هذا الخيار في الوقت نفسه بترويجها لفزاعة التداعيات السلبية علي أمنها حال انتقال السلاح الكيميائي السوري لحزب الله أو تنظيم القاعدة, وهي الخيارات نفسها التي تدفعها للبحث عن دور في ترتيبات الداخل السوري بمساعدة الحليف الأمريكي, ويرتبط الموقف الإسرائيلي بالموقف الأمريكي المتصاعد تجاه المخاوف من استخدام النظام السوري لترسانته الكيميائية; فقد شهد الموقف الأمريكي تحولا مفاجئا في الأيام القليلة الماضية بعودته إلي سياسة المهادنة من جديد بذريعة أن الاستخبارات الأمريكية لم ترصد أي تغييرات جديدة فيما يتعلق بالمخزون السوري من الأسلحة غير التقليدية لا من حيث انتقالها إلي خارج سوريا ولا من حيث استخدامها. أيضا ترتبط مخاطر استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية بتطور جديد تمثل في موافقة حلف شمال الأطلنطي علي نشر صواريخ باتريوت علي الأراضي التركية لحمايتها, كرد فعل دولي علي التلويح السوري باستخدام المخزون الكيميائي, وكإجراء احترازي باعتبار تركيا دولة عضو في الأطلنطي ودولة جوار إقليمي لسوريا. يمكن القول إذن أن دخول التلويح السوري باستخدام السلاح الكيميائي علي المعادلة الإقليمية والدولية للأزمة السورية يزيد من تعقيد الأزمة مستقبلا فلم تعد مجرد أزمة نظام ومعارضة بقدر ما أصبحت أزمة إقليمية من شأنها تغيير معالم خريطة التوازنات الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود المقبلة.