يتزايد تشنج الموقف التركي تجاه مصر في سابقة لم تشهدها العلاقات الدولية من قبل, إلا من جانب الدول الاستعمارية تجاه الدول الصغري. وتتوالي تصريحات رئيس الوزراء التركي التي تمثل تدخلا غير مسبوق في الشئون الداخلية المصرية, وتتواصل الدعوات والاتصالات التركية المطالبة بالتدخل الدولي في مصر لدعم الإخوان المسلمين والحيلولة دون سقوطهم, وقد تبني رئيس الوزراء التركي حملة اعلامية وسياسية ضخمة, وأجري اتصالات رسمية مع حكومات دول أوروبية وإسلامية لتعبئة موقف دولي مضاد للتغيير السياسي في مصر, وطالبت تركيا بتدخل دولي في مصر لإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه. ويرجع الموقف التركي بحدوده الحالية إلي عدد من الأسباب التي من بينها ما يلي: إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هو أحد الفصائل القوية التي تعمل تحت مظلة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, وتحتضن تركيا أهم المؤسسات والمنظمات التابعة له, وتعقد اجتماعاته السرية والعلنية هناك تحت حماية أجهزة الأمن التركية وبرعايتها, ويعتبر اتحاد الطلاب الدولي الذي يضم شباب الدول المرتبطة بهذا التنظيم من أهم المؤسسات التابعة له ومقرها أنقرة, ويتم خلاله تعبئة وتجنيد الطلاب في الدول الإسلامية المختلفة لصالح التنظيم, وكان يرأسه أحمد عبدالعاطي مدير مكتب الرئيس السابق حتي تركه منصبه. إن السيد أردوغان كان بمثابة المرشد للنظام السابق وتم مراجعته في الكثير من أفكار وسياسات الجماعة ورئاسة الدولة بخصوص عدد من القضايا الاستراتيجية, وتم تعيين السيد سيفر توران المستشار السياسي لأردوغان مبعوثا خاصا له في مصر يختص بدعم العلاقات مع الجماعة, وكانت تقديراته تحظي باهتمام يتجاوز تقديرات الوزرات والمؤسسات المصرية المعنية. الفشل التركي في توقع أبعاد ومسارات ثورة30 يونيو وتقدير فشلها في تهديد سيطرة الإخوان علي الحكم, وبالتالي فإن ما أسفرت عنه تلك الثورة كان مفاجأة كاملة للقيادة التركية, كما أن تعاون سفارتها في القاهرة كان بعيدا تماما عن الواقع وتطوراته. الشعور بنوع من المسئولية بسبب النصائح التي قدمتها تركيا وأردوغان شخصيا للرئيس مرسي وللجماعة بعدم التجاوب مع الضغوط الخاصة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة والموافقة علي أي تسوية اقترحتها القوات المسلحة, وبالتالي فإنها تتحمل جزءا من مسئولية الفشل والتقدير الخاطئ لتطورات الموقف. التطور الذي أحدثته ثورة30 يونيو في الفكر السياسي من إعلاء الارادة الشعبية علي الاجراءات الديمقراطية وحكم صناديق الانتخابات, وهو تطور يمكن أن يغري بالتكرار في تركيا في ظل اتجاه الحزب الحاكم لممارسة نوع من استبداد الأغلبية والذي كشفت عنه مظاهرات ميدان تقسيم والتململ الذي يتزايد داخل الطائفة العلوية والكردية في الأسابيع الأخيرة. عدم استفادة تركيا من استثمارها السياسي في جماعة الاخوان وحزب الحرية والعدالة والذي استهدف بالدرجة الأولي خدمة استراتيجيتها في المنطقة الخاصة بدعم تيار الاسلام السياسي للوصول إلي السلطة في دول الربيع العربي والتي تكفل لها في النهاية حضورا إقليميا أقوي. أن سقوط النظام السابق في مصر وما يشهده النظام في ليبيا من مشاكل, والضغوط التي يواجهها نظام الحكم في تونس, تمثل متغيرات إقليمية سوف تترك تداعياتها السلبية علي الاستراتيجية التركية في المنطقة. أن أزمة العلاقات المصرية التركية قد أدت إلي سقوط النظرية التي كان يروج لها وزير الخارجية التركي والتي اعتمدت علي ما يسمي بتصفير المشاكل مع دول المنطقة خاصة في ظل الأزمة الحالية في سوريا, والارتباك القائم في العلاقات مع العراق بل إن السياسة الخارجية التركية قد شهدت نوعا من النفاق السياسي, خاصة إذا ما نظرنا للعلاقات التركية الاسرائيلية التي رغم ما يعلنه أردوغان من مواقف متشددة إلا أن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين لا يزال في حدوده السابقة, كما أن تخل تركيا عن مساندة المقاومة العراقية والانحياز إلي الموقف الأمريكي المساند للنظام الحالي في العراق في تخل واضح عن طائفة السنة التي حاولت تركيا الإيحاء بمساندتها يكشف عن ذلك بوضوح. ولا شك أن الممارسات والمواقف التركية تجاه مصر سواء خلال العام الماضي أو بعد ثورة30 يونيو, قد ساهمت في تبلور عداء شعبي متزايد تجاه تركيا وزيادتها بصورة كبيرة, الأمر الذي يمكن أن يحد من أي محاولات لاستعادة المستوي الإيجابي لعلاقات البلدين مستقبلا, ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة مواقف أكثر تشددا مع تركيا لتدخل قياداتها في الشأن الداخلي المصري وهو ما يمكن أن يزيد من تدهور العلاقات الثنائية بصورة كبيرة, ومن الواضح أن القيادة التركية سوف تواصل ضغوطها الإعلامية والسياسية علي مصر خلال الفترة الحالية, وسوف يتواصل التنسيق التركي القطري علي هذا المستوي بهدف توفير الخروج الآمن لقادة الجماعة, وإتاحة الفرصة للحضور السياسي للجماعة داخل النظام السياسي الجديد للمحافظة علي قدر من التأثير التركي في عملية صنع القرار السياسي في مصر. وبصفة عامة فإن مجمل السياسات والمواقف التركية يؤكد فشل طموحات أردوغان بأن تصبح تركيا القوة المحورية المحركة للأحداث في منطقة الشرق الأوسط, وبما يسمح لها بامتلاك أوراق للمساومة لدخول الاتحاد الأوروبي واعتبارها قوة إقليمية عظمي ومظلة لعدد من دول الربيع العربي, كما أن دخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة علي صياغة تحالفات إقليمية جديدة, قد تسمح بعودة المحور المصري الخليجي كأحد التحالفات التي من المتوقع أن تغير من معادلة التوازن الإقليمي, في ظل الحساسية التي تزايدت مؤخرا بين تركيا ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي. وفي التقدير أن المزايدات السياسية والإعلامية التركية سوف تفتقد الكثير من تأثيرها إذا ما سارت مصر خطوات أسرع في مجال تطبيق خريطة المستقبل وتم تأكيد علي ما ورد بخطاب السيد القائد العام للقوات المسلحة الفريق الأول السيسي بأن مصر تتسع للجميع, وتحقق نوعا من المصالحة مع المجموعات التي ترفض العنف وترويع المواطنين. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات