في سياق التخبط والارتباك الواضحين اللذين يغلفان الرؤية الأمريكية للأحداث في مصر, جاء قرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما بإلغاء مناورات النجم الساطع مع القوات المسلحة المصرية. يطرح قرار الرئيس الأمريكي في واقع الأمر مجموعة من علامات الاستفهام الآنية والمستقبلية, منها ما يخص تلك المناورات تحديدا, وأخري تتعلق بشأن العلاقات المصرية الأمريكية علي الصعيد العسكري والي أين تمضي ؟ تعد المناورة فرصة ممتازة للقوات الأمريكية علي اختلاف أفرعها وتخصصاتها للاحتكاك بجيوش غربية وشرقية, عطفا علي إجرائها في أجواء صحراوية مصرية لا تتوافر للقوات الأمريكية في بلادها, وهذا ما يدركه المسئولون العسكريون هناك باقتدار. وحال استمر التأجيل أو الإلغاء, فإن القدرات العسكرية للجنود الأمريكيين معرضة للنقصان, وبالتالي العلاقات مع العديد من الدول التي تقدم لها هذه المناورات. هل كان أوباما يعاقب مصر أم يعاقب بلاده بإلغاء مناورات آل برايت ستار ؟ دون شوفينية مصرية يمكن القول إن مناورات النجم الساطع هي جوهرة التاج للعمل الإقليمي للقوات المركزية للولايات المتحدةالأمريكية ولبرامج التدريب ومسرح لاستراتيجيات العلم العسكري الأمريكي, وهي مصممة لتحسين الاستعداد والإمكانية ولتقوية العلاقات العسكرية لواشنطن بالعديد من العواصمالغربية وليس بالقاهرة فقط, كما تري القوات المركزية للولايات المتحدة أن مناورات النجم الساطع أداة ثمينة للوفاء بالأهداف التدريبية الإقليمية للولايات المتحدة. هل من شهادة أمريكية ما لا تصد ولا ترد عن أهمية تلك المناورات بالنسبة للأمريكيين. ؟ في شهر فبراير من عام2000 وفي شهادته أمام الكونجرس تحدث الجنرال الأمريكي الشهير انطوني زيني الذي كان في ذلك الوقت قائدا في القوات المركزية التابعة للولايات المتحدة قائلا: إن مناورات النجم الساطع التي جرت مع المصريين في العالم1999 دربت قوات الولاياتالمتحدة وسهلت إجراءات انتشار قوات الولاياتالمتحدة وأسست لإمكانية تكوين ائتلاف. وفي ضوء هذه القناعة لم يكن غريبا قوله ذات مرة انه لا يستطيع أن يقيم الرؤي الإستراتيجية العسكرية لبلاده إلا من خلال النظرة المصرية والمتنور المصري للأمن الإقليمي وبخاصة أن مصر هي اللاعب الأكثر ثباتا في العالم العربي. قرار اوباما والذي كان شبه متوقع يدعونا للتساؤل من جديد هل بدأت الإدارات السياسية في واشنطن تخشي من المستوي القتالي والكفاءة العالية التي وصل إليها الجيش المصري, وقد ظهرت جلية في أضخم مناورات إبرار ليلي جرت أخيرا في صحراء وادي النطرون ؟ ولماذا يخشي السياسيون في واشنطن في حين يري العسكريون الأمريكيون وفي مقدمتهم وزير الدفاع هاجل أن التعاون العسكري مع مصر ماض قدما, وهو الرجل الذي قال عنه الفريق السيسي في حواره مع الواشنطن بوست انه يتصل به بصورة شبه يومية ؟ ربما تكون هناك أطراف بعينها لا تريد الجيش المصري أن يتجاوز في مهاراته القتالية وإمكاناته العسكرية المستوي الذي يهددها مستقبلا, علما بأنه الجيش العربي الوحيد الذي لا يزال يقف علي قدمين من نحاس لا فخار من البصرة شرقا إلي الدار البيضاء غربا. مهما يكن من أمر فان كلمة اوباما عن الخطوات المقبلة تثير الهواجس بشأن إمكان وقف أو تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر, وهو بلا شك أمر لا يغيب عن ناظري صناع القرار وقراء الأفكار في المؤسسة العسكرية المصرية, وان كان الجميع شرقا وغربا يدرك تمام الإدراك أن تلك المساعدات ليست هبة مجانية لمصر, بل هي استثمارات أمريكية طويلة الأجل الهدف منها هو حماية الأمن القومي الأمريكي وليس حماية الديمقراطية أو حقوق الإنسان. في هذا الإطار تبقي هناك أربعة اطر تدرك القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية معناها ومبناها ودور المؤسسة العسكرية المصرية فيها وأولها امن وأمان دولة إسرائيل والإبقاء علي معاهدة كامب ديفيد, وثانيتها تامين سلامة المرور في قناة السويس التي يمر عبرها5% من نفط العالم و8% من التجارة العالمية, وثالثتها دور مصر في مساعدة أمريكا في الحرب علي الإرهاب العالمي استخباراتيا وعسكريا, وأخيرا دور مصر في قطع الطريق علي إيران دولة نووية. هل واشنطن اوباما قادرة أو راغبة في التخلي عن تلك المرتكزات الرئيسية بالنسبة لها. ؟ يدرك عقلاؤها وعسكريوها خاصة أن المصريين من اليسير أن يجدوا أطرافا عسكرية دولية أخري لا سيما روسيا والصين, لإجراء تدريباتهم معها, وربما تمويل ما ومساعدات عسكرية تقلب موازين المنطقة.... لكن كم مصر يمكن لأمريكا أن تجدها حليفا وثيقا في الشرق الأوسط ؟. لم يكن المصريون بحال من الأحوال ليرحبوا بهذه المناورات في هذا التوقيت لسببين اثنين الأول هو المؤامرات الخفية والعلنية الأمريكية تجاه مصر في العقد الأخير, والثاني, أن وجود تلك القوات علي الأراضي المصرية في هذه الأجواء المتوترة والمشحونة لربما كان يهدد الأمن القومي المصري وحديث الفريق مميش عن قطع بحرية أمريكية حاولت الاقتراب من المياه الإقليمية المصرية في يناير2001 خير دليل علي النيات الأمريكية. لماذا تصر واشنطن دائما وأبدا علي ألا تتعلم من الجغرافيا التي هي ظل الله علي الأرض ومن التاريخ الذي هو ظل الإنسان علي الطبيعة ؟. لمزيد من مقالات اميل أمين