حكومة بكاملها, مؤقتة بالتعريف وغير حاملة لتفويض شعبي, تحولت إلي حكومة للعلاقات الخارجية وكأنه لا يكفي وجود وزير للخارجية ونائب رئيس للعلاقات الدولية, وكأن مصر ولاية أو محمية لامبراطورية خارجية لا تملك من أمرها شيئا حتي في أخص شئونها الداخلية. وهكذا انصرف جل جهد حكومة الخارجية هذه, وكأن الحكومة بكاملها صارت موجهة للعالم الخارجي, إلي قرب التفرغ لاستقبال ممثلي دول أجنبية وعربية, أساء بعضهم الأدب واهان الشعب بالتلويح بمنع المعونة الامريكية. جاء الوسطاء للمحاماة عن الإخوان الضالين أو للتوسط لهم لدي الحكومة للعفو عن جرائمهم, التي هي محل نظر القضاء ويمتنع من ثم علي السلطة التنفيذية التدخل فيها. أوجاءوا للتوسط لدي قادة الإخوان المحبوسين رهن التحقيق للإحسان إلي الحكومة غير القادرة علي قيادة المرحلة الانتقالية الثانية باقتدار, بالأمر بفض اعتصاماتهم الإجرامية والتفضل بالعودة للصف الوطني. ما يدل علي أن تلك القيادات الضالة تملك الأمر والنهي في إطلاق الإرهاب علي الشعب أو غله, أو هكذا علي الأقل تعتقد الحكومة. وأي مهانة لمصر وشعبها من قبل من لا يعرفون قدرها وقدر شعبها؟ واللافت للنظر أن وفدا من مسئولين عرب وأمريكيين قد قابل رجل الجماعة القوي نائب المرشد في محبسه, علي الرغم من النفي الكاذب والمخادع لوزارة الداخلية, وفيه دليل دامغ علي أن من يتقدمون لإسداء النصح, حتي لا نقول الإملاء, في أمور مصر الداخلية يعلمون من هو متخذ القرار في شئون جماعة الإخوان الضالين, ويبدو علي الهامش هنا أن صفحة محمد مرسي العياط قد طويت بدون رجعة علي الرغم من طنطنة الإخوان بأنه هو المعني بالتفاوض. وإن ادعي أحد أن الحكومة, من خلال وزير الدفاع, تحمل تفويضا شعبيا كاسحا. فليفهم أن التفويض كان لمكافحة الإرهاب, والحكومة لم تفعل شيئا في هذا الصدد وانصرفت لمقابلة من هب ودب من المسئولين الأجانب القادمين للدفاع عن قيادات الإخوان الضالين أو التوسط لهم أو لديهم. هذا بينما تهمل الوزارة المفتونة بلقاء الأغراب هموم مواطنيها المتضررين من الاعتصامات التي تحولت, باعتراف مجلس الوزراء, إلي بؤر للإجرام وقواعد لإرهاب المواطنين, بل تترك الحكومة المسيحيين, إخوة الوطن والدين, خاصة في الصعيد, نهبا لأعمال الإرهاب البربري من جماعات اليمين المتأسلم الضالة حتي وصل الأمر لرفع أعلام القاعدة علي الكنائس في المنيا, من دون حتي تصريح يشجب أو يدين! باختصار لو كانت الحكومة المؤقتة قد فضت البؤرتين الإرهابيتن في اعتصامي رابعة والنهضة بكفاءة وبحضارية منذ أعلنت قرار مجلس الوزراء بفض الاعتصامات التي افتقدت السلمية وتحولت لبؤر إرهابية, لما وضعت نفسها ووضعتنا في موقف المستجدي من وسطاء خارجيين للتوسط لدي قادة الإخوان القابعين في السجون لفض الاعتصامين بؤرتي الإرهاب. ومن ناحية أخري, فالمؤكد أن دولة أي من الوسطاء الذي تقاطروا علي مصر لن تقبل وساطة من نائب وزير أو وزير مصري في مثل هذا الشأن, علي الرغم من أن كثرة هذه الدول لم تكن حتي موجودة عندما كانت الدولة المصرية قد عمرت قرونا طوال. فلماذا لا يرقي اولي الأمر في الحكومة المؤقتة لمكانة مصر وشعبها في المنطقة وفي العالم أجمع؟ ليس إلا من تفسيرين: الأول أنهم ليسوا علي قدر مسئولية حكم مصر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها المعاصر, والثاني أنهم لم يكونوا أهلا لهذا الشرف منذ البداية. ومع التقدير لإحساسه بنبض المصريين, لايكفي التنصل الخجول لنائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين بعدم علم مجلس الوزراء بزيارات الوفود الأجنبية لمسجوني الإخوان. فاتمام الزيارات من دون علم المجلس دليل علي هامشية المجلس في منظومة الحكم, علي الرغم من تواتر الأنباء عن تفويض الرئيس المؤقت صلاحيات عديدة لرئيس الوزارة, المؤقت هو الآخر. كما أن السيد رئيس الوزارة يشارك مباشرة في المفاوضات مع جميع الوفود الأجنبية. وللأسف, يمثل رفض مستشار الرئيس للشئون الإستراتيجية وصف الجهود التي قامت بها بعض الأطراف الدولية والعربية في المشهد السياسي المصري بأنها جهود وساطة, عودة غير حميدة لأساليب الحكم التسلطي في التلاعب بالألفاظ للتعمية علي الشعب و حرمانه من حقوقه في الإفصاح والشفافية. إن الزيارات التي تستغرق ساعات تتجاوز أمور الفهم والإطمئنان علي حسن معاملة المحتجزين تحفظيا والتي قد تفرضها اعتبارات المجاملة للشركاء الدوليين, وتجزم بأن اللقاءات هي للمفاوضة والوساطة, فلم محاولة التعمية علي الناس والتعتيم علي أداء السلطة المؤقتة؟ جماع القول, إن هذه السلطة المؤقتة قد خيبت حتي الآن أمال الشعب المصري وحطت من مكانة مصر في منطقتها وفي العالم. وهي تبدو وكأنها أخذت رهينة من قبل تيار اليمين المتأسلم بدلا من أن تخضعه بسلطاتها لخريطة الطريق التي منحها الشعب تفويضا جماهيريا غير مسبوق في التاريخ وكلفت الحكومة المؤقتة بتنفيذها ولم تفلح حتي الآن ولو علي صورة بدايات جادة. وفي غياب الشفافية الواجبة من أولي الأمر, وهي سوءة كنا نتمني لو انقضت بعد الثورة الشعبية العظيمة, بدأت الأنباء تتوارد عن صفقات عفو عن جرائم أو أحكام وتيسير عودة جماعات ضالة للإفساد في البلاد والأرض, لكي تخرج الحكومة المؤقتة مما تعتبره أزمتها مع ما تسمية الشركاء الدوليين. وعليهم في هذه الحكومة المؤقتة أن يفهموا أن ليس في حكم مصر لشعبها شريك وأن ليس للشعب من مشكلة في فض الاعتصامات, أملا بأقل الخسائر الممكنة, حتي يمكن المضي قدما في الإسراع بإنفاذ خطة الطريق المعتمدة. إلا أن هذه الحكومة المؤقتة فعلت العكس تماما مما كان يتوجب عليها أن تفعل لنفاذ قرارها بفض الاعتصامين. سمحت الحكومة باستمرار التوافد علي الاعتصامين, بما في ذلك أجانب أعلنوا عداءهم مثل عضو الكونجرس الأمريكي ماكين وجرهام. بل سمحت الحكومة باستفدام مئات الأطفال اليتامي المغرر بهم بطرق النصب والاحتيال للتوافد علي الاعتصامات. بل سمحت بوصول الأسلحة حتي تلك الثقيلة في بعض تقارير وبعربات النقل الثقيل حاملة أطنان الرمال ومواد البناء لإقامة التحصينات والمتاريس حول الاعتصامين. وسمحت بانطلاق المسيرات من الاعتصامين للتنغيص علي المواطنين الأبرياء. المحزن أن الحكومة قد زادت هكذا من صعوبة فض الاعتصامين وتسببت بتراخيها في تنفيذ قرارها من كم الخسائر التي سنتحملها جميعا عندما تحين لحظة فض الاعتصام الذي تركته ليستفحل أمره, فالشواهد جميعها تدل علي أن جماعة الإخوان لن تصغي لصوت العقل وتنصاع لفض الاعتصامين سلميا. لكن المأساوي حقا أن هذه الحكومة فائقة الحساسية للضغوط الدولية قد مكنت جماعة الإخوان من امضي الأسلحة التي ستستغلها لا محالة في تلطيخ السمعة الدولية للحكم الجديد القائم في مصر بدعم شعبي غير مسبوق بادعاء أن الحكومة قد اعتدت علي انصار الجماعة واوقعت بهم الذبح والتنكيل وهم سجد ركوع! لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى