الشيخ محمود عاشور, وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, هو واحد من علماء الأزهر المستنيرين الذين يميلون في فتاواهم نحو الوسطية والاعتدال والتيسير. تحدث إلينا بعد عودته من رحلة علاجية بالخارج عن فرحة العيد, وفعل النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام في هذا اليوم المبارك, وكيفية الاحتفال بيوم الجائزة, وفضل زيارة الأهل والأقارب, وعن كراهية زيارة المقابر في يوم العيد. يري ان الزوجة التي ترهق زوجها ب الكحك وملابس العيد آثمة, وأن الطمع والجشع والتصارع سبب فقدان بهجة العيد, وأن العيدية هي سنة حسنة تدخل الفرحة علي نفوس الأطفال. ووجه رسالة الي جميع المصريين, قائلا إن الشقاق الذي يدور لا يستفيد منه سوي أعداء مصر, وستخسر مصر كثيرا بهذا الشقاق الذي قسمها إلي فرق وجماعات وطوائف تتقاتل من أجل أعراض الدنيا الزائلة, والي نص الحوار: ما معني العيد ولماذا سمي بيوم الجائزة؟ العيد هو عادة يعيدها الله دائما بعد أداء فريضته, ونحن قضينا شهرا لأداء الفريضة, فكان من الله عز وجل أن يكافئنا عن ذلك بفرحة الفطر وهناك فرحتان فرحة في الدنيا وفرحة في الآخرة, والآن نعيش فرحة العيد, فهذا العيد جاء بعد الحر والثواب يكون فيه أعظم, وسعد من أدي رمضان في طاعة وبمناسبة هذه الطاعة يكون يوم فرحة وسعادة وسرور وهناء, وخاصة أننا أدينا الفرض كما أمرنا الله عز وجل, وأيضا عيد الأضحي يكون فيه مشقة خلال الحج وبعد هذه المشقة تكون الفرحة أيضا لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: من حج ولم يفسق ولم يرفث عاد كيوم ولدته أمه ونجد دائما أن هناك مكافأة من الله بعد تأدية الفريضة, فعيد الفطر كان بعد فريضة الصوم ولذلك سمي بيوم الجائزة, أي جائزة عن هذه العبادة التي أمرنا الله بها, وسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما قال: يابني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري؟ جاءت الاستجابة من ابنه إسماعيل سريعة دون تفكير, ثم جاء الفدو من السماء وفديناه بذبح عظيم فهذه مكافأة عن الطاعة, فكل من يطيع الله عز وجل تأتي المكافأة عظيمة, فهي الجائزة التي يحصل عليها المطيع من الخالق, والأنبياء حينما صاموا لم يكن لهم عيد بعد الصيام, إلي أن جاء النبي صلي الله عليه وسلم, فكان عيد الفطر بعد شهر رمضان, أما عيد الأضحي فكان من أيام إبراهيم عليه السلام واتبع سيدنا محمد مناسك إبراهيم عليه السلام من سنة الذبيح وتأدية المناسك. وماذا كان فعل النبي, صلي الله عليه وسلم, في العيد؟ وهل تخرج النساء والصبية لصلاة العيد؟ كان النبي, صلي الله عليه وسلم, يبدأ هذا اليوم المبارك بالاغتسال,ثم يلبس المسلم الملابس الجديدة أو النظيفة, أفضل الثياب عند المسلم وكان النبي صلي الله عليه وسلم- يأكل التمرات قبل الذهاب لصلاة العيد حتي يعكس أيام الصيام فيصبح الإفطار لله بعد أن كان الصيام لله, وكان النبي صلي الله عليه وسلم يذهب بعد ذلك يخطب خطبة العيد, وكان يذهب من طريق ويعود من طريق آخر, وتكون صلاة العيد بعد طلوع الشمس, وعقب الصلاة يبدأ النبي في مصافحة كل الصحابة ويقول تقبل الله منا ومنكم ولكن الأهم أن الإنسان قبل أن يذهب إلي أداء صلاة العيد عليه أن يدفع زكاة الفطر, حتي يستفيد بها كل محتاج في هذا اليوم, بل من الأفضل أن تكون ليلة العيد, كما أن هناك من المسلمين من نجده يصلي العيد وينصرف ولا يستمع إلي خطبة الإمام, ولكن أقول لهم أن خطبة العيد يجب استماعها كاملة, وخروج النساء لصلاة العيدين سنة مؤكدة, لكن بشرط أن يخرجن متسترات لا متبرجات, كما يعلم ذلك من الأدلة الأخري, وأما خروج الصبيان المميزين لصلاة العيد والجمعة وغيرهما من الصلوات, فهو أمر معروف ومشروع للأدلة الكثيرة في ذلك. هل يمكن آداء هذه الصلاة في المنزل؟ صلاة العيد سنة مؤكدة ويجب أن يخرج الجميع إلي صلاة العيد في الخلاء والمساجد الكبيرة, فلا يجب أن تصلي هذه الصلاة في المنزل, لأنها صلاة جامعة, وأمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالخروج في صلاة العيدين, سواء عيد الفطر أو عيد الأضحي. ما الذي يجب أن نفعله في العيد من سنن وعبادات؟ العيد يؤلف بيننا, ويكون فيه ترابط وجمع أواصر بين المسلمين وإصلاح بين المتخاصمين, حتي يشعر الناس أننا أمة واحدة وأنه يوحد بيننا, وخيركم من يبدأ بالسلام, ونقف في الصلاة في العيد صفا واحدا, ونتصافح بعد انتهاء الصلاة لتتساقط الذنوب, وهذا التصافح يؤكد أواصر المحبة, والعيد فرصة للتزاور والتلاقي وصلة الأرحام, فلا يوجد في العيد خصومة, لأن الله لا يقبل عمل اثنين متشاحنين فوق ثلاثة أيام, ولا يحل مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة ليالي, يعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما من يبدأ بالسلام, والابتسامة بين الناس واجبة في العيد وتهنئة بعضنا البعض, فلا معارك في العيد ولا عنف ولا تخريب, وتعاون بين الناس وإخاء, وهذا يجعل مجتمعنا متماسكا ومترابطا وقويا, والمجتمعات الأخري يحسدوننا علي هذا العيد. وكيف يكون الترويح عن النفس في يوم الجائزة؟ وهل كان يروح النبي والصحابة عن أنفسهم في هذا اليوم؟ عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار يغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث فقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا الجاريتان كانتا مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم بعاث من الشجاعة والحرب, وكان النبي يوسع في هذا اليوم علي أهل بيته, وكان يزور أصحابه ويزوره أصحابه, ومن هنا نأخذ تبادل الزيارات التي تقوي أواصر المحبة بين المسلمين, ولا بأس في هذا اليوم أن يكون الترويح بالخروج إلي المنتزهات إذا كان هناك وقت لذلك بعد زيارة الأقارب. العدية وكحك العيد, هل هذه عادة أم عبادة ؟ ومن الذي أدخلها في الإسلام؟ العيدية نوع من أنواع التواصل بين الأقارب, فيدفعها الكبار كي يدخلوا بها السرور علي الأحفاد بقدر المستطاع لنشر الحب, وانتشرت في عهد الفاطميين, وكانوا يغدقوا الأموال علي الناس في العيد لاستمالة المصريين وكسب ودهم, وأيضا أدخلوا علي المصريين عمل كعك العيد لإدخال السرور علي الناس بعد قضاء شهر عبادة وتقرب إلي الله بفريضة الصوم, ولكن أيام النبي لم تشهد عمل كعك العيد أو خلافه, والحال تبدل وتغير في هذه الأيام فأصبحنا نعيش في رفاهية, أما صحابة رسول الله كانت حياتهم خشنة, وبيت النبي ثلاثة أشهر لم توقد فيه نار, وفي حديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه كان يمر علي بيت النبوة الهلال تلو الهلال تلو الهلال ولا توقد في بيت النبي نار( بمعني ثلاثة أشهر) فيقول يا خالة ما طعامكم ؟ فتجيبه: الأسودان التمر والماء, ويدخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه- علي النبي صلي الله عليه وسلم, وقد أثر الحصير علي جنبه الشريف, فيبكي عمر متأثرا ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, أنت أحب البشر إلي الله, وملوك فارس والروم تنعم بالوثير والحرير! فقال النبي صلي الله عليه وسلم مصححا لعمر: يا عمر أما ترضي أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة. هذه كانت حياة النبي وصحابته, فما بالك بحالنا اليوم نعيش ومتاح لنا كل الوسائل العجيبة والمريحة. إذا لم تتح لي زيارة الأقارب في العيد في ظروف معينة فهل أكون آثما؟ نري الشوارع اليوم أصبحت مغلقة والطرق مقطوعة, وهذا يعيق الزيارات أحيانا أو نجد تهديدا علي حياتنا, فهذا يكون للإنسان بمثابة حابس فإذا حبسك حابس فلا وزر عليك, بمعني أن أي حابس للإنسان يعوقه عن الزيارة أو التواصل مع الأقارب في العيد فلا وزر علي الإنسان, ولكن هناك وسائل أخري تعتبر في ميزان الحسنات, مثل رسالة الموبايل التي ترسلها لأقاربك في العيد أو التواصل عبر شبكة الإنترنت, أو مكالمة تليفونية, كل هذه وسائل حديثة ومتاحة للجميع ويأخذ الإنسان عليها أجره من الله عز وجل, ولكن لا تتساوي مع السير للمريض, أو السير لصلة الأرحام, ولكن نقول إنها أفضل من أن ينقطع الإنسان عن الناس وينفصل عنهم تماما. ولماذا لا يستشعر كثير من الناس حالة السعادة والرفاهية في شتي مناحي الحياة, ولماذا يفقد العيد بهجته في كثير من الأحيان مقارنة بالماضي؟ السبب الرئيس هو ضعف الإيمان, لأن من أصبح آمنا في سربه معافا في بدنه وعنده قوت يومه, حيزت له الدنيا بحذافيرها ولكن الناس لا تسمع ولا تري, وعلينا أن نعود إلي الله ونعلم أن الدنيا زائلة, وحينما يدب الإيمان في القلب يعرف الإنسان أنه في نعمة من الله, وآية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان, وسئل النبي أن المؤمن ربما يكون جبانا أو بخيلا, ولكن لا يكون كذابا, فالكذب هو سبب عدم الإيمان. نري الزوجة تثقل علي زوجها في العيد, ربما بملابس الأطفال الجديدة أو عمل كعك العيد أو مصاريف العيد ومتطلباته, فبماذا تنصح هذه الزوجة نحو زوجها في ظل هذه الظروف الصعبة؟ من المعلوم أن الزوجة شريكة لزوجها وأخذنا منكم ميثاقا غليظا وهناك شراكة, وهي الوحيدة التي تعرف ظروف زوجها المادية, وتشاركه في السراء والضراء, ولا يجب عليها أن تكلفه أبدا فوق طاقته, لأن هذه المشكلة ستكون سببا في تشريد الأطفال وتؤدي إلي الطلاق, وهناك رجال يتحملون كل ذلك وربما يستدين بسبب زوجته, ولكن هناك طاقة تختلف من رجل إلي آخر, فربما يخرج الرجل عن شعوره ويطلق زوجته, أو يشرد أطفاله, فالزوجة العاقلة هي التي تعرف كيف تمر بالسفينة دون افتعال المشاكل المادية مع زوجها, ولاتكلفه فوق طاقته. وهل تكون الزوجة آثمة حينما تكلف زوجها فوق طاقته ؟ نعم هذه الزوجة تكون آثمة أمام الله عز وجل, لأنها أدري الناس بحال زوجها, وكانت الزوجة في السلف الصالح تشجع زوجها للتواصل مع الله وألا يرتكب خطيئة أو أن يأتي بمال حرام, لأن هذه المرأة هي عمود البيت وأيضا أقول أن المرأة ترمومتر في البيت وتعرف كيف تسير الأمور سواء بأقل المصاريف أو بأكثرها, فحينما تفتعل هذه الأمور تكون عن قصد أو أنها أقل ذكاء عن غيرها من النساء, وعن النبي صلي الله عليه وسلم قال: خير ما يكنزه الرجل المرأة الصالحة فإذا نظر إليها سرته, وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله حديث صحيح نري في بعض القري المصرية زيارة القبور شيئا معتادا بعد صلاة العيد فماذا تقول عن هذه الظاهرة؟ زيارة القبور أي وقت, فإذا ضاقت بكم الصدور فعليكم بزيارة القبور, ولكن ليس في أول أيام العيد, وهذه عادة ذميمة ولا ينبغي في يوم الفرح ويوم الجائزة أن نقلب هذا اليوم إلي يوم حزن, وخاصة أن هذا الأمر لم يوص به النبي ولم ينزل الله به من سلطان, فالعيد يوم فرح وسرور وليس لزيارة القبور. وفي أول أيام العيد يجب علينا التزاور وزيارة المرضي والمحتاجين وإدخال السرور علي الأطفال وعلينا أن نشعر كل الفئات الضعيفة في المجتمع أنهم أعضاء فاعلون في هذا المجتمع وليسوا منفصلين عن هذا المجتمع, وهذا العيد علينا أن نتوحد ونتصالح ويقول الله عز وجل إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون, ويقول أيضا واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا فنحن أخوة نتجاوز ونعفو ونصفح ولا يقاتل بعضنا بعضا ونعامل بعضنا البعض بالحسني وهذا يؤكد معني العيد. ما الرسالة التي توجهها للشعب المصري في هذا العيد كي تطمئنه علي حياته ومستقبله؟ أقول لهم إن هذا الشقاق الذي يدور لا يستفيد منه سوي أعداء مصر, وستخسر مصر كثيرا بهذا الشقاق الذي قسمها إلي فرق وجماعات وطوائف تتقاتل من أجل أعراض الدنيا الزائلة, ليتنا نعود إلي ديننا ونحتكم إليه فيما ينبغي أن نكون عليه من ترابط وتحابب وتعاون ولا يؤذي بعضنا بعضا, ولا يخوف بعضنا بعض, ولا يفزع بعضنا البعض, ولا يروع بعضنا البعض, وإنما تظل مصر الموحدة ومصر الذي نشرت الإسلام في ربوع الأرض, هي أول بلاد الله بتطبيق الإسلام, وأخيرا.. ليت قومي يعلمون.