فجأة تحولت مصر إلي ساحة حرب.. ضحايا يسقطون برصاصات الغدر.. عمليات التحريض لا تزال مستمرة.... كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة والبنادق الآلية تسقط يوميا في قبضة الجيش والشرطة وحرس الحدود.. مسلحون يطلقون الرصاص الحي علي كمائن الجيش والشرطة بلا هوادة فيقتلون ويصيبون الكثيرين! الموقف جد خطير.. والمواجهة مازالت مستمرة... بهدف الضرب علي يد العابثين بأمن البلاد, والمتسببين في عدم استقراره. والسؤال الآن: ما اسباب العنف الذي تتبناه بعض التيارات المتطرفة ؟.. وما دوافعه.. وسبل مواجهته؟ الإرهاب كما تقول الدكتورة سوسن فايد مستشار علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- هو ممارسة العنف أو التهديد به بغرض سياسي للتأثير علي هيبة الدولة, وهو ما عاني منه المجمتع المصري خلال العقود الثلاثة الماضية ولا يزال-, مما أثر علي الاستقرار الاقتصادي, وبرامج التنمية, والأمن الاجتماعي, فضلا عن إيجاد حالة من عدم استقرار في الداخل. وقد كشفت الدراسة التي أجرتها الدكتورة سوسن فايد علي عينة عمدية من50 عضوا لقيادات وأعضاء الجماعة الإسلامية المفرج عنهم, بواقع10 أعضاء لكل محافظة من المحافظات التالية: القاهرة- الجيزةالقليوبية حيث كانت المحافظات الثلاث أهم موطن حوادث الإرهاب, كما تم اختيار محافظتين بالصعيد هما المنيا واسيوط حيث تمثلان الموطن الأصلي للنسبة الأعلي من أعضاء الجماعة- أن الظروف النفسية والاجتماعية قد هيأت لهؤلاء الانضمام إلي الجماعة, وأن العنف والإرهاب له دوافع مرتبطة بمثيرات وضواغط نفسية واجتماعية تؤدي إلي حالة من عدم التوازن بين المطالب المفروضة علي الفرد من قبل بيئته الاجتماعية وقدرته علي التصدي لهذه المطالب.. وقد أسفر التحليل النفسي والاجتماعي عن عدة نتائج منها: أن الحرمان من رعاية الأبوين أو كليهما في سن مبكرة, جعل من الجماعة البديل الراعي الذي يقدم لهم الحماية, والإشباعات, ويوفرلهم حلولا للمشكلات, فضلا عن استعادة نوع من الأمان والاستقرار النفسي النسبي.. وفي هذا الصدد يعترف أحد أعضاء الجماعة قائلا: وفاة والدي وعمل والدتي معظم الوقت أتاح لي الفرصة للتعرف علي الجماعة والإعجاب بها, والانضمام إليها. وبشكل عام- كما جاء بالدراسة- فإن العنف والإرهاب, قد يكون مدفوعا بأشياء أخري مختلفة عن الشكل الظاهر تماما, فقد يكون العضو قد وقع تحت تأثير معاناة مادية أو اجتماعية أو سياسية شديدة, أو فشل في تحقيق ما يريد علي المستوي الشخصي, لذلك يقوم بتحويل القضية الشخصية إلي قضية عامة, مما يعطي لمعاناته ومحاولاته معني أكبر يخفف ألم الإحباط الشخصي الذي يشعر به, وفي ذات الوقت لا يجد نفسه وحيدا في هذه الأزمة, وجاء في شهادة أحد أعضاء الجماعة الإسلامية ممن شملتهم الدارسة- قوله لقد انضممت للجماعة حلا لمشكلات اقتصادية وأهمها البطالة!! التعليم والإرهاب وأكد أعضاء الجماعة الاسلامية الذين خضعوا للدراسة أن التعليم الوهمي لا يحقق الغرض منه, لإعداد إنسان قادر علي التفكير السليم, وإيجاد حلول وبدائل سلمية للمشكلات, كما أن الإعلام مستفز, ويعلم العنف, وبهذا فهو غير مدروس حيث يحفز الضغوط بدلا من تهدئتها, كما أكدوا أن الحاجة إلي الإطلاع علي الدين موجودة, ولم تشبع بتأصيل روح الدين, وهناك نقص للتنشئة الدينية علي مستوي الأسرة أو المدرسة, وحتي المساجد, حيث أثبتت التجربة أن الجماعة وقعت في أخطاء جسام في الفهم الصحيح لتعاليم الدين, نتيجة التقصير في المناهج الدراسية, والنظم الساسية والإعلامية, تم اكتشافها مع المراجعات, ثم أشارت عينة من الدراسة بالإجماع إلي أنهم لم يجدوا فرصة للمشاركة السياسية أو إقامة حوار للتعبير عن مشكلاتهم أو متطلباتهم بشكل منظم وآمن يقلل من فرص اللجوء إلي الانضمام إلي جماعة للتعبير عن أنفسهم بالعنف والأعمال الإرهابية. ومن ثم, فإن افتقار العملية التعليمية إلي سياسة تهدف إلي بناء شخصية واعية تتسم بإعمال العقل, وتتضرع بقيم إيجابية مستمدة من الفهم الصحيح للدين, مما يهييء لتشكيل شباب غير قادر علي التمييز والحماية, والرفض, ويسهل اجتذابة من مناطق ضعفه, وهو ما جعل الجماعة الإسلامية- علي حد قولهم- مصدرا لتعويض الإشباعات النفسية والاجتماعية. غياب العدالة الاجتماعية وجاء في دراسة الدكتورة سوسن فايد إن غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات والدخول والخدمات واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية يعمق الشعور بالظلم, ويؤكد الشعور بإهدار الحقوق, مما يجعل من الانتقام هدفا, كما يقود إلي الممارسات العنيفة, كما أن الاغتراب, والبطالة, والشعور بعدم الرضا, كلها مقدمات تمهيدية لأعمال العنف والارهاب في المجتمعات التي تمر بعملية تحديث, يضاف إلي ذلك أن الأمية لها تأثير في تكوين وإعداد شخصية الأبناء, وتزيد من احتمالية عدم القدرة علي التكيف مع المحيط البيئي, وسوء معالجة المشكلات, مما يهيء لتحويل الخبرات السيئة بالبيئة للميل للانتقام نتيجة الحرمان والرفض. تراجع المؤسسات الدينية ولاشك أن نقص الثقافة الدينية من أهم الظروف التي يتم فيها تجنيد الشباب صغار السن في هذه الجماعات الإرهابية, بالإضافة إلي استغلال الظرف الاقتصادي, وتدني مستوي التعليم, والتناقضات الثقافية, وغياب المشاركة السياسية, وفي ظل هذه الظروف يتم التأثير عليهم وتجنيدهم, وتكوين ثقافاتهم من مجموعة تفسيرات خارجة علي الدين, وتستند إلي تفسير مشوه يقدمه بعض الذين يتصدون للدعوة الإسلامية من أعلي المنابر علي أنه الدين الصحيح.. وكانت مشكلة الأمية الدينية نتيجة غياب سياسة مدروسة من قبل وزارة الأوقاف والأزهرلإعداد دعاة قادرين علي طرح الخطاب الديني السليم, ومتابعة دور المساجد وتقييمه باستمرار, ناهيك عن التفسيرات المغلوطة لبعض قادة الجماعات الإسلامية, وبعض الكتابات الدينية والسياسية السطحية التي تضم مجموعة من التفسيرات الخارجة علي أصول الدين وإجماع أئمة المسلمين وجمهور الفقهاء, وهي حاشدة بكل الأفكار المهجورة في تاريخ الفقه الإسلامي, ولا يخلو كتاب من كتب الأئمة العظام من نقد لهامع اعتبارها تفسيرات ضالة تخالف الشرع الحنيف, وهي تفسيرات تقوم في مجملها علي منهج حماسي ومتمرد حتي يسهل التأثير بها علي هؤلاء الشباب الذين أدركوا الحقيقة بعد المراجعات الفقهية. الإرهاب السياسي وعلي الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحدا كما يقول الدكتور عادل عامر الخبير بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية فإن أشكاله وأدواته وتكتيكاته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن..وتلعب العوامل الاقتصادية دورا مهما في توجيه سلوك الإرهاب عند الناس والمجتمعات البشرية فالحاجة الاقتصادية لا يشبعها أي بديل محتمل وكثرة المشكلات الاقتصادية تؤدي حتما إلي تدمير الحضارة وأسس البناء الاجتماعي, وتترك آثارها علي عامة أبناء المجتمع فالبناء الاقتصادي يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة, فإذا كانت مشبعة اقتصاديا أحدثت التماسك والترابط الاجتماعي وان كانت عكس ذلك ولدت السلوك العدائي والعنف. وتعود الأسباب الفكرية للإرهاب والعنف والتطرف كما يقول رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية في أغلبها إلي معاناة العالم الإسلامي اليوم من انقسامات فكرية حادة, بين تيارات مختلفة. فمن تيار علماني يدعو إلي بناء الحياة علي أساس مفاهيم حداثية دنيوية وغير مرتبطة بالأصول الشرعية, ولا بالتقاليد والعادات والموروثات الاجتماعية الأصيلة, إلي تيار متعصب منغلق يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري, ومن الأسباب الفكرية الأخري تشويه صورة الإسلام والمسلمين وضآلة الاهتمام بالتفكير الناقد والحوار البناء من قبل المربين والمؤسسات التربوية والإعلامية وسوء الفهم والتفسير الخاطئ لأمور الشرع والدين. والمشكلة أن الجيل الحالي يفتقد العمق الثقافي وشحن العقول بأفكار متطرفة. ويجب أن يعلم الجميع أن جماعة الإخوان جماعة سياسية, وليست جماعة دينية, كما أن الفكر الإخواني يعتمد علي الانتهازية السياسية, يضاف إلي ذلك أن الاخوان مستمرون في مغازلة الجماعات الإرهابية, أو الصمت علي جرائمها, ومع ذلك يحاولون الظهور بمظهر الاعتدال, وهو تناقض ما بعده تناقض. ويبدو ذلك جليا من ممارسات تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية, وتصدرهما المشهد السياسي الحالي وإلقائهم البيانات التي يعدونها سويا وإلقائهما لأجهزة الإعلام المختلفة. والجماعة تستخدم أسلوب المواجهة كما يقول الدكتور عادل عامر لتحقيق أهداف سياسية, سواء كانت المواجهة داخلية, بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها, أو كانت خارجية بين الدول. لإرغام دولة أو جماعة سياسية علي اتخاذ قرار أو تعديله أو تحريره, مما يؤثر في حرية القرار السياسي لدي الخصوم. وهذا نوع من القهر للآخرين بغية تحقيق غاية معينة, وهي وسيلة تلجأ إليها بعض الحركات الثورية, كما تستخدمها بعض الحكومات وهيئات المعارضة علي حد سواء. وقد تلجأ بعض الجماعات والحركات الثورية إلي العنف والإرهاب لفك الحصار الذي تضربه حولها بعض الحكومات التي تحتكر العنف القانوني. ولا شك أن الفشل في مواجهة الإرهاب هذه المرة والكلام مازال للدكتورعادل عامر- لا ينذر فقط بمزيد من النمو السرطاني للإرهاب في سيناء فحسب, بل ينذر بامتداده لمناطق أخري في مصر, خاصة في ظل التماثل الكبير بين الخطاب الديني في سيناء وفي بقية البلاد,وفي ظل نزوع بعض الأطراف السياسية لدفن الرأس في الرمال, بإلقاء مسئولية العملية الإرهابية الأخيرة علي أطراف خارجية! القانون هو الحل ولمن لا يتذكر, فإنه قد صدر تعديل لقانون العقوبات والإجراءت الجنائية برقم97 لسنة1992 تحت مسمي قانون الإرهاب وقد تضمن في إحدي مواده تعريف الإرهاب, وقد جاء في المادة رقم86 يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع, يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي, بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر, إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو بالمواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح.. أما المادة86 مكرر فتنص علي أنه يعاقب بالسجن كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار علي خلاف أحكام القانون جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلي تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدي مؤسسات الدولة أو إحدي السلطات العامة من ممارسة أعمالها.