في وطني مصر قام كثير من السياسيين والنشطاء والقيادات والنخب الموجودين الآن في المشهد السياسي بالإضافة إلي بعض منابر الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي بالتلاعب بمشاعر المواطنين. حيث نجد ان التيارات والأحزاب المختلفة حينما تتصارع مع بعضها البعض لا توجه اتهامات بالفساد او الإهمال او الخطأ او التقصير, لا تتحدث عن عيوب البرنامج الاقتصادي او ضعف السياسة الخارجية او بطء عمليات التنمية.. الخ. كما هو الحال في كل الدول الأخري. وإنما تقوم بتوجيه احد الاتهامين لخصومهم اما الكفر او الخيانة وربما كلاهما معا, لأنهم يعلمون جيدا مدي تأثير ذلك علي الشعب المصري. فالمصري إذا غضب من الفساد او الفشل تكون غضبته محدودة, اما الغضب من الكفر او الخيانة فهو غضب لا حد له. ان هذه الاتهامات في غالبها غير مؤكدة وغير منطقية من الاساس, لكنها دوما هي الطريق الاسهل. فإن كل تيار لا يكلف نفسه عناء النقد الموضوعي البناء بل يلجأ الي اسرع الطرق التي تضمن له ضرب خصمه( السياسي) وهي تخوينه واثبات انه عميل خائن للوطن المقدس!... لمصر الحبيبة!... للارض الغالية!, او تكفيره واثبات انه يتهكم علي دين الله!.. او يتجرأ علي رسوله الكريم!... او انه يبغض تطبيق الشريعة الغراء! الكل لا يريد ان ينازل خصمه السياسي بنبل وشرف بل يريد ان يشيطنه فذلك طريق سريع ومضمون ومحسوم النتيجة لدي المصريين الذين يحملون في جيناتهم عبر آلاف السنين مكونين اساسيين: الدين والوطن. فيما يخص التكفير فهو اتهام قديم لطالما استخدمته بعض الجماعات الاسلامية في صراعها مع خصومها وما زالت تستخدمه حتي هذه اللحظة. اما الاتهام الاكثر حداثة وهو( الخيانة للوطن), فهو اتهام جديد اصبح يستخدمه الجميع, فنحن في مصر نمر بمنعطف خطير, حيث وصلت الاتهامات المتبادلة بالخيانة وانعدام الوطنية ذروتها, حتي لم يبق لدينا تيار او حزب او مؤسسة او شخصية عامة الا وقد تم اتهامها بهذا الاتهام. ان الوطن يعني الارض التي تسكنها أمة يشعر المرء بانتمائه اليها. إذن فمصر هي تلك المساحة الجغرافية الموجودة منذ آلاف السنين, بالإضافة إلي الشعب الذي يسكن هذه المساحة من الارض. واذا كانت الوطنية هي حب هذا الوطن والذود عنه والعمل لأن يكون الافضل والاجمل من بين اوطان العالم, اذنفإن الوطنية تعني حب هذه الارض بشعبها واهلها. والحقيقة تقول ان الاخوان والسلفيين والفلول والناصريين والليبراليين وانصار الحرية والعدالة وانصار الجبهة وانصار التيار الشعبي وانصار النظام السابق والذين لا ينتمون لاي تيار جميعهم مواطنون وجميعهم مصريون. ان القضية هي انتماءات سياسية وأيديولوجيات قد تتبدل وتختلف من مرحلة لاخري, الامر ليس خروجا عن الملة او ردة ولا هو خيانة للوطن, لان الوطن اكبر من اي ايديولوجية واشمل من اي تيار سياسي او فكري, الوطن هو كيان اوسع بكثير وحق لكل المصريين بكل اختلافاتهم الدينية والفكرية والسياسية, ولا يحق لاي احد او اي كيان او تيار ان يصف اي فصيل بأنه خائن للوطن. اذن الوطنية الصحيحة هي ان تختلف مع اي منهم او تعتبر ايا منهم فاسدا او مخطئا او تنتخب تيارا وترفض انتخاب الآخر, لكن في النهاية تتقبل فكرة انهم كلهم مصريون وان الوطن لا يكتمل الا بالجميع. وان وطنيتك انت الناقصة اذا ما اردت وطنا خاليا من اي فريق منهم لانك تبغضه او تختلف معه. ان المجتمع المصري يكاد ينفجر داخليا من حالة الشحن والاستقطاب, ان أصوات التخوين ارتفعت حتي ملأت الاذان والعقول وهو امر خطير للغاية. حتي وان قام وسيط بنزع فتيل الازمة بين الاطراف السياسية المتصارعة. يبقي السؤال كيف يتم انتزاع حالة الشحن والاستقطاب والعنف التي اجتاحت مجتمعا بأكمله, حتي وان هدأت الاحداث السياسية كيف سيتعافي المجتمع من تلك الأمراض التي انتشرت به؟ كيف سيكف المصريون عن تبادل اتهامات الكفر والخيانة؟ كيف سيتعلم هذا الشعب قبول الآخر؟ اعتقد اننا في حاجة ماسة الي حلول تتخطي الحلول السياسية والامنية والقانونية لتصل الي حلول اجتماعية وثقافية تخاطب المجتمع نفسه وتعمل علي تغيير هذه القيم السلبية والمفاهيم المغلوطة من خلال عمل منظمات المجتمع المدني ومنظومة التعليم وكذلك ايضا الفن. ربما كان من الافضل ان يكون في مصر مجتمع يدرك المعني الحقيقي للوطنية والقيم الصحيحة للديمقراطية وقبول الآخر قبل ان يقوم بثورة ضد فساد نظام مبارك, لاننا منذ تلك الثورة عالقون في نقطة لم نستطع الخروج منها وبالطبع لم نستطع ان نصلح ما افسده النظام السابق او نحقق ايا من الاهداف التي من اجلها ثار الملايين, وذلك لاننا ما زلنا مجتمعا مأزوما لم يحدد تعريفا واضحا لمفاهيم اساسية مثل الوطنية والديمقراطية. لمزيد من مقالات امل مختار