غريب أن تجمع الحقائق مابين ثورتي يوليو1952 ويناير2011 والأغراب ان يجمع بينهما الحرائق أيضا.. فكلتا الثورتين شهدت اكثر من حريق.. ولكن شتان مابين حريق وحريق.. حيث جاء حريق القاهرة في26 يناير52 ليجمع بين كونه نهاية, وبداية نهاية ل( مائة يوم خالدة) في تاريخ النضال الوطني ضد الإنجليز وبداية للدوران السريع لعجلة ثورة يوليو52 وكانت المائة يوم الخالدة قد بدأت ايضا بحريق.. عندما خرج طلاب المدرستين الثانوية والإعدادية بالإسماعيلية في مظاهرة حاشدة ضد الاحتلال الإنجليزي.. وسارت هذه المظاهرة إلي ميدان المحطة.. وقام الطلاب بحرق مبني( النافي) أكبر متجر إنجليزي للمواد الغذائية وتوالت الأحداث الساخنة في الصراع مابين الفدائيين والقوي الوطنية ضد الإنجليز.. الذين عجزوا عن مواجهة هذا الطوفان المصري.. فارتكبوا مذبحة يلوكات النظام ضد البوليس المصري بالإسماعيلية يوم25 يناير..52 وفي اليوم التالي حدث حريق القاهرة. وإذا ماتأملنا هذا السيناريو لوجدنا أنه يتطابق شكلا مع ماحدث في ثورة يناير2011 حيث بدأت الاحداث بحرق مبني الحزب الوطني يوم الجمعة28 يناير.. وامتزجت الثورة بالفوضي ليتم حرق المجمع العلمي يوم الجمعة16 ديسمبر.. ورغم هذا التطابق الشكلي فإن حرائق الثورتين يمكن أن تضعنا أمام الحقائق الآتية: أولا: يمكن أن نري في مبني( النافي) بالإسماعيلية.. والمبني الرئيسي للحزب الوطني بالقاهرة رمزا للفساد والإفساد وتجسيدا للظلم والقهر مما يجعلنا نؤيد أو نتعاطف أو نصمت علي قرار الثوار بحرق هذين الرمزين.. كإعلان لأهداف الثورة في التحرر والتغيير. ثانيا: رغم ان التاريخ حتي الآن لم يحسم كل أبعاد مؤامرة حرق القاهرة في26 يناير..52 فإن المؤكد أن مرتكبي هذه الجريمة هم( أعداء الوطن) وفي نفس السياق فإن مرتكبي جريمة حرق المجمع العلمي لن يكونوا إلا( أعداء الوطن). ثالثا: كان حريق النافي بالإسماعيلية بداية النهاية للوجود الإنجليزي في مصر.. كما كان حريق القاهرة في يناير52 نهاية لكل سيئات وسوءات الفساد في مصر الملكية وذلك بعد اكتمال كل ملامح ثورة يوليو.. وبالمثل فقد كان حريق مبني الحزب الوطني بداية النهاية للنظام الفاسد للرئيس السابق حسني مبارك.. ولكن عملية حرق المجمع العلمي ستظل دوما خطيئة تطارد كل من شارك فيها.. وتضع في عنقه سلاسل الذل وأكاليل العار. رابعا: تتطابق الأوضاع في1952 و2011 شكليا في أن القيادة والريادة كانت في يد العسكر ولكن عسكر52 يختلفون كثيرا عن عسكر..2011 فتنظيم الضباط الاحرار بقيادة جمال عبدالناصر هو الذي خطط ونفذ ثورة يوليو.. ليتحول بعدها الي مجلس قيادة الثورة الذي تولي الحكم فعليا.. أما المجلس الأعلي للقوات المسلحة فلم يخطط لثورة يناير.. ولكن يحسب له أنه قد حمي هذه الثورة ولم يفكر أبدا في وأدها.. وهناك أيضا العديد من الاختلافات بين العسكر هنا وهناك.. فعسكر52 كانوا شبابا تاريخهم أمامهم فسعوا بكل الجهد إلي صناعة هذا التاريخ.. أما عسكر2011 فتاريخهم خلفهم ولذلك يسعون الي الحفاظ علي هذا التاريخ.. ومن هنا يأتي الاختلاف في الإيقاع وفي سرعة الانجاز.. وفي الرغبة في التغيير وصناعة المستقبل. خامسا: لأن ثوار52 هم الذي خططوا وهم الذين نفذوا الثورة وهم الذين حكموا بعد ذلك.. فقد استطاعوا الحفاظ علي مايمكن ان نطلق عليه( النقاء الثوري).. والأهم أنهم استطاعوا كبح جماح كل شياطين الماضي الفاسد.. وذلك من خلال القدرة علي الانجاز والانحياز لمصلحة الغالبية العظمي من الناس.. أما في ثورة يناير..2011 فالذين خططوا غير الذين نفذوا.. غير الذين سيحكمون.. ولذلك كثيرا مايفلت الزمام من أيديهم.. مما جعل الفوضي تصارع الثورة.. وتكاد في أحيان كثيرة ان تصرعها.. ولولا حلاوة الهواء النقي للحرية والديمقراطية لاستسلم غالبية المصريين للفوضي وأشباح الماضي البغيض.. ورغم ان تلك الأغلبية تعض علي الثورة بالنواجذ.. إلا أننا أصبحنا بين اختيارين فإما أن نجعل حريق المجمع العلمي لاقدر الله بداية لحرائق أخري تحرق عقل ووجدان مصر.. وإما أن نجعل منه نقطة فاصلة مثلما حدث بعد حريق القاهرة في يناير..52 بما يعني أن يتحول حريق المجمع العلمي إلي نهاية وبداية.. نهاية لكل مظاهر الفوضي والفساد وبداية لميلاد مصر الجديدة التي تطأ مشعل الحرائق والفتن وتحتضن حاملي مشاعل الابداع والتنوير. والخلاصة اننا يجب ان نمنع الحرائق من التهام الحقائق وأن نسعي لمساعدة الحقائق علي إطفاء الحرائق.