انشغالات الحياة.. وصراعات العمل والمال والولد.. ومغريات عالم كبير من الفتن, تضع علي أكتافنا كل يوم أثقالا تزيد أو تقل وأخطاء نرتكبها, قاصدين أو جاهلين وربما غافلين, فنصبح أو نمسي مذنبين, ولكننا نظل مسلمين لا يغلق في وجوههم باب توبة, ولا يمنعهم شيء عن العودة إلي رب العالمين. مهما كانت فترة ابتعادك كن مطمئنا, فلن يتم استقبالك بغضب أو سخط بل ستجد ربك فرحا بعودتك, وبمجرد أن تأتيه' مشيا' يأتيك هو' هرولة' تقف بين يديه وسيقبلك بدون أعذار, يكفيه أنك عائد بصدق ودون تأخير أو انتظار, ومهما أسرفت علي نفسك فهو يبشرك بأنه يغفر الذنوب جميعا وبالتالي فلا مبرر لأن تقنط من رحمته أو تخاف. وإذا كنت تشعر بالخجل لأنك أخطأت, فها هو النبي الكريم صلي الله عليه وسلم يرفع عنك الحرج ويقول:( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) حتي لو لم يكن ذنبك صغيرا وكان فاحشة أوكبيرة, فالقرآن الكريم وصف لك العلاج:' والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم' بل ان هناك وعدا رائعا بتبديل السيئات حسنات, ولكن لكي يحدث هذا كله هناك شرط واحد فقط ألا وهو أن تكون التوبة' نصوحة' والتي قال ابن مسعود في معناها:( يتوب ثم لا يعود) وقال ابن كثير:( توبة صادقة جازمة تمحو ماقبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات) وقال الحسن:( أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا تذكرته) والتوبة لها أيضا قواعد قال عنها الإمام النووي: إذا كانت المعصية بين العبد وربه فقط فلها ثلاثة شروط: أولها: أن يقلع عن المعصية وثانيها أن يندم علي فعلها, وثالثها: أن يعزم علي ألا يعود لمثلها أبدا أما إذا كانت المعصية تتعلق بآدمي فيضاف شرط رابع وهو أن يبرأ التائب أولا من حقوق صاحبه سواء مال أو ظلم أو غيبة. تستطيع إذن أن تتوب في كل لحظة وفي أي وقت, يخبرنا نبينا صلي الله عليه وسلم:( ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله عز وجل لغفر له) ويمكنك أن تجعل البداية مع شهر الصيام ولكن لا تؤخرها أكثر من ذلك, فلا أحد يدري متي ترفع الأقلام, فإن التوبة تظل مقبولة مالم' يغرغر' العبد أي تبلغ الروح الحلقوم, فلن تنفعك أي توبة عندما يأتيك الاحتضار.. ولا تستمع لنفس أو شيطان يهون من الذنب, ويشجعك علي التأجيل ومواصلة الاجتراء, واعلم أن' الصغيرة' تكبر مع المواظبة والإصرار, وكان بلال بن سعد يقول: لا تنظر إلي صغر الخطيئة ولكن انظر إلي عظم من عصيت. وآثار الذنوب والمعاصي خطيرة فإن ظلامها كما قال الإمام مالك يطفئ نور القلب, وكما قال الحسن البصري: أنها سبب لهوان العبد علي ربه أما عبدالله بن عباس فقال: إن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق, كما أن الذنوب بعد الذنوب تطبع صدأ علي القلوب. واعلم أيها المسلم العائد أن هناك عدوا لنا بالمرصاد قال للخالق: يارب.. وعزتك لأزال أغوي بني آدم مادامت أرواحهم في أجسادهم, ولكننا سنظل نتوب ونستغفر طمعا في رد رب العالمين علي إبليس اللعين: وعزتي وجلالي لأزال أغفر لهم ما استغفروني..