المصريون أعظم شعوب الأرض تدينا.. يتمتعون بالشهامة والمروءة و'الجدعنة'.. يتحلون في جل مواقفهم بالشجاعة.. يرضون بلقيمات قليلة تحفظ كبرياءهم, وتغنيهم عن كنوز الدنيا إذا أريد بها خدش كرامتهم. شواهد التاريخ وحقائق الجغرافيا تنطق بالحق: إنهم أمة واحدة.. لا يفرقهم اعتقاد أو لون أو جنس أو مال أو منصب.. قوتهم في وحدتهم.. عزتهم في تماسكهم.. عصمتهم في إيمانهم بقدرتهم علي مواجهة الصعاب.. تقدمهم ينطلق دائما من أمنهم واستقرارهم. فلماذا انقلب بعضهم علي بعض.. الكل يهدد الكل.. والجميع يتوعد الجميع.. وقليلون يطلقون صيحات التحذير والاستغاثة..' يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة'. ويرفض البعض الانصياع لصوت العقل, ويأبي إلا أن يؤججها نارا التهمت عشرات القتلي, وتركت آثارها التعجيزية علي مئات الجرحي من أبناء هذا الشعب المكافح الصبور. ومن هم هؤلاء الذين يظهرون بيننا حاملين أعلاما غير أعلامنا؟.. إذا كانوا دخلاء علينا غرباء عنا فلسنا في حاجة إلي جهودهم أو حتي تعاطفهم, وإذا كانوا يحملون جنسيتنا المصرية فالمصيبة أعظم. هذه لقطات الفضائيات تفضحهم علي مدي الساعة.. تكشف قسوتهم وتجبرهم وبطشهم.. دماء طاهرة تسيل بغزارة في أماكن شتي.. إنهم يتفننون في القتل.. فهذا يلقي حتفه مطعونا بسلاح أبيض.. وآخر بالخرطوش.. وثالث بطلق ناري.. ورابع بإلقائه من أعلي.. وخامس وسادس وسابع, وعشرات.. وفي غيبة الحياء يخرج علينا من يزعمون أن ذلك كله من أجل مصر, ولرفع راية الإسلام. فأي راية تلك التي لا ترتفع إلا بعد تلطيخها بالدماء؟ وأي راية تلك التي لا تخفق يمنة ويسرة إلا بالقتل وإزهاق الأرواح؟ إنها أي راية إلا أن تكون راية الإسلام!. وأي أناس هؤلاء الذين يصرون علي شق صفوف المصريين وتمزيق مجتمعهم وتفريقهم وغرس العداوة بينهم.. احذروهم..' قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر'. وأي كرسي هذا الذي لا يعوضه إلا أن تسيل دماء المصريين أنهارا, وتتهدم بيوتهم أحجارا, وتضيع أجيالهم أعمارا؟.. أي كرسي هذا الذي من أجله تشتعل مصر شتما وسبابا.. تخويفا وإرعابا.. تخوينا وإرهابا؟ دماء المصريين عند ربهم أغلي من كل كرسي.. وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يهتف في البشرية كلها صباح مساء:' لزوال الدنيا أهون علي الله من دم مؤمن'.. ويحذر صلي الله عليه وسلم من الوقوع في جريمة التحريض علي القتل, فيقول:' من أعان علي قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله وهو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله'. وفي كلمات واضحة محددة لا تحتمل التأويل أعلنها رسول الله للجميع:' كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه'. ومما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأي رسول اللهصلي الله عليه وسلميطوف بالكعبة, ويقول:' ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيدهلحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه..'. والإسلام ليس باحثا عن الدماء, وإنما هو دين أمان وتعاون وتعارف وتكامل..' يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..'.. وجعل الإسلام السلام هو الأصل والأساس لجميع العلاقات في المجتمع.. قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة'. وأبرز القرآن أن السلام وليس السلاح هو التحية التي يتبادلها الناس..' فإذا دخلتم بيوتا فسلموا علي أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة'.. وجعل الإسلام قتل نفس واحدة بغير حق جريمة كبري في حق الإنسانية كلها..' من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا'. فهل يعقل بعد هذا كله أن يصدق عاقل أن قتل إنسان مصري بسيط خرج يطلب حقه في كسرة خبز, وشربة ماء, ونسمة هواء, وحياة كريمة يمكن أن يكون طريقا إلي الجنة؟.القرآن الكريم يجيب عن هذا التساؤل بتحذير شديد.. بتهديد ووعيد.. يؤكد أنه لا مكان لقاتل في الجنة..' ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما'. إن المصريين الذين أبهروا العالم كله بثورتهم, وأسمعوا العالم' نشيد السلمية' مطالبون بشديد الحذر.. عليهم أن يكفوا فورا عن التناحر.. لا تشاركوا في تنفيذ مخططات أعدائكم الذين قضوا سنوات طويلة في محاولات شيطانية للوقيعة بينكم, وفشلوا. إنهم ينتظرون منكم اليوم أن تنفذوا أنتم في أيام معدودات ما أخفقوا هم في تحقيقه قرونا طويلة.. فاخذلوهم وافضحوا سوء ضمائرهم, ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم. واجب المصريين جميعا أن يحموا شباب مصر الأبرار من دوامة العنف التي تحاول كسر شوكته وإضعافه لحساب الأعداء الحقيقيين المتربصين بنا من كل جانب. أعيدوهم سالمين إلي أهلهم في شتي ربوع الوطن, فمصر الحاضر والمستقبل في أشد الحاجة إليهم.. قولوا لهم إن العمل والإنتاج والعلم والتقدم والوحدة والمحبة فرائض دينية, وأنه ليس صحيحا أبدا أن قتل المصري لأخيه المصري طريق إلي الجنة. فالاستشهاد في سبيل الله عز وجل له ميادين أخري ليس من بينها بأي حال خروج أحدهم عاقدا النية والعزم علي قتل أخيه المصري في مظاهرة. لمزيد من مقالات محمد الدسوقى