بنبرات صوت هادئة بعيدة عن الصراخ والخطب البلاغية التي اعتدنا سماعها منذ أكثر من عام, جاءت; كلمات الفريق أول عبدالفتاح السيسي مدوية ومعبرة لتخترق قلوبنا بقوة محطمة حواجز الخوف الذي تملكنا بعد أن أصبحنا نعيش مهددين فوق أرضنا. لقد خرجت دولة بكاملها من الأسر في أول انقلاب شعبي ديمقراطي يسانده جيشه الذي لم يستطع ان يصم آذانه عن آهات شعبه, لقد ألقيت بيانك في وقت كاد شعب مصر المناضل أن يفقد الأمل في حياة آدمية كريمة, ولكن ما يدفعنا دوما للوقوف في وجه الظلم والطغيان هو ايماننا العميق بالله مسلما كان أم مسيحيا, لقد كنا في أمس الحاجة لسماع صوت الجيش في هذا البيان الذي حمل الكثير من المبادئ التي وصفتها بأدبيات القوات المسلحة وعقيدتها وهو ما يعني احترام ارادة الشعب وحمايته من كل معتد أثيم. كما حمل البيان تطمينات فقد تضمن أيضا العديد من الرسائل التحذيرية موجهة لكل من تسول له نفسه اللعب بمستقبل الوطن ومن انصت للبيان يعلم انها مقدمة تبرر لماذا الجيش في شوارع مصر الآن؟ فهو الذي لم يتدخل في السياسة أو في الشأن العام منذ تسليمه للسلطة مع بداية الحكم المدني في مصر, فدوره هو حماية حدود الوطن أن المسئولية الاخلاقية والوطنية والتاريخية الملقاة علي عاتق القوات المسلحة هي التي أعادت الجيش للشأن العام في مصر, فهو حتما لن يقف متفرجا والشعب المصري يصفي بعضه البعض. ولم يأت انحياز الجيش للشعب من فراغ فالقوات المسلحة ملك لكل طوائف الشعب, باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات وسيفرض ارادته, والجيش سيحمي حتما هذه الإرادة فلولا الشعوب لما قامت الأمم فهي ضميرها ووعيها وثباتها في الأرض. ويعد انحياز القوات المسلحة للشعب تعبيرا عن فهمها العميق للدولة, وهو ما يجعل العلاقة بين الجيش والشعب تبادلية فأي اساءة للجيش تعد اساءة لشعب مصر كله. ان ما حدث في مصر خلال عام من حكم الإخوان كان غريبا بكل المقاييس فما كان أحد يتصور أن الشعب المصري صاحب الشخصية المتميزة بنسيجه الأصيل الذي اتسع لكل الحضارات والاديان والطوائف علي مرالعصور,يمزقه حكم منتخب للمرة الاولي في تاريخه والمفارقة أن حزب الإخوان الحاكم ورئيسه كانوا يديرون هذه العملية باسم الدين والشرعية! ولكل من يسأل لماذا خلعنا رئيسنا بعد عام نقول أن أداء الإخوان المسلمين علي مدي عام كامل كان الأسوأ في تاريخ مصر السياسي والحضاري والإنساني, فمن حكم البلاد وحمل شعار الثورة انطلق للأسف بعيدا عن مضمونها ففقد شرعيته لأنه لم يف بأي من عهوده, فلا حقق عيشا ولا كرامة ولا حرية ولا عدالة اجتماعية وتردت الأوضاع المعيشية لأقصي درجة كما أن الرئيس وجماعته أخذوا يقسمون الشعب ويصنفونه ويزرعون الفتنة بين ابناء الوطن الواحد,وقامت سياستهم التمكينية علي اساس اختيار أعضاء من جماعتهم فقط لتحكم وتأمر وتنهي وتضع القوانين الطائفية,ضاربين بإرادة الشعب المصري عرض الحائط. ومن هنا كان لزاما علي الجيش ان يتدخل لحماية الشرعية بمفهومها الوحيد وهي الشعب لا الصناديق! لذلك أخذ الجيش القرار استنادا لمسئوليته الوطنية والتاريخية بعد الرجوع لرموز القوي الوطنية والسياسية والشباب واتفقوا جميعا علي خارطة مستقبل لمصر دعا فيها الي انتخابات رئاسية مبكرة لإنهاء الأزمة التي تسبب فيها الرئيس السابق مرسي الذي رفض بكل مكابرة واستعلاء حقن دماء شعبه مما اضطر الجيش لعزله. ولعل أبرز ما جاء في هذه الخارطة هو بناء مجتمع مصري قوي لا يقصي احدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والاقتسام الموجودة حاليا من خلال لجنة عليا للمصالحة الوطنية. ودمج الشباب في مواقع السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة للمشاركة في اتخاذ القرارات باعتبارهم وقود الثورة ومستقبل مصر. كذلك تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية, كذلك وضع ميثاق شرف اعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية. لمزيد من مقالات جيلان الجمل