كان حسن البنا سياسيا يداري ويكتم ويتحايل, وكان سيد قطب فنانا يكشف ويبوح ويقتحم. وكانت الأمة العربية تعيش مع عبد الناصر زمن النشوة والإحساس بالقدرة علي إدراك المستحيل, فراحت جميع القوي السياسية بما فيها رافضو المشروع الناصري, الذين لم يسمح لهم بالعمل السياسي العلني كالإخوان وغيرهم,تبني وتدير تنظيماتها السرية, وتعلن أفكارها السياسية الانقلابية علي الملأ, وتمارس مناهجها التي تدعو لاستخدام العنف بل الإرهاب بلا مواربة, فزالت كل العوائق أمام الفنان سيد قطب, فاستشرف ما خبأه البنا عن عقيدة ونوايا جماعة الإخوان. وأعلن علي الملأ ما اكتشفه من فكر البنا, المتمثل في خروج المجتمعات الإسلامية المعاصرة عن الدين, وأرتدادها إلي جاهلية ماقبل الإسلام, وبلوغها حدود الشرك بالله, ونفي وحدانيته بمفهومها الحقيقي النقي, وأن إنتسابها للإسلام لايعدو مصادفة الوراثة, وذلك بما يوجب إعلان الحرب عليها, كما فعل الرسول مع كفار مكة. فالإخوان هم جماعة المسلمين بالمعني الشرعي,ومن فارقها وخرج عليها مات ميتة جاهليةكما الحديث النبوي الشريف., وهم المؤمنون حقا,الذين يسلمون بأنالحاكمية لله, وفيهم تتحقق السمات التي كانت لمجتمع الصحابة الأولين. أسرها وعشائرها هم مجتمع المسلمين, وأهل الحل والعقد فيها هم أعضاء مكتب الإرشاد,و الولاة والقضاة وحراس الثغور هم قيادات التنظيم الخاص, والنقباء ومسئولوا الجماعات. وقد أكد التاريخ الإرهابي للجماعة السابق لاكتشافات قطب سلامة هذه الاكتشافات, فقد تواطأ البنا سعيا وراء تمكين الجماعة مع الانجليز والقصر الملكي الفاسد, ضد المشروع الوطني لثورة1919, علي امتداد عقدين1928-.1946 ولما تم إجهاض هذا المشروع, تقلصت حاجة الإنجليز والملك للتحالف مع الإخوان وبدا الشقاق الذي اضطرهم للمجاهرة بفكرهم المناهض لهذا المجتمع الجاهلي, فأمطروه بعملياتهم الإرهابية بداية من عام1946, حتي محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية عام1954, دون أن يستهدفوا الاحتلال الانجليزي, ورموز الفساد في النظام الملكي بأي سوء. أدرك سيد قطب هذه الحقائق, فخرج بكل هذا البناء الفكري الإرهابي الذي حوته كتبه ومؤلفاته معتمدا علي تلك الفكرة الخاوية من أي مضمون حقيقي والتي سماها الحاكمية لله.فلا عجب أن أصبحت جميع القيادات المؤثرة في الجماعة بعد رحيل قطب, من المؤمنين بفكره, المتشرفين بالانتساب إليه حتي سموا أنفسهم القطبيين, يقينا بأن إمامهم هو صاحب السبق في الإعلان بجسارة عن الأفكار الحقيقية لجماعتهم,وأنه المؤسس الثاني لتنظيمها, وإن لجأوا لأساليب البنا الميكافلية المراوغة كلما أعوزتهم الحاجة. هذه الأفكار القطبية هي التي تحالف معها الرئيسان السادات ومبارك بدعم امريكي صهيوني خليجي, واحتل أصحابه منابر المساجد وجميع وسائل الإعلام طوال العقود الأربعة الماضية, فلقي أصحابها من الاحترام والتقدير ما مكنهم من خداع قطاعات جماهيرية واسعة, استخدمها الغرب لالجهاد ضد شعوب العرب والمسلمين, ما أسفر عن تدمير أفغانستان وباكستان والسودان والصومال وليبيا, وصولا للمتبقي من بلاد العرب والمسلمين, بتفجير الحرب السنية الشيعية من خلال ما أطلق عليه مؤخرا إعلان الجهاد لنصرة الشعب السوري.. لقد أسقطت جسارة شباب تمرد هذه الأفكار القطبية الإرهابية, وأنزلت أصحابها من عليائهم, وكشفت أن إيمانهم بأفكار إمامهم يرادف الخواء الفكري والفقهي, ويحاذيه, ويوازي الفراغ السياسي والقيادي العملي, ويصاحبه, ويفضح الرغبة الجامحة للالقطبيين في الهيمنة علي رقاب البلاد والعباد. كذا أعادت تمرد الحياة للمفاهيم الأساسية لانتفاضة يناير, فأسقطت المفهوم الإخواني المغلوط للدولة المدنية كنقيض لالدولة العسكرية في حين أن المفهوم الحقيقي للدولة المدنية انها بديل الدولة الدينية التي يمثلها الإخوان. وأسقطت تمرد كل الثنائيات التي سربها الإخوان في مسيرة إنتفاضة يناير, مثل ثنائية العسكر والمدنيين فأعادت لحمة الجيش والشعب, وأسقطت الهتاف الأبله يسقط حكم العسكر الذي دسه الإخوان علي الشباب, ليتمكنوا من الانفراد بالحكم, وثنائية الثوري والفلولي التي أشاعها الإخوان بديلا عن مفهوم الشعبي الملازم لمفهوم الانتفاضات الشعبية والذي يشمل جميع المنتفضين ضد النظام السابق, حتي لو كانوا من أعضاء حزبه الحاكم, بل ومن مسئوليه, ماداموا لم يشاركوه فساده واستبداده, وتطهروا من رجسه بمشاركتهم في فاعليات الانتفاضة الثورية ضده. كذلك أسقطت تمرد حاكمية صندوق الانتخابات معبود الإخوان الجديد, يظنونه لفهمهم القاصر-الآلية الوحيدة لتجسيد الإرادة الشعبية, وهي الفكرة التقليدية القديمة التي كانت موضع نقد وسخرية خصوم الليبرالية, باعتبارها لا تعترف للشعب إلا بمشاركة سياسية شكلية في فترة الانتخابات كل عدة سنوات. لذا تجاوزتها النظم النظم الليبرالية المعاصرة فأتاحت حريات الرأي والتعبير طوال الوقت, وسلمت بأن تواتر الإشارات الشعبية الرافضة لسياسات الاحزاب الحاكمة يوجب الرجوع للشعب من جديد بانتخابات مبكرة. كثيرة هي إنجازات تمرد التي ستترجم عن نفسها في يوم مشهود. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ