يبدو أن التوتر وعدم الاستقرار هما سمة العلاقة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية منذ سنوات. فبعد شهور من التوتر ونذر الحرب التي لاحت في الأفق مع تهديدات كوريا الشمالية المتواصلة بشن هجوم نووي علي جارتها الجنوبية وحليفتها الولاياتالمتحدة عادت بيونج يانج اليوم لتمد يد الحوار داعية واشنطن لإجراء محادثات حول ملفها النووي وذلك بعد أيام من دعوتها سول لإجراء محادثات حول قضايا اقتصادية وانسانية إلا أن الكوريتين اختلفا حول مستوي التمثيل مما أدي إلي إلغاء المفاوضات بينهما قبل أن تبدأ. فقد اقترحت كوريا الشمالية الأحد الماضي إجراء محادثات رفيعة المستوي مع الولاياتالمتحدة تتناول برامج التسلح النووي من أجل تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية وتحقيق السلام والأمن الإقليمي. وهو ما استجابت له واشنطن قائلة إنه سيتم مناقشة الاقتراح الكوري الشمالي في اجتماعات مع اليابان وكوريا الجنوبية من المقرر عقدها في واشنطن منتصف الأسبوع المقبل. ويأتي هذا في ظل أجواء من الحوار عمت شبه الجزيرة الكورية حيث عقدت الصين أيضا حوارا استراتيجيا مع حليفتها الشيوعية, وأبقت كوريا الجنوبية باب الحوار مع جارتها الشمالية مفتوحا. ويقول محللون أن العرض الكوري الشمالي المفاجيء للحوار مع سول جاء نتيجة لعدة أسباب أهمها عدم رغبة بيونج يانج في فقدان دعم حليفتها الأساسية والوحيدة في المنطقة وهي الصين التي بدأ صبرها ينفد في الآونة الأخيرة إزاء استفزازات كوريا الشمالية وتحديها للمجتمع الدولي بإجرائها تجربة نووية ثالثة وعدة تجارب صاروخية خلال شهور, وهذا ما اتضح جليا في دعم الصين لعقوبات الأممالمتحدة ضد بيونج يانج لإجرائها تجربة نووية في فبراير فضلا عن توقف بنك الصين التعامل مع أكبر بنوك كوريا الشمالية للنقد الأجنبي.كما أن عرض كوريا الشمالية جاء قبل يوم من قمة الرئيس الصيني تشي شين بينج ونظيره الأمريكي باراك أوباما في كاليفورنيا والتي جاء الملف الكوري الشمالي علي رأس جدول أعمالها.ولذا فقد تكون بيونج يانج قد اقدمت علي خطوة الحوار لضمان أن لا يدفع الرئيس أوباما نظيره الصيني إلي مزيد من الضغوط عليها فيما يتعلق ببرنامجها النووي خاصة وأن تشي طالب كوريا الشمالية الشهر الماضي بضرورة عودتها إلي المحادثات السداسية حول ملفها النووي, كما أنه ونظيره الأمريكي أكدا خلال قمتهما علي أن واشنطن وبكين لن يقبلا بكوريا الشمالية كدولة نووية مشددين علي ضرورة تخلي الأخيرة عن برنامجها للأسلحة النووية. وهناك سبب آخر للخطوة الكورية الشمالية ألا وهو الرغبة في وقف النزيف الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد خاصة بعد غلق مجمع كايسونج. فإن ذلك المجمع الذي يقع في المنطقة منزوعة السلاح الحدودية بين البلدين وتم بناؤه منذ8 سنوات, يعمل به35 ألف عامل كوري شمالي لدي120 شركة يملكها رجال أعمال من كوريا الجنوبية و يوفر نحو90 مليون دولار سنويا من العملة الاجنبية لكوريا الشمالية ولذلك فإن إغلاق المجمع سيعود بدون شك بآثار سلبية علي البلاد التي يعاني شعبها فعليا من أزمة غذائية طاحنة. واستبعد خبراء أن تؤدي المحادثات لتقدم مستقبلي في مسألة البرنامج النووي لكوريا الشمالية فستبقي كل من الاطراف علي مواقفها غير أن رغبة كوريا الشمالية في تهدئة الاوضاع ربما يعقد من استراتيجية الولاياتالمتحدة المتشدده وتركيزها علي العقوبات الاقتصادية لإجبار النظام الكوري الشمالي علي تقديم تنازلات في برنامجه النووي وهو ما يؤكده إعلان البيت الأبيض عن أن أي محادثات يجب أن تتضمن اتخاذ بيونج يانج إجراءات لإظهار أنها تتحرك نحو التخلص من أسلحتها النووية وهو أمر غير متوقع من قبل الدولة الشيوعية التي سبق وأن اتخذت مواقف متصلبة فيما يخص محادثاتها مع واشنطن.