نشأت حالة من الاتفاق بين المصريين أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير علي أن استقلال الجماعة الوطنية لا يتحقق إلا بثلاثة عناصر: تحالف القوي التي اجتمعت في الميدان يوم الخامس والعشرين من يناير2011, ومنع الفاسدين والمتآمرين علي الوطن من العودة إلي مواقع السلطة,إضافة إلي الحفاظ علي مدنية الدولة,وهناك اتفاق علي أن ما حدث في التحرير كان نموذجا لمفهوم الجماعة الوطنية, في ظل تعايش المسلم والقبطي والناصري واليساري واليميني في ميدان واحد بما يعزز وحدة الانتماء والشرعية التي تحرك كل قطاعات المجتمع. ولقد مثلت الثورة المصرية لحظة فارقة في تاريخ مصر,ولحظة توحد لأبناء الشعب المصري,فالتحدي الذي مثله وجود النظام السابق وما تبعه من خوف أدي إلي تماسك الجماعة المحتجة أثناء الثورة وجعلها تظهر أفضل ما لديها,وروح ميدان التحرير كانت روحا فريدة لدرجة أن البعض شبهها بروح المصريين وقت حرب أكتوبر1973, ويقول المستشار طارق البشري في مقدمة كتابه( الجماعة الوطنية العزلة والاندماج):' نحن شعوب قامت جماعاتها الوطنية وتماسكت في معارك الدفاع عن النفس وعن التراث الجماعي في مواجهة مخاطر الخارج',وهو يري أن تيار الانعزال اليوم داخل الجماعة الوطنية المصرية أقوي مما كان. ورغم أن هذا المفهوم يؤكد أن الأمة لا تلتئم إلا وقت الأزمات أو المخاطر إلا أننا بحاجة إلي إيجاد مفهوم جديد للجماعة الوطنية هو تيار البناء,الذي يجب أن يقوم علي ثلاث سمات هي التي ميزت الجماعة الوطنية في ثورة يناير: السلمية وإصرار الثوار علي عدم استخدام العنف, ووحدة الميدان والصف, بالإضافة إلي التوافق عند اتخاذ القرار. ولقد سادت روح التوحد في ميدان التحرير لأيام عدة وكان هناك شبه توافق علي وحدة الهدف ووضوح للرؤية,ولكن الذي افتقده المجتمعون في الميدان وقتها هو آلية الوصول إلي الهدف والخطوات نحو المرحلة القادمة,وبالتالي ورغم كل النجاح الذي لحق بالثوار والثورة وانضمام الجيش وغيرها من الإجراءات لم يكن هناك حالة من الوضوح حول المرحلة التالية وآلياتها ومن ثم تم استخدام الرؤي المختلفة للتحول داخل الجماعة الوطنية في زعزعة تماسكها وشق صفها. وكان من غير المتوقع بعد ثورة عظيمة تنازل فيها الجميع للجميع وضربوا مثلا رائعا لسلمية العمل الثوري استخدام خطاب الكراهية الذي بدأ يسود في الشارع المصري وهو الخطاب الذي يستخدم عادة للإشارة إلي الدعوة إلي الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو غيرها. وقد صدر أول تعريف لخطاب الكراهية في الولاياتالمتحدة عام3991, بأنه الخطاب الذي يدعو إلي أعمال العنف أو جرائم الكراهية, ويوجد مناخا من الأحكام المسبقة التي قد تتحول إلي تشجيع ارتكاب جرائم الكراهية وعادة ما يستخدم أصحاب ذلك الخطاب أساليب متعددة من جعل الآخرين يشعرون بعدم الأمن,وتشتمل العنف والإيذاء,وتدمير الممتلكات, والتهديدات, وإطلاق ألقاب غير مستحبة, أو إرسال بريد أو التقليل من شأن الفرد. ويتسم خطاب الكراهية بعدة سمات منها الاستقطاب,والتقليل أو الترهيب من الطرف الآخر,وغالبا ما تعتمد لغة الخطاب علي التشويه والتعبيرات غير اللائقة, وتميل إلي الشقاق علي حساب الاتفاق, والاستهجان علي حساب الاستحسان,والترهيب علي حساب الترغيب,والقسوة والخشونة علي حساب اللين. وهي لغة صدامية لا تهدف إلي التوفيق أو التوافق بل إلي الانتصار ولو علي حساب الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية,ففي الصراعات والنزاعات يختار أطراف الصراع أو النزاع بين غاياتهم الشخصية والغايات الاجتماعية..وأخيرا فلغة الكراهية هي لغة انفعالية, ليس فيها مكان للعقل ولا فسحة للتثبت أو التحقق من الوقائع. ويستخدم خطاب الكراهية من قبل المرشحين في الانتخابات في توجيه الناخبين وفي التشهير,ولكن أخطر ما يمكن استخدام خطاب الكراهية فيه هو الحض علي العنف لما له من تأثير مدمر علي المجتمع أو التبرير لأعمال العنف, ولقد جاء التاريخ بحوادث تاريخية عدة سببها خطاب الكراهية منها قضية الراديو والتليفزيون الحر'دي ميل كولين' في رواندا, حيث قامت محطة الإذاعة بالتحريض علي الإبادة الجماعية, وبعدها تمت إدانة مسئولي الإعلام ضمن المتورطين في التحريض أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عام1998, وكذلك في البوسنة فلقد لعبت وسائل الإعلام لدي جميع الأحزاب دورا كبيرا في التحريض علي الحرب خاصة بعد ما نشرته عن الأصولية الإسلامية التي ترغب في زرع نفسها وسط أوروبا,لذا تقع علي وسائل الإعلام مسؤولية كبري في توجيه أو إخماد خطاب الكراهية. وهذا الخطاب يرفض الحالة الوسطية,فالوسط ينظر للعنف كظاهرة مشتركة لكل من الأطراف مسؤوليته عن العنف وهذا يقضي علي مشروعية الخطاب من أساسه, فخطاب الكراهية مبني علي الشمولية وعلي وضع الخير كله في طرف والشر كله في الطرف الآخر, وأي تشكيك في ذلك هو تشكيك في هوية المجموعة. ولقد شهدت مصر في مرحلة ما بعد الثورة أحداثا عنيفة مثل خطاب الكراهية فيها معلما واضحا في تكوينها, من خلال أزمات عدة شهدها المجتمع المصري بدءا بجميع الأحداث الطائفية خاصة أزمة كنيسة إمبابة, وكذا حالة الاحتقان الرياضي التي شهدتها مصر قبل أحداث بورسعيد, ثم الاستفتاء علي الدستور وغيرها, ويكفي أن نعلم أن هناك أكثر من عشرين مظاهرة أطلق عليها مليونيات في الفترة من24 أغسطس وحتي الان خرجت تنادي بسقوط رئيس مصر المنتخب استخدم في كثير منها مفردات خطاب الكراهية رغم انه جاء بإرادة شعبية ولم يغتصب السلطة. الحقيقة أن خطاب الكراهية بدأ الآن في تعدي وصف الآخر بما ليس فيهم إلي مرحلة اختلاق معلومات ليست حقيقية حول الأوضاع وإعادة بثها ونشرها في شكل شائعات,لقد تخطي مرحلة الخطاب إلي الفعل العنيف,والغريب أن هذا الدفع بخطاب الكراهية والعنف لا يواجه بأي استهجان أو إنكار أو معارضة وكأن الكراهية والعنف أصبحا جزءا من المجتمع. وعلي الجميع داخل حدود الوطن أن يرفض خطاب الكراهية صراحة وبشكل معلن بكل أشكاله وأدواته, وأن يتجه نحو حوار فعال,ولابد أن يكافح المجتمع أولئك الذين يبنون هوياتهم علي أساس الانتماء إلي خطابات الكراهية, والعمل علي نقل الخطاب إلي مكان يستطيع فيه الطرفان الاختلاف من دون عنف, وهذا بالطبع صعب للغاية عندما يكون طرفا الخلاف غير متناظرين في الامكانيات وفي القدرة علي السيطرة علي أتباعهم أو حماية مشاركتهم في هذه المساحة الوسط. لمزيد من مقالات د.ياسر على