لا أتصور أن من عقد سلاما مع عدو يمكن أن يخوض حربا مع صديق، ومع ذلك لا بد من طرح السؤال : هل تدق طبول الحرب يوما مع إثيوبيا ؟ وأى حرب تكون ؟ والجواب : يبدو أننا ندفع دفعا فى هذا الاتجاه .. ليس لأننا سنفقد 17 مليار متر مكعب من مياه النيل خلال فترة إنشاء السد الإثيوبى، أو مليار متر مكعب سنويا من حصتنا المقررة دوليا من مياه النهر بعد إتمام إنشائه، وإنما للطريقة الإثيوبية فى التعامل مع مصر فى قضية سد النهضة..التى تبدو كأنها مقصودة ومخطط لها، بحيث توضع مصر تحت ضغط يدفعها إلى المواجهة الحادة بدلا من الوسائل الدبلوماسية.. ♦ تراءى هذا من توقيت إعلان تحويل مجرى النيل الأزرق فور مغادرة رئيس الجمهورية إثيوبيا فيما بدا رسالة سلبية واستخفافا لا يليق بمصر. ♦ كما تراءى من إعلان تحويل المجرى دون انتظار تقرير اللجنة الثلاثية المشكلة من خبراء فى إثيوبيا ودولتى المصب مصر والسودان، ولم يكن متبقيا على تسليم التقرير للدول الثلاث إلا أيام قليلة، فى الوقت الذى تشير فيه التقارير إلى أنه تم بالفعل إنجاز نحو12% من هذا السد، ما يعنى أن إثيوبيا لم تكن معنية مطلقا بهذه اللجنة وما ستنتهى إليه، أو ربما عرفت أن توصياتها ليست على ما تحب، فاستبقتها لتقطع الطريق عن عمد على أى تحركات دبلوماسية.. وكان رد فعل الرئاسة هو الدعوة إلى حوار وطنى موسع مع جميع القوى الوطنية.. ومع أن هذه الطريقة هى النهج الصحيح لمواجهة أى أزمة تواجه مصر فإن ثمة ملاحظات فى هذا الشأن : ═ أن الحوار أذيع على الهواء مباشرة (!) وهذا خطأ كبير، ولست أدرى كيف لا يفرق (المفكرون) بين قضايا الأمن القومى والعلاقات الدولية التى يجب أن تحاط بغاية السرية، وقضايا الخلاف الداخلى الذى يدور بين الحكومة والمعارضة ويدعى فيها كل طرف على الآخر فى وسائل الإعلام ما هو صحيح وما هو مفترى، مما يستوجب بث اجتماعاتها حيا ليعرف الشعب أين الحقيقة وسط ركام الادعاء. ═ أن بعض المشاركين أعرب عن مفاجأته من إذاعة الاجتماع على الهواء.. وكان يجب إعلام الحضور فلربما نبه بعضهم إلى أهمية السرية فى مناقشة القضايا القومية. ═ أن بعض المسئولين صدرت عنهم تصريحات بعد اجتماع القوى الوطنية المذاع على الهواء تأخذنا نحو المواجهة : (أيمن على مستشار الرئيس :- جميع الخيارات مفتوحة فى التعامل مع القضية. خالد القزاز سكرتير الرئيس :- نسعى لوقف التمويل الدولى للمشروع . باكينام الشرقاوى مساعدة الرئيس :- الوضع خطير ووقف البناء سيكون أول مطالبنا...الأهرام 6/ 6 /2013 )
♦ ولنا أن نسأل مساعدة الرئيس : • مطالبنا ممن ؟ من إثيوبيا ؟ كيف وقد بدأت فعليا عمليات تحويل مجرى النيل الأزرق لوضع أساس المشروع دون أى تشاور مع مصر؟ بل قيل إن إنشاء السد صار أمرا واقعا لا يمكن لأحد كائنا من كان أن يمنعه ، حتى أن ميركب نيجاش المحاضر الإثيوبى فى العلوم السياسية كتب مقالا في صحيفة "إثيوبيا أوبزرفر" فى أثناء زيارة رئيس الجمهورية لإثيوبيا قال فيه إن من سيقترب من حلم إثيوبيا المستقبل من داخل إثيوبيا أو من خارجها لن يكون له وجود علي وجه هذه الأرض، كما أكدت إثيوبيا بعد مناقشة القضية على الهواء مباشرة فى قصر الاتحادية أن بناء سدها غير قابل للتفاوض، وأنها ستستمر في بنائه رغم أى شيء، ولن تذعن للضغوط المصرية ... • من القوى الدولية ؟ تكون خطوة متأخرة جدا.. كان ميقاتها الأنسب يوم تولى رئيس الجمهورية مهام منصبه باعتبارها قضية ثورة ومستقبل شعب.. وكان زخم الدبلوماسية الشعبية عاملا مساندا بقوة يوم ذاك، حقا لم يكن ذلك ليمنع البناء أو يوقف المشروع لكن ربما طرح كيفية زيادة حصة مصر فى مياه النيل أوعلى الأقل حافظ على حصتها المقررة خلال فترة الإنشاء، وبحث سبل زياتها من بعد.
♦ وأن نسأل سكرتير الرئيس : • هل يمكن بالفعل وقف التمويل الدولى ؟ وإذا لم تستجب الدول الممولة فهل تملك مصر أى وسائل ضغط على هذه القوى لوقف التمويل ؟ وإلا فما معنى هذا التصريح..وإذا كانت إسرائيل أحد مصادر التمويل فهل يمكن منعها اختيارا أو جبرا ، وهل يمكن اللعب بورقة احتمال اهتزاز السلام الرخو معها الذى استمر 36 سنة ، وهل تملك مصر اللعب الآن بمثل هذه الورقة الحساسة ؟ ♦ ولنا أن نسأل مستشار الرئيس : ألا تعنى عبارة "جميع الخيارات مفتوحة" احتمال استخدام القوة العسكرية ، وإذا كان هذا واردا فلنا - نحن الشعب - أن نتساءل :هل هذه الخطوة مدروسة بعناية ، وهل يمكننا ذلك بينما تفصل حدودنا عن مسرح العمليات عشرات الآلاف من الكيلومترات؟ ... بدهى أن السؤال لا يناقش الخطط والأسرار، وإنما تحمل مسئولية ما يتخذ من قرارات. ♦ وإذا تأملنا بعض تصريحات السيد رئيس الجمهورية الواردة فى حديثه للأهرام (7/6) : المعلومات الواردة من إثيوبيا ليست كافية - موقفنا ينطلق من عدم المساس بحصة مصر ومنع الضرر كاملا - استراتيجية التعامل هي التواصل مع إثيوبيا حكومة وشعبا لكي نمنع أي ضرر حتي علي الشعب السوداني الشقيق- إثيوبيا شعب صديق، من المفترض أن يحرص علي مصلحة مصر كما تحرص مصر علي مصلحته، ولا نتوقع أن يكون الصديق سببا في ضررنا... وتصريح المتحدث الرسمى باسم وزارة الموارد المائية والرى بأن الأمن المائى المصرى خط أحمر، ووضعناها فى مقابل التصريحات الإثيوبية السابقة وتصريحات جديدة تقول إن عملية بناء سد النهضة غير قابلة للتفاوض، وتتهم الموقف المصرى بشأن السد بالغموض...(الأهرام 9/ 6) فإن سؤال العنوان يبقى مطروحا : هل يمكن أن تسوء العلاقات مع إثيوبيا إلى حد يضطرنا إلى خيار استخدام القوة ؟، وهل وضعنا مواقف القوى الدولية فى الحساب.. وماذا يمكن أن تكون النتائج ؟...