تضع الجامعات والمراكز العلمية ضمن فروعها المتخصصة قواعد وآداب التعامل مع كبار الشخصيات ويدرس المشتغلون بالدبلوماسية وعبر السفارات هذه القواعد والمراسم ويتدربون عليها لممارستها ممارسة صحيحة. وكلما علا قدر الشخصية وسمت مكانتها كلما كانت القواعد أشد صرامة وأكثر حساسية لتناسب مكانة الشخصية وقدرها. فالتعامل مع الملوك والرؤساء يختلف عن التعامل مع رؤساء الوزارات والوزراء. وعبر قراءتي للقرآن الكريم توقفت أمام حقيقة تبدو واضحة جلية ألا وهي, أن القرآن الكريم عبر حديثه عن الانبياء والمرسلين لم يفرض نظاما لتعامل البشر معهم والحديث إليهم باستثناء فريد منح لصاحب معجزة الإسراء والمعراج محمد صلي الله عليه وسلم, ووضع القرآن بعض القواعد والآداب والتوجهات للتعامل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إعلاء لمكانته وإجلالا لقدره, وما كانت رحلة الإسراء والمعراج إلا دلالة واضحة علي هذه المكانة,واحتفاء بصاحب الرسالة الخاتمة, وفرض الله سبحانه وتعالي آدابا وقواعد للاقتراب من هذه الشخصية لم تفرض لشخص سواه, تحدد أسلوب الحديث إليه, والتواصل معه,ودخول بيته والخروج منه, ولم يترك الحق سبحانه قواعد التواصل الإنساني مع خاتم النبيين لاجتهادات بشرية وأفكار إنسانية حتي ولو كانت من الجيل الذي اختصه الله بشرف الصحبة لسيد الخلق صلي الله عليه وسلم. وتتضمن قواعد التواصل مع هذه الشخصية آدابا تتعلق بحياتها الدنيوية, وأخري تتعلق بسيرتها بعد انتقالها إلي الرفيق الأعلي, وإذا كان الحق سبحانه وتعالي قد منح هذه الخاصية لسيد الخلق, فإن معجزة الإسراء والمعراج تأتي في إطار صنوف الحفاوة والتكريم والتقدير التي منحت من الخالق لأكرم الخلق, بحيث تبدو المعجزة حلقة في سلسلة تكريم تليق بخصوصية لمقام الرسول صلي الله عليه وسلم, ورسم القرآن صورة جميلة ولوحة بيانية رائعة عبر قواعد وآداب وتعاليم تتصف بالإلزام عند التواصل والتعامل مع سيد الخلق صلي الله عليه وسلم منها, عدم جواز رفع الصوت في حضوره, وعدم جواز النداء عليه من خلف الجدران قال تعالي إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون الحجرات/.4 وعدم جواز دخول بيت الرسول بغير استئذان حيث نهي القرآن الكريم صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة( هم المؤدبون بفطرتهم المهذبون بطبعهم) عن دخول بيت النبوة بغير استئذان يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلي طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم الأحزاب/.53 كما وضع القرآن الكريم آدابا للجلوس معه والانصراف من مجلسه, جاءت في قوله تعالي: وإذا كانوا معه علي أمر جامع لم يذهبوا حتي يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور/62-.63 وعدم جواز الحديث إلي أزواجه صلي الله عليه وسلم في حاجه بغير حجاب, قال تعالي وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن الأحزاب/.53 وتوعد الله المتطاولين علي أزواج النبي بالعذاب, حيث وجه القرآن وعيدا لمن خاضوا في حديث الإفك, وتناولوا السيدة عائشة زورا وبهتانا بعذاب عظيم والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم النور/11, والتهديد قائم لمن يمارس الدور ذاته بعد رحيل الرسول عن الحياة الدنيوية. كما اشتمل الخطاب القرآني علي تحذير لأزواجه فكيف بمن يعاديه؟ وقد جاء تحذير القرآن الكريم للبعض منهن بالا يتعاونا عليه بما يغضبه,فإن المدافعين عنه صلي الله عليه وسلم لا يقوي أحد عليهم:الله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير التحريم/.4 وإذا كان هذا الكلام لأزواجه فكيف بمن يعاديه. والتحذير قائم لمن يتطاول علي رسول الله وسنته إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولزوم أوامره واجتناب نواهيه, قال تعالي وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب الحشر/.7 ذلك أن طاعة الرسول من طاعة الله من يطع الرسول فقد أطاع الله النساء/.80 فهو صلي الله عليه وسلم بسنته مصدر من مصادر التشريع الإسلامي. والاحتكام إليه والرضا بحكمه, ونفي القرآن الكريم صفة الإيمان عن أناس لا يحتكمون إليه صلي الله عليه وسلم, ولا يرتضون حكمه, وجاء التعبير عن هذه الحقيقة بالقسم لأهميتها فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما النساء/.65 واعتباره صلي الله عليه وسلم نموذجا للقدوة, لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الأحزاب/.21 لمزيد من مقالات د. محمود يوسف