حالة من الجدل سادت الشارع المصري بعد شائعة عرض دولة قطر تأجير الآثار المصرية مقابل200 مليار دولار, تلاها ضجيج واستنكار إثرشائعة عرض إيران منح مصر قرضا مقداره30 مليار دولار لترميم المساجد الفاطمية. سبق هذا وذاك بلبلة بسبب سعار الحالمين بالثراء السريع من تجار وسماسرة في البحث عن الآثار المصرية, يقابله صمت مطبق من قبل المسئولين, وغيرها من موضوعات شائكة, طرحتها صفحة( حوارات الأهرام) علي الأستاذ الدكتور حجاجي إبراهيم, أستاذ ورئيس قسم الآثار بآداب طنطا, رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للحفاظ علي التراث, الحائز علي وسام فارس ووسام قائد من دولة إيطاليا.. بداية تتنوع الآثار المصرية بتنوع الحقب التاريخية التي مرت بها مصر, فما دوركم كأثريين في التعريف بهذا التراث والحفاظ عليه؟ لاشك أنه تعاقبت علي مصر حضارات عديدة تركت كل منها علامة بارزة في التاريخ المصري, الحضارة المصرية القديمة المسماة خطأ بالحضارة الفرعونية, لأن كلمة فرعون تعني ملك مصري قديم, أي أن الحضارة الفرعونية معناها تراث الملوك فقط أما الحضارة المصرية القديمة فتعني تراث الملوك والشعوب معا في الفترة المصرية القديمة التي ظلت آلاف السنين, وخلفت حضارة يشيد بها العالم أجمع, ومن نماذجها الحضارية لوحة نارمر مينا(3100) قبل الميلاد والأهرامات, التي شيدت في الفترة من الأسرة الثالثة إلي السادسة,ثم الفترة الوسطي, وامتدت من الأسرة ال11 إليال12 ومن معالمها أهرامات أمنمحات الثالث في هوارة وكانت بالطوب اللبن وهدم أحدها واختفي بالكلية في أثناء شق والد الفنان يوسف وهبي الذي كان يعمل آنذاك وزيرا للري ترعة سميت( بحر وهبي), ثم الفترة الحديثة وتمتد من الأسرة ال20 إلي18 ومن معالمها معبد الأقصر الخاص بثالوث طيبة( آمون وموت وخونسو) ومعبد الكرنك ووادي الملوك ووادي الملكات غرب الأقصر, ثم الحضارة اليونانية ومن معالمها معبد الإسكندرية في الواحات البحرية فدولة البطالمة والرومان, ومن آثارهما معبد دير الحجر بالواحات الداخلة, وتونا الجبل بالمنيا ومعبد حتحور بدندرة وحورس في إدفو وكوم أمبو ومعبد فيلة بأسوان, بعدهما كانت الحضارة القبطية المسيحية ومن آثارها القلايات والمنشوبيات والأديرة والكنائس المثمنة والمستطيلة والمستديرة والمتعامدة فالحضارة الإسلامية, والتي بدأت بفتح عمرو بن العاص مصر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, ومن أهم معالمها مسجد عمرو بن العاص, فالعصر الأموي, فالعباسي الأول, فالطولوني ثم العباسي الثاني فالإخشيدي فالفاطمي فالأيوبي, فالعصر المملوكي بحري فالمملوكي برجي, فالعصر العثماني, ثم الحملة الفرنسية, فأسرة محمد علي ثم ثورة52, وأخيرا ثورة25 يناير التي أزاحت نير الظلم والطغيان. وقد ترك كل عصر من هذه العصور رموزا خالدة جسدت شتي مجالات الفنون والعمارة والتراث, ومن ثم صارت مصر بفضل هذه الحضارات أشبه بالمتحف المفتوح الذي يضم ثلث آثار البشرية, وإيمانا مني بأهمية هذا التراث وصونا لهذا الكنز حرصت علي دوام الصلة بهذا الكنز سواء عن طريق التدريس بقسم الآثار, أو شغلي منصب رئيس مجلس إدارة إحدي الجمعيات التي تقوم بعمل رحلات ترفيهية بأجور رمزية لزيارة هذه المعالم الأثرية تحت شعار( اعرف بلدك), أو ترميم مايحتاج من هذه الآثار إلي ترميم, كما نقوم بعمل ندوات تثقيفية يحاضر فيها كبار الأثريين وخبراء السياحة, فضلا عن إصدار دوريات ومجلات عن آثارنا المصرية, بالإضافة إلي المشاركة في مؤتمرات العمارة والتراث التي تعقد في مصر وخارجها للوقوف علي أحدث ما وصل إليه العلم في ترميم وإصلاح هذه الآثار التي مازالت شامخة رغم توالي العصور وتعاقب السنين. أقاطعه وما مصادر دعمكم المادي ؟ نحن نرفض الدعم العيني حتي لا تكون هناك إملاءات أو تدخل من أحد, بل تكون المشاركة عن طريق تولي الجهة التي تريد المساهمة المالية مسئولية تنفيذ وإتمام المشروع الذي تود رعايته او إقامته بنفسها, بمعني أنه لو أراد احد أن نوجه رحلة لزيارة معلم ما او ترميم أثر معين أقول لا نأخذ منه مالا في صورة عينية, بل نجعله يقوم بنفسه بتنظيم هذه الرحلة وتمويلها, أو ترميم ذلك الأثر, دون أن نأخذ في أيدينا جنيها واحدا, وذلك سدا لباب القيل والقال في ذمتنا المالية. ولنضرب مثالا علي ذلك الشيخ عبد العزيز الدويش, إيمانا منه بدور الجمعية العربية للحفاظ علي التراث يقوم علي نفقته الخاصة بطبع مجلة دورية عن الآثار المصرية, ولا نأخذ منه جنيها في أيدينا. وبالنسبة لرجال الأعمال بمصر ؟ أكرر نرفض كل صور الدعم العيني, ولكننا نقبل قيام الممول بتنفيذ المشروع بنفسه, وهناك برهان علي ذلك يؤكد حجاجي لي صديق مصري وهو من كبار رجال الأعمال, أراد ان يتبرع بمبلغ كبير للجمعية فرفضت ذلك احتراما للمبدأ الذي أصلناه, والمنهج الذي رسمناه. أثارت شائعة رغبة قطر تأجير الآثار المصرية جدلا واستنكارا بالشارع المصري فما تعليقكم؟ أقول: حسنا فعل المسئولون بان نفوا صحة هذه الشائعة, التي كان من الطبيعي أن يحدث انتشارها صدي ودويا في الشارع المصري, ويصيب المصريين بالفزع والخوف علي تاريخهم وحضارتهم التي يحسدهم عليها العالم أجمع, ومن ثم فنحن المصريين بصفة عامة وأثريين بصفة خاصة نرفض مثل هذه المطالب بل ونعد مجرد التفكير فيها من قبل المسئولين عارا ونقيصة, فهذه الآثار هي رمز خصوصيتنا, ومعيار تفردنا وتميزنا علي العالم أجمع, وهي ليست ملكا لجهة بعينها, وإنما هي ملك المصريين جميعا, ومن ثم لا يمكن أن يتخذ قرار بشأنها إلا بموافقتهم جميعا, وهيهات أن يتحقق هذا, فأي مصري غيور علي هذا البلد لا يقبل التفريط في ذرة من آثار مصر, وما أشيع عن أن هذا كان بغرض توفير موارد مالية أقول بملء في: لو أرادت الدولة توفير موارد مالية لدعم الاقتصاد, فلتبحث عن حلول أخري بعيدة عن تيسير سطو خصوصيتنا وعبقريتنا التي تتمثل في آثارنا مناط فخرنا. ويؤكد حجاجي والذي يدعو للدهشة أن الآثار حينما تكون عندنا تزعق أصوات أنها كفر ووثنية, وحينما تكون عند العرب( تبقي تراثا ثمينا), يضرب كفا بكف إن هذا لشيء عجاب! وحقا لا يعرف قيمة الشيء إلا من فقده. و ما موقفكم من شائعة المنحة الإيرانية لمصر لترميم المساجد الفاطمية؟ يزعق د. حجاجي بالطبع هذا شيء مرفوض لأنه سيكون ذريعة للتدخل في الشأن المصري, قديما قيل المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, فهؤلاء الشيعة سبق لهم وكأن التاريخ يعيد نفسه أن طلبوا عندما أرادوا ترميم جامع الحاكم المعروف بجامع الأنور علي مقربة من بوابة الفتوح هدم وإزالة كل ما طرأ علي الجامع الفاطمي من تجديدات تمت في العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني وأسرة محمد علي لأنها إضافات سنية, فنحن كأثريين لسنا ضد زيارة الإيرانيين للمراقد الشيعية والمساجد الفاطمية, كما أننا مع دعوي مد جسور التعاون مع إيران, ولكن ليس علي حساب عقيدتنا وتراثنا الحضاري. هناك اعتداء صارخ علي الآثار المصرية وغزو فج من قبل المخلفات والقمامة ؟ حقا فما يحدث لآثارنا هو صورة من صور الاعتداء الصارخ علي الحجر, وتجسيد واضح لإهمال البشر سواء مواطنين أو مسئولين, فأينما يممت وجهك وجدت تلالا من القمامة بجوار آثارنا, فمنطقة سور مجري العيون, أو مايعرف بقناطر المياه وهو سور يوجد بمنطقة مصر القديمة, يبدأ من فم الخليج إلي باب القرافة بالسيدة عائشة, وقد أنشاه السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولي الأيوبية, وجدده السلطان الناصر محمد بن قلاوون, ثم أقام به السلطان الغوري ست سواق للمياه بالقرب من مسجد السيدة عائشة, أقول هذا السور الذي كانت تجري عليه المياه رمز الخضرة والنماء لتصب في آبار ضخمة بالقلعة, صار مقلبا للقمامة ومأوي للكلاب الضالة والحشرات والهوام, ومسرحا لحالات السرقة والاغتصاب, ولم تفلح محاولات المحافظة في القضاء علي تلال القمامة التي ألقيت بجواره, وشوهت منظره الحضاري. كذلك منطقة المسلة بالمطرية التي توجد بها مسلة( سنوسرت الأول), المعلم الوحيد الباقي من معالم مدينة( أون) أو هليوبوليس التي تعني البرج أوالفنار أقول هذه المنطقة بجانب معاناتها من القمامة, قام أحد المواطنين بالاعتداء علي السور المحيط بها وأقام( جراج) بزعم انه عاوز( يأكل عيش), فهل أكل العيش علي حساب حضارتنا وآثارنا؟ والعجيب يقول حجاجي أنه قدمت عشرات البلاغات ضد هذه التعديات دون أن تحرك شرطة الآثار ولا المسئولون عنها ساكنا; بحجة ان الظروف الأمنية لا تسمح بالصدام مع المواطنين, فهل هذا مبرر منطقي, وهل يعقل ان نظل صامتين عن هذه التعديات التي إن لم تجابه بشدة ستستأصل شأفة حضارتنا برمتها! لهذا أنادي بأعلي صوتي لابد من تضافر الجهود لمحاربة غزو القمامة علي آثارنا, والتصدي بحزم من خلال تفعيل قانون الاعتداء علي الآثار وتغليظه لكل صور الاعتداء عليها, بل أطالب الجميع بالتكاتف للحفاظ علي هذه الآثار وترميم ما يحتاج إلي ترميم لتبقي شامخة تباهي الدنيا بأسرها. كثرت مؤخرا محاولات التنقيب عن الآثار من قبل الحالمين بالثراء السريع ؟ هذه طامة كبري وجريمة يجب أن تغلظ عقوبتها بعدما كثرت مؤخرا محاولات البحث عن آثارنا من قبل السماسرة وتجار الآثار رغم علم المسئولين دون تحريكهم ساكنا, وهذا يدل علي ضعف الانتماء لدي مقترفي هذه السرقات والساكتين عنهم, فلابد من تكاتف كل الجهود لمحاربة هذه الجريمة ووقف خطرها الذي يهدد تراثنا الحضاري, والعجيب أن كثيرا ممن يقومون بهذه السرقة يتعرضون لمخاطر وأهوال تودي بحياتهم بسبب خطأ في عمليات الحفر, وعدم توافر عامل الأمان وهو ما عرف قديما ب( لعنة الفراعنة), وإذا أفلتوا من عقاب الدنيا فلن يفلتوا من عقاب الآخرة لأنهم سطوا علي الملكية العامة التي حرم الله الاعتداء عليها, لهذا أطالب بتفعيل قانون سرقة الآثار وتغليظه, وتأمين متاحفنا ومعالمنا الأثرية حتي لا تتعرض للسطو, كما أطالب كل المهتمين بالآثار من مؤسسات وجمعيات, وهيئات بتوحيد الجهود بدلا من تغريد كل فريق منفردا لنعزف جميعا سيمفونية الحفاظ علي آثارنا لأنها مناط فخرنا ورمز حضارتنا.