بالتأكيد من حق الشعب المصري أن ينتفض ويشتاط غضبا إثر الإعلان الإثيوبي المفاجئ بتحويل مجري النيل الأزرق للبدء في إنشاء سد النهضة. وذلك لأن هناك لجنة فنية مشتركة من الدول الثلاث, مصر والسودان وإثيوبيا, مازالت مجتمعة بمساعدة خبراء دوليين لتقييم آثار هذا السد وتقديم تقرير شامل, كان من المفترض أن تنتهي من أعمالها أمس, إلا أن إثيوبيا لم تنتظر حتي تنتهي اللجنة من عملها وسارعت بهذا الإعلان لفرض الأمر الواقع. والحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أننا أمام أمر واقع بالفعل, أسهمت فيه قوي دولية بالدراسة والتمويل والتنفيذ, وأخري إقليمية شقيقة وصديقة, تقدمت بطلبات لإقامة استثمارات زراعية هناك, أي أننا قد نكتشف أننا أمام مؤامرة واضحة المعالم, لم تبدأ الآن, وإنما بدأت منذ أبريل2011 حينما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك عن البدء في التنفيذ, وما قد يؤكد ذلك هو إسناد مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء الناتجة عن السد لشركة إسرائيلية. ولأن الأمر كذلك, فنحن أمام قضية فرضت نفسها, ربما هي أخطر ما واجهته السياسة الخارجية المصرية علي مدي عقود عديدة, إلا أنه من المهم رصد مجموعة نقاط أساسية هي:
* إن الشفافية قد غابت منذ البداية عن الرأي العام فيما يتعلق بهذا المشروع منذ الإعلان عنه, أي علي مدي ثلاثة أعوام, بل حدث ما هو أخطر من ذلك, وهو أن التصريحات الرسمية المطمئنة, قد تعارضت تماما طوال الوقت مع آراء الخبراء في تقييم آثار السد, والذين رأوا أنه سوف يمثل كارثة بكل المقاييس, سواء علي مستوي المياه, وجفاف الأراضي الزراعية, أو علي مستوي الكهرباء, ومدي تأثر ناتج السد العالي.
* إننا الآن نبكي علي اللبن المسكوب, ولا يوجد في الأفق ما يشير إلي أي استعدادات لمواجهة أي خراب من هذا النوع, سواء بضغط ما علي الجانب الإثيوبي, أو اللجوء لتحكيم دولي, أو إجراءات داخلية لمواجهة أزمات المياه والكهرباء, وما قد ينتج عن ذلك من كوارث حقيقية.
* يجب أن نقر ونعترف بأن مصر2013 ليست هي مصر الستينيات التي كانت نافذة بيد طولي في القارة السوداء, وذلك نتيجة غياب تام عن القارة خلال العقود الثلاثة الأخيرة, استغلته قوي عديدة في مقدمتها الكيان الصهيوني الذي أخذ يعبث في معظم الأوصال هناك سياسيا, واقتصاديا, وحتي عسكريا.
* إن سد النهضة المزمع ليس أول السدود التي تقيمها إثيوبيا, فقد أنشأت من قبل مجموعة من السدود بدأت عام1984 بمساعدة إسرائيل أيضا, دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان ضاربة عرض الحائط باتفاقية عنتيبي عام1959 التي تمنح مصر55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا. وهي الاتفاقية التي تتنكر لها إثيوبيا الآن, وقد وقفت مصر موقف المتفرج من هذه السدود. علي أي حال, هناك دراسات عديدة لزيادة موارد نهر النيل, حيث فقدان النسبة الأكبر من المياه في دول المنبع هدرا دون الاستفادة منها, والأمر يحتاج إلي جهود سياسية مع هذه الدول لتدارك هذا الوضع, ومع السودان, دولة المصب الأخري لإنجاز مشروع جونجلي وغيره من المشروعات, مع الأخذ في الاعتبار أن ما تعتمد عليه مصر من النيل الأزرق لا يمثل كل ما هو وارد إليها, وبالتالي فإن المطلوب الآن هو أن تعود مصر إلي سيرتها الأولي إقليميا ودوليا, ولن يتأتي ذلك إلا بتوحيد الجبهة الداخلية, وليس بلطم الخدود, وشق الجيوب, ودعاء الجاهلية!. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة