ألف هو الرقم الذي يضم كل الأرقام, أو في الفكر الروحاني هو نقطة الالتقاء بين الزمان والمكان, وفي قصتنا الألف هي النقطة التي يصل فيها شخص إلي التألق الروحاني. فيكون لذلك تأثير عميق علي حياته. هذه النقطة الهلامية التي وصل إليها الأديب البرازيلي باولو كويلو في رحلته التي قرر أن يقوم بها داخل نفسه لكي يعبر أزمته الروحانية, فقام برحلة عبر الزمان والمكان عبر فيها ثلاث قارات, وانتقل من الماضي إلي الحاضر, وخاض تجارب من أجل الوصول إلي الحقيقة الداخلية والسلام النفسي, ليكتشف أن السلام الداخلي لا يتحقق إلا من خلال المغفرة والصفح. تلك الرحلة تجربة شخصية للكاتب, وهي أول مرة يضع فيها كويلو نفسه, وهو في سن95 عاما, كشخصية من شخصيات أبطاله, في عمق هذا الصراع الداخلي, بدأت مع أزمة روحانية, شعر فيها كويلو بأن تطوره الروحاني تجمد, وأن نجاحه ككاتب لم يعد يشعره بالرضا, وبالرغم من أنه سافر إلي جميع أنحاء العالم وجاب الأرض شرقا وغربا, شمالا وجنوبا, ووصل إلي الشهرة العالمية, حيث تترجم كتبه إلي أكثر من27 لغة, إلا أنه مازال يشعر بأنه ضائع وينقصه شيء ما. أفضي باولو إلي أستاذه بتلك الأزمة التي يمر بها, فنصحه بالخروج في رحلة البحث, وهنا قرر باولو كويلو خوض التجربة وترك كل شيء خلفه من أجل أن يخطو إلي الأمام, ويصل إلي السكينة. لم يفهم كويلو في البداية نصيحة أستاذه إلي أن قرأ مقالة صينية عن عيدان البامبو, وكيف أن البامبو يبقي عودا صغيرا أخضر لمدة خمس سنوات, بينما تنمو جذوره تحت الأرض في الخفاء عن أعين الناس, ثم بعد خمس سنوات من التجمد كما يبدو للرائي, تنطلق عيدان البامبو إلي أعلي وترتفع لتصل إلي52 مترا, وقارن كويلو نفسه بتلك العيدان وأدرك أن تطوره الحقيقي والطفرة الهائلة لم تحدث بعد. فبدأ رحلته من لندن, حيث كان يحتفل بصدور أحد كتبه, وتوجه فيما وصفه بإعصار أخذه إلي ست دول خلال خمسة أسابيع فقط, وقرر أن يتجه إلي روسيا في رحلة من أجل أن يلتقي بقرائه هناك, ويحقق حلمه بالسفر في قطار يعبر كل روسيا عبر سيبيريا, ويمضي من أقصي الغرب في موسكو, إلي أقصي الشرق في فلاديفوستوك. وهكذا وصل إلي موسكو, حيث التقي في الفندق بفتاة تركية شابة عازفة كمان تدعي هلال, قالت له إنها جاءت لكي ترافقه في رحلة القطار. وخلال الرحلة التي امتدت51 يوما, عبر فيها7 مناطق زمنية مختلفة, وقطع9,8252 كيلومترا, اكتشف كويلو أن هلال ليست مجرد فتاة تركية, بل هي السبب في قيامه بتلك الرحلة, وهي التي ستغفر له خطأه تجاهها الذي ارتكبه في الماضي, لأن بدون أن تغفر له ويسامح نفسه, لن يصل كويلو إلي الصفاء النفسي أو يتحرر من تجمده الروحاني لكي ينطلق إلي آفاق جديدة. وتمضي قصة كويلو بين الماضي والحاضر, مع استمرار رحلته في القطار, ويتصاعد التوتر مع اقتراب القطار من نهاية الرحلة في فلاديفوستوك, ويصبح علي كويلو وهلال التخلص من الشبكة الروحانية التي غلفتهما, حتي يتمكنا من الاستمرار في حياتهما المنفصلة, وهنا كان علي كويلو وهلال أن يتعلما كيف يحبان وكيف يصفحان. ومع وصول الرحلة إلي نهايتها, وجد كويلو نفسه يخرج تدريجيا من عزلته, ويسقط ذاتيته وكبرياءه, ويفتح قلبه وعقله للصداقة وللحب وللإيمان وللصفح والتسامح, وبات لا يشعر بالخوف من مواجهة تحديات الحياة التي ستفرض نفسها عليه. ألف الكاتب: باولو كويلو صدرت عن دار الفريد أ. كنوب نيويورك