القصاص.. أحد أبرز مطالب الثورة وأهم أهدافها إلا أنه للأسف لم يتحقق حتي الآن مثله مثل باقي شعارات الثورة التي ظلت بالنسبة لمن يديرون شئون البلاد مجرد شعارات سامية تهتف بها الجماهير الغاضبة في المليونيات. فبرغم مرور أكثر من عامين علي اندلاع الثورة إلا أنها لم تتمكن من فرض قانونها بعد; فمازالت عوائل الشهداء ثكلي تتلمس القصاص ومازال مسلسل البراءات مستمرا بداية من أصغر شرطي مدان في قضايا قتل المتظاهرين وحتي أكبر رمز من رموز النظام نفسه في مشهد بات معقدا ومشتبكا بامتيازخاصة في ظل ارتباطه بمطالب تطهير القضاء والداخلية, فعلي الرغم من وضوحها وتوثيقها مازالت العدالة ضالة في طريقها وتفرق دمها بين السلطة والمعارضة والمجتمع المدني والنيابة و وزارة العدل, وهو ما تجسده حالة التراشق في الاتهامات بين كافة الأطراف, فالمعارضة والمجتمع المدني وأعضاء لجنة تقصي الحقائق يتهمون النظام بحفظ التقرير الذي قدمته اللجنة للرئيس مرسي بهدف استغلاله في مساومات مع رموز النظام السابق, بينما ينفي النظام هذا الاتهام متهما المعارضة بعرقله جهوده, في الوقت نفسه تسعي منظمات المجتمع المدني وقوي المعارضة لتشكيل جبهة ضغط للدفع بمشروع قانون العدالة الانتقالية في مجلس الشوري.. في هذا التقرير حاولنا رصد موقف بعض الأطراف المعنية من هذا الملف وإلي أين يقف الآن. الحقوقي أحمد راغب, عضو مؤسس مجموعة وراكم بالتقرير التي تشكلت كجماعة ضغط حقوقية من أجل الدفع بتفعيل توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق الثانية أكد أن مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي تبنته اللجنة, أدرج ضمن التقرير الذي أرسل للرئيس مرسي, وطالبت اللجنة بإقراره لضمان محاسبة انتقالية ثورية عن جرائم تتعلق بالتقرير وجرائم أخري. وأوضح أن المشروع يسعي لتحقيق العدالة القائمة علي حماية الثورة المصرية في الفترة الانتقالية مع ضمان حصول المتهمين من النظام السابق علي محاكمة عادلة ومنصفة وفقا لهذا القانون, مشيرا إلي أن ضحايا النظام السابق هم كل شخص أصيب بضرر فردي أو ضمن جماعة, سواء كان الضرر بدنيا أو نفسيا أو اقتصاديا, عن طريق انتهاك حقوق الإنسان حتي لو كانت غير محرضة في القوانين الجنائية وذلك بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الفعل معلوما أو مجهولا ويشمل مصطلح( الضحية) أيضا الأشخاص حتي الدرجة الثانية من الأقارب الذين أصيبوا بضرر جراء الاعتداء علي الضحية. واعتبر راغب أن الرئيس قد اتخذ فور استلامه التقرير قرارين شاب كليهما القصور, وساهما بشكل كبير في ضياع حق المصريين في القصاص, وفي استمرار مسلسل العنف والعنف المضاد, تمثلا في إحاطة التقرير بالسرية ومنع نشره في وسائل الإعلام مما أدي لفتح باب واسع من التكهنات والهواجس حول محتواه ومصيره, وعما اذا كان سيصبح أداة لمساومات سياسية بين أطراف متصارعة في سلطة., مشيرا إلي أن القرار الثاني كان تحويل التقرير في نسخة واحدة للنيابة العامة وعدم إرسال نسخة منه لمجلس الشوري رغم أن التقرير تضمن توصيات تتعلق بتعديلات تشريعية تتعلق بمحاسبة وتطهير وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ومحاسبه النظام البائد. أكد أن المجموعة طرحت مبادرة من4 مطالب تمثلت في ضرورة توحيد جهة التقاضي والتحقيق في جميع قضايا الثورة لمنع إحالة كل القضايا المتورط فيها العسكريون للقضاء العسكري, وإقرار قانون العدالة الانتقالية, بالإضافة لإعادة النظر في قواعد استخدام قوات الأمن للأسلحة النارية في تفريق المظاهرات, وأخيرا إصلاح جهاز الشرطه للقضاء علي البلطجة والانفلات الأمني. اتفق معه تقادم الخطيب, عضو لجنة تقصي الحقائق, مرجحا إرسال تقرير تقصي الحقائق لمكتب الإرشاد لاستخدامه في مساومات مع رموز النظام السابق لصالح رموز النظام الحالي, مدللا علي ذلك بأن التقرير تم تسليمه لمرسي في31 سبتمبر2012 واستغرق15 يوما ليتم إرساله للنائب العام إلا أن الجميع فوجئ بعدها بأحد محامي الإخوان يتحدث في الإعلام عن بعض المعلومات الواردة بالتقريروالتي من المفترض أن تكون سرية, لافتا إلي أن اللجنة قدمت تقريرا مفصلا من830 صفحة بالإضافة2500 صفحة من المرفقات والوثائق وأكثر من60 اسطوانة مدمجة, علي حد قوله. من جانبه اعتبر عبدالرحمن هريدي, عضو مجلس الشوري عن حزب التيار المصري أن العدالة الانتقالية هي الثورة الحقيقية وأنها مطلب كان من المفروض أن يتبناه أي رئيس منتخب بعد الثورة لمحاسبة النظام الذي أفسد30 عاما, لافتا إلي أن مشروع القانون الذي قدمه التيار المصريس ز س منذ عام1981 وحتي تسلم مرسي الحكم, و أن لجنة تقصي الحقائق الثانية التي شكلها مرسي هي من صاغت مشروع القانون. لفت إلي أن الحزب يسعي حاليا لجمع توقيعات أكثر من35 عضوا بالشوري عن التيار المدني والإسلامي لوضع القانون علي أولويات المجلس, معربا عن أسفه لكون التيار الإسلامي الذي يعد أكثر المستفيدين من القانون هو من يقف حائط صد أمامه الآن. استنكر هريدي ما اعتبره تجاهلا متعمدا من الرئيس مرسي للتقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق وقدمته له, مشيرا إلي أنه برغم من كون الرئيس وعد بمحاكمات ثورية والقصاص للشهداء وأشار في خطاباته أكثر من مرة إلي أن لديه أدلة جديدة وكذلك النائب العام الجديد إلا أنه لم يحدث أي تقدم ومازال مسلسل البراءات مستمرا بسبب عدم تفعيل قانون العدالة الانتقالية أو الاستفادة من تقريرتقصي الحقائق. أضاف عضو الشوري قائلا المشهد معقد ففي ظل عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدي النظام للمحاكمات وأنه يميل أكثر إلي التصالح والمساومات والمفاوضات مع رموز النظام السابق في نفس الوقت الذي يقود فيه معركة خاصة مع القضاء ويمارس ضغوطا علي مجموعة من القضاة من أجل إزاحتهم وتعيين قضاة موالين للنظام وهذ ليس غريبا بالنسبة لي بحكم أني أمضيت13 عاما داخل الإخوان المسلمين فهم في النهاية جماعة إصلاحية تتجنب المواجهة, علي حد قوله. و من جهته رفض أحمد عارف, المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين الاتهامات التي تكال للجماعة وما يراه البعض من كونها تدير معركة خاصة مع القضاء, مؤكدا أنه ليس من مصلحة أحد أن يكون له معركته الخاصة مع القضاء, معتبرا أن منظومة العدالة مهددة بالفعل وأن السبيل الوحيد لحمايتها هو إصدار قانون السلطة القضائية. نفي عارف ما تردد حول سعي الجماعة لمفاوضات ومساومات مع رموز النظام السابق لكونها تعتبر تلك الرموز هي السبب الرئيسي في المعارك التي تندلع بالشارع والتي يقودها القيادات الميدانية المنتفعة من النظام السابق, مؤكدا أن الإخوان ليس لها أي علاقة من قريب أو بعيد بهذا الملف وأن المعني به هو الرئاسة من خلال اللجنة المعنية بالاتصال مع الرموز الاقتصادية, مشددا علي تأييد الجماعة للتواصل مع رموز النظام السابق الاقتصادية بما يحقق صالح البلاد بشرط عدم التغاضي عن ملفات الفساد, مؤكدا أنها تؤيد تحقيق القصاص والعدالة الانتقالية. وشن عارف هجوما حادا علي المعارضة محملا إياها مسئولية عرقلة هذا الملف, مدللا علي ذلك بموقفها من النائب العام السابق ومطالبة الجميع بإقالته, وتغير موقفها من النائب العام الحالي بعد قيام الرئيس باتخاذ خطوة تعيينه والتي اعتبرها الأولي من أجل تحقيق منظومة العدالة, منتقدا ما تقوم به المعارضة من غسيل سمعة للنائب العام السابق ومطالبتها بعودته, حسبما قال. علي جانب آخر أكد المستشار عمر مروان, مساعد وزير العدل المسئول عن ملف العدالة الانتقالية وأمين عام لجنة تقصي الحقائق أن العدالة الانتقالية منظومة من الإجراءات تهدف لكشف الحقائق وإعلان المتورطين في الانتهاكات ومحاسبتهم وتحديد الجهات التي يعملون فيها وجبر الضرر للضحايا والمصالحة المجتمعية وليست إجراء بذاته يعمل بمفرده, مشيرا إلي أن لجان تقصي الحقائق والمجلس القومي لرعاية المصابين واسر الشهداء ونيابة الثورة كلها أدوات تكمل بعضها البعض ولم تحكمها منظومة متكاملة حتي الآن, لافتا إلي ضرورة حصول تلك المنظومة علي توافق مجتمعي حتي تؤتي ثمارها. اعتبر مروان أن السبب في تأخر تحقيق العدالة الانتقالية هو عدم وجود رؤية محددة حول تحقيق تلك المنظومة وظن البعض أن الأمر يقتصر علي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة المتورطين وتعويض الضحايا بينما الأمر أكثر تعقيدا من ذلك, بالإضافة إلي غياب التنسيق حول تجميع جهود كل المعنيين بهذا الملف من قوي سياسية ومنظمات حقوقية وغيرها, لافتا إلي أن ذلك سيكون محل اهتمام اللجنة الفنية التي شكلها المستشار أحمد مكي, وزير العدل السابق بموجب القرار رقم3665 لسنة2013 الصادر في29 إبريل2013 للإعداد لمؤتمر العدالة الانتقالية برئاسة المستشار أمين المهدي, مؤكدا أن اللجنة بدأت أعمالها بالفعل وأنها حاليا في فترة التحضير وتسعي حاليا لعقد لقاءات تشاورية مع عدد من الأطراف المعنية بالملف. وحول موقع نيابة الثورة من هذا الملف والانتقادات الموجهة لها والجدل المثار حول رفض بعض الحقوقيين وأعضاء لجنة تقصي الحقائق لإحالة القضايا المتهم فيها عسكريين إلي القضاء العسكري وتأثير ذلك السلبي علي التقاضي برغم مطالبتهم بتوحيد جهة التقاضي; أوضح أنه يجب التفريق بين وجود قانون يجب علي النيابة والقضاء تطبيقه وبين الأمل في استحداث قانون تأمل منظمات المجتمع المدني في تطبيقه, مؤكدا أن النيابة والقضاء يتعاملان من خلال القوانين السارية حاليا والتي تنص علي ضرورة أن يكون القضاء العسكري هو الجهة الوحيدة المختصة بمحاكمة العسكريين وليست النيابة العامة, مشيرا إلي أن النيابة العامة أعلنت إعدادها مذكرة من700 صفحة استندت فيه علي تقرير لجنة تقصي الحقائق وقدمتها في الجلسة السابقة لمحاكمة مبارك والعادلي, معتبرا ذلك جهد تقوم به النيابة وإن كان مازال مطروحا أمام المحكمة.