مرحلة تحور استراتيجي تمر بها عصابات المافيا في إيطاليا, في وقت اعترضت فيه الأزمة الاقتصادية مستقبلها ب سيف ذي حدين. شعر قادة العصابات بالأزمة وأيضا الفرصة التاريخية التي تحملها. فسارعوا علي غرار قادة بلادهم إلي ضبط الإنفاق مع الاتجاه إلي مناطق استثمار جديدة ذات عائد مضمون. وقد حملوا في جعبتهم رؤي إستراتيجية للمستقبل محاولين الارتقاء بكيان العصابة لتكون بمثابة حكومة بديلة, تنبذ العنف وتلجأ إلي وسائل السيطرة الناعمة علي السياسة والاقتصاد. أرباح الأزمة تشير أحدث الدراسات التي أجرتها جامعة كاتوليكا بميلانو شمال ايطاليا في يناير الماضي إلي أن عصابات المافيا الأربع الرئيسية( نادنجراتا, كوزا نوسترا, كامورا, وبوليزي) تحقق أرباحا سنوية تتراوح ما بين8.5 و13 مليار يورو. ووسط منافسة متزايدة مع عصابات المافيا الأجنبية, تصل أرباح مجمل النشاط الاجرامي في البلاد إلي نحو26 مليار يورو سنويا, ما يمثل1.7% من الناتج المحلي الاجمالي. وتتراوح أنشطة المافيا ما بين: تهريب السلاح والمخدرات والتزوير والمقامرة و تجارة النفايات والاستغلال الجنسي و الربا والابتزاز. وإن كان ذلك هو الشطر المعلوم, فان عالم المافيا الأكثر سرية يمتد إلي مختلف قطاعات الاقتصاد الحيوية بالبلاد بدءا من الطاقة النظيفة وحتي الفنادق والمحال التجارية. حيث يسعي إلي إعادة ضخ أرباحه واستثمارها, وسط عمليات غسيل أموال معقدة. ويؤكد روبرتو سافيانو الكاتب الايطالي الشهير, أن الأزمة الاقتصادية في أوروبا و سائر الغرب عموما أتاحت فرص أكبر للمافيا( من مختلف الجنسيات) لاختراق الاقتصاد المشروع. ويلمح في هذا الصدد الي تصريحات أنطونيو ماريا كوستا رئيس مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات و الجريمة(عام2009) التي كشف فيها عن أن أرباح العصابات الإجرامية شكلت مصدر السيولة المالية الوحيد المتاح أمام بعض البنوك التي كانت علي شفا الانهيار إبان الأزمة المالية عام.2008 و يوضح سافيانو ذ سس ذ352 عوائد تجارة المخدرات العالمية, مرت بعملية تدوير كاملة, لتمتزج بالاقتصاد المشروع. وهو ما يثير تساؤلات حول مدي نفوذ أموال الجريمةس. وبحسب سافيانو, فإن الكثير من الدول الغربية تلجأ إلي المكابح وهي تكافح تجارة المخدرات, في خضم الأزمة. يأتي ذلك في وقت توالت فيه التقارير حول تضخم نشاط المافيا في ايطاليا لتكون بمثابة المصرف الأكبر في البلاد بسيولة سنوية تقدر ب65 مليار يورو. وهو ما يؤدي إلي لجوء الكثير من الشركات المتعثرة للاقتراض منها بنسب فائدة عالية(ربا), بعد أن انحسر نشاط البنوك الاقراضي. حتي أن ماركو فنتوري رئيس اتحاد التجار الايطاليين قد صرح العام الماضي- بأن المافيا تعد الكيان الاقتصادي الوحيد القادر علي القيام بالأعمال الاستثمارية, وأشار إلي انه في الوقت الراهن وبسبب هذه الأزمة, يتم إقامة علاقة خفية وتواطؤ بين أجزاء محدودة من عالم المال والأعمال والجريمة المنظمة. حكومة بديلة فتحت هذه التحولات الباب علي مصراعيه أمام المافيا لخوض عملية تحول استراتيجي. ويكشف جوزيبي بيزانو رئيس لجنة مكافحة المافيا في البرلمان الايطالي السابق, عن أن المافيا تهدف الي خلق حكومة بديلة في ايطاليا من خلال السيطرة علي المال والاقتصاد. أما أداة تحقيق هذا الهدف فهي: إفساد السياسة. ويؤكد بيزانو- في مارس الماضي- أن بحرا من الأموال القذرة يتدفق كل عام إلي الاقتصاد.. يفسد كل ما يواجهه وكل من يقف أمامه. وصار نشاط المافيا يتحول بشكل ملحوظ من نقاط التمركز في جنوب البلاد إلي مناطق الوسط و الشمال وحتي خارج الحدود, حيث المؤسسات المالية والاقتصادية الكبري, وذلك من خلال وسطاء أقوياء يعملون كواجهة. وتسود مخاوف من سقوط شمال ايطاليا تحت استعمار المافيا التي تعمل جاهدة علي بناء علاقات مصالح فاسدة طويلة الأمد به. تحدي داخلي ومع ذلك فان جملة من التحديات أصبحت تواجه هذه العصابات: في مقدمتها تراجع أرباح الابتزاز, في ظل إفلاس الكثير من أصحاب الأعمال والمال في ايطاليا. مصادرة الحكومة الايطالية للكثير من الأصول التي تمتلكها المافيا, والتي يبلغ اجمالي قيمتها نحو7 مليارات يورو علي مدار السنوات القليلة الماضية, بحسب تصريحات بيزانو. وبالرغم من كل هذه الظروف نجد قدرة هذه الكيانات علي إبرام التحالفات والتحدث بعدة لغات والعمل كشركات متعددة الجنسيات, جعلها ربما أكبر من أن يتم مواجهتها.