قبل ثلاث سنوات تقريبا اظهر المخرج الفرنسي اليوناني الاصل كوستا جافراسCostaGavras, لرواد مهرجان اسطنبول السينمائي في دورته التاسعة والعشرين, من خلال فيلمه عدن الغربEdenIsWest, إلي اي مدي وصلت إليه إزدواجية مواقف قطاع الاعمال الاوروبي الذي كان يرفض علنا الهجرة غير الشرعية, إلا أنه في الحقيقة يستغلها أسوأ إستغلال يعود بها إلي عصر العبيد, وعكس ما يروجونه الأوروبيون من الدفاع عن القيم وحقوق الانسان, العام الحالي ومن خلال المهرجان نفسه والذي اختتم فعالياته اخيرا, تجدد اللقاء مع جافراس بتنويعة أخري هي الأحدث وقد أخذ لها عنوانLeCapital, وهي لا تبعد كثيرا عن الشريط المشار إليه والذي تمحور حول حلم الجنوب وهو إجمالا زائف, في الغرب باعتباره جنة عدن, بيد أنها تدور حول توحش الرأسمالية من خلال عالم البنوك وما يحاك بداخله من مؤامرات وصفقات مشبوهة تزيد ثراء من هو في الأساس ثري, وتدفع من لا يملكون إلي المزيد من الحضيض, فالمال لم يعد مجرد الملك بل هو أكثر من ذلك إذ صار مدعوما بقوة الطبيعة وما ورائها. غير أن أطروحة جافراس تفشل في لجم الوحش المالي, ولقطاته في محصلتها النهائية لن تتمكن من الحديث الجدي عن بدائل للنظام الاقتصادي الحالي وما يمثله من السلطة المطلقة في الحياة اليومية لأنها ببساطة غير موجودة, فلا أحد يسعي حقا إلي الإصلاح فالمنوط بهم عمل هذا الإصلاح يريدون فقط الحصول علي متعة التوحش, ويالها من مفارقة فالمقارنة بين العولمة الرأسمالية ومظاهرها الصارخة من يخوت وسيارات فارهة وطائرات خاصة وبغايا, والماركسية الدولية والتي كان مسرحها مأدبة عشاء ضمت أسرة بطل الفيلم( ادي الدور جاد الملاح وهو يهودي من أصل مغربي) لم تكن في مصلحة الاشتراكية, فالأخيرة وكما هو مفترض تدافع عن البروليتاريا إلا إنها في الواقع دفعت( ولاتزال تدفع) إلي إفقار هؤلاء الشغيلة. ولن تنتهي الإثارة عند هذا الحد, فجافراس وفي نهاية رؤيته يقدم بطله رجل البنك العابر للقارات وكأنه روبين هود الفقراء ولكن في الالفية الثالثة. من الغني الفاحش إلي الفقر المدقع إلي مناطق ملغومة وعوالم تتداخل فيها أساطير الماضي الغابر بكل ما يحمله من حكايات إبادة وطمس, إلي حاضر خارج توا من حرب تداعياتها مازالت تتفاعل وعدم مساواة علي مختلف الصعد وخوف يسكن البشر والارض معا أنها كولومبيا بلد جابرائيل جارسيا ماركيز, الكائنة هناك في أقصي الشمال الغربي من أمريكا اللاتيية هذا فحوي الحبل أوLaSerga والذي أخرجهWilliamVega المولود عام1981, علي الرغم من أنه العمل الروائي الأول في مسيرته التي إقتصرت علي الشرائط الوثائقية والتسجيلية, فإنه شارك في ثلاثة مهرجانات عالمية بدءا من كان الفرنسي, مرورا بتورنتو الكندي وإنتهاء بسان سبستيان فضلا علي حصوله علي جملة جوائز من القارة اللاتينية. لا مكان للثرثرة, فقط الكاميرا هي التي تتحدث ترصد الجغرافيا الاستثنائية ومعها خلجات النفوس التي لا تعرف اي مرفأ لها تسكن, عبر بحيرة تحتضنها جبال الأنديز تنقل اسلحة هنا وهناك, ثم فجاة يعلق الوسطاء علي المشانق يصلبون علي يد هؤلاء المتحكمين في كل شئ. من بلاد الموز إلي المانيا, وعمل جديد لمارجريتا فون تروتا, فبعد أن قدمت روزا لوكسمبورغ في عام1985, تلك المناضلة التي لعبت دورا سياسيا وفكريا بارزا ليس في تاريخ المانيا الحديث فحسب بل في مسيرة الحركة العمالية والثورية, تعود مع بربارا سوكوفا التي جسدت شخصية روزا, في فيلم أخر وشخصية نسائية يهودية أيضا, وأن كانت علي النقيض إيديولوجيا علي الأقل, إنها حنا ارندت أحد رموز الفكر السياسي في القرن العشرين, وذلك بإسهاماتها الخلاقة في تعرية النظم التوتاليتارية الفاشية القمعية, ورغم أن الشريط عرج إلي جوانب من حياتها خصوصا قصة حبها التي لم تكتمل مع الفيلسوف مارتن هيدجر, فإن تركيزه انصب علي رؤيتها لمحاكمة النازي اودلف ايخمان عام1962, الذي عاش متخفيا لسنوات طويلة إلي أن استقر في العاصمة الارجنتينية بيونس إيريس إلا أن الموساد تمكن من رصده إلي أن اختطفه وتم ترحيله إلي الدولة العبرية, حيث جرت محاكمته الأسطورية والتي قامت ارندت بمتابعتها بناء علي تكليف من المجلة الامريكية الشهيرة النيويوركر. ولأنها صارت عكس التيار, فقد انهالت عليها اللعنات بيد أن تلك المتابعة قد جلبت عليها حملة وصفت آنذاك بالهستيرية لنقدها للحديث عن ايخمان بطريقة تقود حسب وصفها الي تسفيه الشر. فايخمان حسب تقديرها هو في النهاية منفذ للأوامر, لم يكن في وضع يؤهله للتفكير بما كان يقوم به, تلك كانت فترة عصيبة اضيفت إلي تجارب مريرة مرت بها ارندت وبرغم ذلك صنعت منها شخصية عنيدة لا تكل من الترويج لوجهة نظرها, وها هي مارجريتا فون تروتا تعيد المجد لها.